تعهدت الولايات المتحدة وفرنسا في 22/11/2015 "سحق تنظيم داعش" وفق ما أعلنه رئيسا الدولتَين. سحق داعش! جيِّد، بل ممتاز، لكن يحق لنا أن نتساءل أين كانت هذه النخوة الفرنسية والأميركية منذ نشأة هذا التنظيم أو -لنكن أكثر تساهلاً- لنقُل منذ بداية توسُّعه وإعلانه قيام دولته مقتطعا مساحة شاسعة من الأراضي السورية والعراقية؟ أين كانت هذه الصحوة عندما كانت جحافل التنظيم وأرتاله العسكرية تتنقّل في الصحراء لتسقط المدينة تلو الأخرى من الرقة الى الموصل مكشوفة في وضح النهار آمنة على نفسها من أي ضربة أسَدية أو دولية؟! وماذا كان يفعل الائتلاف الدولي العسكري المكوّن من نحو 70 دولة من أجل محاربة داعش منذ بداية طلعاته الجوية في أيلول 2014؟ والأسئلة تطول وتطول...
بدون أحكام مسبقة ولا تأثُّر بنظرية المؤامرة (الصحيحة في مسائل كثيرة)، وبمجرّد استعمال التحليل والمنطق لا نستطيع أن نفهم ذلك التغاضي عن خطر داعش حتى وصلت الى وسط باريس إلا في إطار دعم العميل الأممي "بشار الأسد" كون داعش في فترة السماح (على فرْض انتهائها اليوم) صبَّت أبشع أنواع إرهابها على الجيش السوري الحر وفصائل المعارضة المعتدلة، قاتلتهم وحدهم وانتزعت منهم أراضي محرّرة من الاحتلال الأسدي بتكاليف بشرية ومادية هائلة، بل كان ذلك التنظيم الإرهابي يتسلَّم من الجيش الأسدي مدنًا بكاملها بسلاسة تامة وبرضى النظام المجرم وذلك خشية أن تقع بيد المعارضة وبسبب حاجة الأسد الى نقل جيشه الى مناطق استراتيجية (علوية) أكثر أهمية... وآخر المدن الي سلّمها الأسد للتنظيم كانت "تدمر" التي زحفت إليها أرتال داعش بمواكب جرّارة دون أن تتعرّض لرصاصة واحدة من الائتلاف الدولي!
عذرًا على التعبير، بالتحليل والمنطق فرنسا وأوروبا تدفعان اليوم ثمن سياستهما الخاطئة (كي لا نقول المتواطئة) في سوريا خوفًا ورعبًا وأرواحا بريئة من باريس الى بروكسيل الى برلين وسواها من عواصم الدول الفاعلة في القرار الدولي، هذا فضلاً عن تسونامي اللاجئين الذي ضرب سواحل إيطاليا واليونان وأغرق سائر الدول الأوروبية. فهل كان لا بد للسكين أن يصل الى عنق فرنسا كي تصحو وأوروبا وأميركا لخطر داعش، وهذا كله مجدّدا على فرض صحّة وجدية هذه الصحوة؟
الموقف الفرنسي المعلَن (ونشدّد على وصف "معلن") كان "لا لداعش ولا للأسد" وإن كان تطبيقه العملي "نعم لداعش ونعم للأسد"، هذا الموقف انقلب فجأة في 13/11/2015 عند الساعة 9.20 مساء (توقيت بداية الجهوم الداعشي على باريس) ليصبح "لا لداعش فهو عدونا أما الأسد فهو عدو شعبه"، هذا ما صرّح به كبار رجال الدولة الفرنسية، فما مدى دقّة الموقف المستجد قولا لا عملا وداعشيًا لا أسديًا كون الأسد كان ولا يزال في دائرة العفو الدولي؟
في إجابة مستندة الى ما سبق للفرنسيين أن صرّحوا به من تحميل الأسد مسؤولية انشاء داعش وتمددها، وقولهم إن "الأسد لا يستحق أن يكون على كوكب الأرض" (لوران فابيوس)، لا شك لدينا في أنهم يعرفون تمامًا من هي داعش ومن هو الأسد ومدى ارتباط كل منهما بالآخر والمصالح المتبادلة بين الطرفين الإرهابيَين؛ فبمراجعة سريعة لتوقيت العمليات الداعشية الإرهابية نلاحظ أنها تصبّ بشكل لافت في مصلحة الأسد وكان آخرها اعتداءات باريس قبل أقل من 24 ساعة على انعقاد مؤتمر فيينا حيث تمّ التوصل نظريًا الى تسوية للشأن السوري نصّت على عملية انتقالية مدتها 18 شهرًا، كان إرهاب الأسد ومستقبله الغائب الأكبر عن المؤتمر والإرهاب الداعشي الحاضر الأول والأخير بلا منازع.
من هنا لا نرى مفرًّا من الإجابة القاسية بأن الحزب الإشتراكي الحاكم في فرنسا إنما يستخف بعقل شعبه عبر تصويبه البوصلة نحو داعش فقط وتحميلها المسؤولية الكاملة عما حدث والتوعّد بسحقها، لأن اعتراف الرئيس الفرنسي الاشتراكي بالحقيقة تعني تلقائيًا (automatiquement)استقالته وفريقه السياسي من الحكم وإعلان فشله الصريح ومسؤوليته المدويّة عن الأرواح الفرنسية التي أزهقت؛ من هنا لا يجرؤ "فرنسوا هولاند" على الاعتراف بأن فرنسا أخطأت في التعامل مع الأزمة السورية وأن للأسد "مَوْنة" وإن كان شريكا في الجريمة بصفته من مؤسسي داعش ورعاتها وإذا وجب القضاء عليها فالقضاء عليه واجب من باب أولى... هذا ما يجب أن يدركه الشعب الفرنسي، فلا أمن ولا اطمئنان بمجرّد القضاء على "داعش" كما تدّعي حكومته، لأن داعش "مصنع إرهاب" حقًا كما قال "هولاند" لكن خاصيّة هذا المصنع أنه لا يستطيع أن ينتج بإيديولوجيّته إلا دواعش مثله، أما الأسد صانع داعش فمصنع إرهابه قادر على انتاج داعش وماعش وباعش وتاعش كي تخلف داعش فيما لو هلكت، وقد أثبت ذلك بجدارة.
التعليقات (0)