مواضيع اليوم
بقلم / صادق الشيحاني
الإدارة فن يحتاج من ينصب نفسه في قمة هرمها إلى الدراية والعلم والخبرة والحنكة والحكمة بحيث تجعله ملما بكافة تفاصيل القضايا لاتخاذ القرار الحكيم الذي يتناسب مع حجمها بشكل لائق دون أية إخلال بالعدالة والمساواة .
والإدارة التي أقصدها في مقالي هذا ليست منحسرة في مستوى معين بل هي تشمل جميع المستويات وعلى كافة الأصعدة والجوانب للقضايا . لكن هنا أريد أن يكون المقال محصورا بقضية معينة ومهمة جدا تكمن في الرئاسات الثلاث للبلد ومن تحت إداراتهم من إداريين وأصحاب قرار بمستوى أدنى كالوزراء والنواب. وبالخصوص في قضية القاطنين في معسكر رفحاء ودمجهم بالسجناء السياسيين وشمولهم بكافة استحقاقات السجين السياسي علما أن السجناء السياسيين لا يزالون يعانون من عدم تفعيل قانون السجناء السياسيين فيما يخص تعويضاتهم المادية والمعنوية بالرغم من كون هذا القانون أعور وأعرج ومشوه قانونيا وإنسانيا مع حجم التضحيات التي قدمتها شريحة السجناء السياسيين. ومن هذه المقدمة توجب علي كسجين سياسي أن أقدم وأسجل أول إعتراض على هذا القرار اللاحكيم واللامنصف بحق شريحة السجناء السياسيين الذين كانوا ولازالوا ضحايا لحكومات إما قمعية أوغير رشيدة وغير عادلة ومنصفة. وسأطرح بعض مواصفات السجين السياسي مقارنة ببعض مواصفات القاطنين في معسكر رفحاء كي تتبين صورة الشريحتين الحقيقية للجميع وبالخصوص من تجرأ على الإساءة المستمرة للسجناء السياسيين والذين لاتقل إساءاتهم عن إساءة معاملة النظام المقبور.
من هو السجين السياسي ومن هو القاطن في رفحاء باختصار شديد.
أولا... نبذة عن شخصية السجين السياسي وواقع معاناته .
السجين السياسي هو صاحب انتماء لحزب سياسي محظور ومعارض لنظام البعث الصدامي آنذاك سواء كان هذا الإنتماء السياسي خارجي أو داخلي وسواء كان تنظيما مسلحا أو فكريا أو يشمل الجناحين معا. مما جعل السجين السياسي عامل مهم في تقويض ونخر أجهزة البعث الحكومية ونشر بعض جوانب الرعب في الكثير من أركانها وبين أفرادها وهذه عمليات مسجلة وموثقة محسوبة للسجين السياسي ومحسوبة للحزب أو التنظيم المعارض لنظام البعض,ثم السجين السياسي حمل على عاتقه مشروع العمل المرهون والمقرون بمشروع الشهادة من أجل الدين والوطن والقيم والمبادئ مما جعله عاملا مهما في محاولات عديدة لإعادة عدة مشاريع دينية ووطنية كاد البعث أن يقضي عليها كليا .وعليه فالسجين السياسي إما أن يكون مقاتلا مسلحا لردع أزلام النظام الصدامي أو خطيبا ومحاضرا ومثقفا يعمل على نشر الوعي الديني والوطني والسياسي في مجتمعه ويترتب على هذا العمل أن يقف على خط المواجهة الحقيقية والواقعية ضد أعتى الأجهزة القمعية والدكتاتورية الإجرامية في العالم . مما جعل السجناء السياسيين في قبضة هذا النظام المجرم ليتلقون على أيديه أبشع وسائل التعذيب النفسي والجسدي واللا أخلاقي المقرون بالسجين نفسه وأيضا مقرون بعائلة السجين السياسي كأمه وزوجته وأخواته وبناته حتى وإن كان على مستوى التهديد والوعيد وليس على مستوى الفعل الحقيقي. مضافا إلى هذا كله فقد ضاع مستقبل السجين السياسي منذ بداية مشاركته في العمل التنظيمي المعارض لنظام البعث كمستقبله الدراسي فمعظم السجناء السياسيين قبعوا في المعتقلات ومن قبلها انهمكوا في العمل السياسي المعارض تاركين دراستهم سواء رغما عنهم أو لأغراض أخرى متعلقة بخصوصيات العمل السري للتنظيم وأيضا فقدوا مستقبلهم المادي لكونهم قبعوا خلف قضبان السجون وزنازينها تاركين عوائلهم بلا قوت وبلا أي مصدر رزق لإعالتهم وبالتالي عندما تم إطلاق سراح السجناء السياسيين كان بينهم وبين أقرانهم في المجتمع بون شاسع على مستوى التحصيل العلمي ومستوى التملك لعقار أو لمصدر رزق فبينما هم في الزنازين كان غيرهم يعمل لنفسه ويبني مستقبله وحقق أشياءا وأمورا منعت السجين السياسي من تحقيقها لكونه معزولا رغما عنه عن الواقع الخارجي والحركة الطبيعية فيه لبناء مستقبله كالآخرين .أضف إلى ذلك أن السجين السياسي بعد خروجه من سجون وزنازين نظام البعث المقبور مجرد جثة واعية فقط دون أية مقومات صحية بدنية بسبب التعذيب بمستوياته المذكورة أعلاه الذي تلقاه السجناء السياسيين على أيدي زبانية وجلادي النظام الصدامي المقبور . وهذا غيض من فيض عن واقع مواصفات السجين السياسي كقضية متبناة منه وكواقع حياة عاش معاناتها السجين السياسي في عمله وسجنه ولو أسهبت لتطرقت لأمور غائبة عن وعي أغلبية الشعب وإدارات السلطات الحاسدة للسجين السياسي والتي تعتبر نفسها قد تكرمت على السجين السياسي وصاحبة فضل عليه وهذا من نكد الزمان ومعايبه إذ يعمل الفلاح بكل كد وجهد ليحصل على فتافيت من الخبز لاتكفي لسد رمق عيشه وقوت عياله بينما الإقطاعي ينعم بجني الأرباح التي سال عليها عرق الفلاح المغدور حقه .!؟
ثانيا... نبذة عن القاطنين في معسكر رفحاء وأصنافهم .
بداية ماهو معسكر رفحاء وأين يقع ومن أنشأه وما هي أسباب إنشاء هذا المعسكر.؟
معسكر رفحاء هو من بوادر قوات التحالف وعلى وجه الخصوص الإدارة الأمريكية والنظام السعودي ومكانه في السعودية وكان مقررا أن يكون مأوى لأسرى الجيش العراقي سواء يتم أسرهم عنوة أو يسلموا إلى الجيش الأمريكي في وقتها وبالفعل بدأ هذا الواقع يتجه بما هو مخطط له تماما حيث تم أسر جنود كثيرين وتم إيداعهم في معسكر رفحاء وأيضا تم تسليم جنود آخرين وهم كثرة أيضا وأرسلوا لنفس المعسكر مما جعل الكثيرين من العراقيين في وقتها أن يرتدوا الزي العسكري عندما يقتربوا إلى بعض السيطرات الأمريكية في بعض المناطق للمحافظات الحدودية مع السعودية وبعد أن كشف الأمر وأصبح واضحا للقوات الأمريكية والسعودية قررت لاحقا بفسح المجال أمام المدنين أفرادا وعوائل وضمهم وإيداعهم بهذا المعسكر . وبالتالي ليست هنالك أية قضية سياسية تربط قاطني رفح بالسجناء السياسيين فدواعي هروبهم من العراق معروفة وواضحة وهي دواعي إنسانية بحتة لاعلاقة لها بالسياسة مطلقا . مضافا إلى ذلك كان يسمح لهم من قبل إدارة المعسكر ذات الشأن بالعودة إلى العراق وعلى هذا الأساس صدرت قرارات عدة من قبل النظام الصدامي المقبور على سبيل المثال اعتبارهم أسرى وشمل بعضهم برواتب تقاعدية كأسرى حرب .ولكن النظام الصدامي لم يكن غبيا لهذه الدرجة حيث بدأ يتعامل مع الوضع بطريقته الإدارية الصارمة وقد تم كشف الكثيرين من العسكريين التي كانت وحداتهم بعيدة عن مناطق أسرهم وبعدها تعامل مع هذه الأزمة بأشبه بطريقة العفو أو ربما أصدر عفوا بهذا الخصوص حسب ماأتذكر . هذا فيما يخص العائدين منهم وهم فئة كبيرة. أما الذين بقوا في معسكر رفح فقد اعتبرتهم الإدارتين الأمريكية والسعودية لاجئين وقد عوملوا على هذا الأساس وتم رفع طلباتهم إلى دول كثيرة وقد تم إستحصال الموافقة من بعض الدول لكثيرين من القاطنين في معسكر رفحاء وأما من بقي فلم يستحصلوا على موافقات الدول التي تم رفع طلباتهم إليها . فماهي علاقتهم بالسجناء السياسيين أصلا ؟؟؟
أضف إلى ذلك أن معسكر رفحا كان يحظى برعاية وزيارات دولية تفقدية للقاطنين فيه وكان معسكر رفحا أشبه بمدينة سعودية خصصت للعراقيين حيث تم بناء دور سكنية في هذا المعسكر أفضل من دور الأحياء السكنية الفقيرة المحرومة في العاصمة بغداد. هذا مع منحهم رواتب شهرية لكل فرد وعائلة بغض النظر عن قيمة هذه المرتبات . أضف أيضا أن طعامهم كان جيد جدا بحيث أن بعضهم ينقل لي حادثة حصلت هناك في رفح من قبل العراقيين على إدارة المعسكر والحادثة هذه هي إضراب عن الطعام والسبب يدعوا إلى التعجب والتوقف تأملا فيه طويلا فحقيقة لوعرف السبب لبطل العجب فأسباب الإضراب كانت على استمرار النوعية في الطعام وهو من الدرجة الأولى طبعا ومن أفضل المناشئ للأغذية العالمية لكن أخوتنا في رفح طالبوا بأكلات عراقية يطبخونها بأيديهم لكونهم من محبي التشريب والمخلمة العراقية. فعن أية معاناة يقارنون بها أنفسهم مع السجناء السياسيين .!؟
أضف إلى ذلك أنهم استمروا في مواصلة التعليم طبعا لمن يرغب في إكمال تعليمه الثانوي .
نقطة مهمة .
مايتعلق ببعض الذين إشتركوا في الإنتفاضة الشعبانية فالذي يقال عن المتواجدين في رفح أنهم ممن كان قد إشترك في الإنتفاضة الشعبانية والحقيقة أن قلة منهم كان قد إشترك ومباشرة بعد سماعه لإشاعات المخابرات الصدامية بقدوم الحرس الجمهوري وتوجهه نحو مدن الجنوب ترك هؤلاء أخوتهم في الإنتفاضة يلاقون مصيرهم لوحدهم حتى نالت منهم آلة البعث العسكرية الكافرة وقتلتهم تقتيلا ولكن مثواهم ومن دون أدنى شك جنات النعيم .
ونقطة أخرى يجب ذكرها لكي يشهد التأريخ على القاطنين في رفحا . كانت هنالك زيارات متواصلة من قبل إدارة المجلس الأعلى وبالتحديد من قبل السيد محمد باقر الحكيم يطلب من الذين في رفح أن يشاركوا معه في تشكيلات المجلس الأعلى لكن دون جدوى لأن همهم كان متعلقا بالهجرة والحصول على لجوء إنساني في أحدى دول الغرب ليعيشوا متنعمين . فأين الرابط بينهم وبين السجناء السياسيين ياإدارة العراق التشريعية والتنفيذية!؟
ختاما أود أن يعرف الجميع بمن فيهم المعنيين بهذا المقال وهم القاطنين في رفحا أنا لست معترضا على تعويضكم المادي مهما كان ومهما بلغ حجم وكم التعويض حتى وإن زاد تعويضكم عن تعويض السجناء السياسيين بملايين الدولارات فهذا أمر لست مهتما له ولا أبالي به إطلاقا . لكن همي الوحيد أن تصادر تضحياتنا ومعاناتنا ومآسينا نحن السجناء السياسيين بدمج من ليست له قضية وليس له تأريخ بطولي وجهادي ونضالي قارع به أعتى أنظمة العصر فدمجكم معنا هو ظلم لايقل عن ظلم صدام لنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التعليقات (0)