يبدو أن أهل الباطل لا يملوا من محاولة العبث بأمن مصر، والانقلاب على الثورة، ومحاولة سرقتها، أو الالتفاف عليها، وسرقة مكتسباتها، أو إعادة إنتاج النظام السابق، لكن بوجوه جديدة، وجعبة الشياطين ما زال فيها الكثير، كل يوم يخرج منها سهم شيطاني خبيث، يصوب نحو الوطن الجريح، الذي يحاول أن يسترد عافيته من آثار العملية الاستئصالية للورم الخبيث، الذي أنهكها طيلة ثلاثين عاما، فكلما استرد شيئا من العافية، صوب إليه السهم المسموم من الجعبة الشيطانية، فيهوى على أثرها إلى الأرض ثانيا، يئن من الألم، ويصرخ من الجراح، ويبدوا أن أصحاب الجعبة قد ماتت ضمائرهم، بل تستطيع القول أن الضمائر لم تكن موجودة أصلا.. هل يعقل أن يرى هؤلاء عاقبة الظالمين أمام أعينهم من ذل بعد عز، وضعة بعد رفعة، ثم بعد ذلك يصرون على إنتاج الظلم مرة أخرى، واستنساخ الخيانة للوطن مرات ومرات، إلا أن تكون عقولهم قد غابت، وقلوبهم قد ماتت؟..
لقد صوبوا السهام للوطن في الآونة الأخيرة؛ ليجهزوا عليه بلا ضمير ولا رحمة ولا ذرة إيمان، فبعد أن وجدوا الثورة تتقدم خطوات إلى الأمام، ومطالبها تتحقق الواحد تلو الآخر، غاظهم ذلك وأبوا إلا أن يهدموا المعبد على من فيه، فلم يرضوا بأقل من إحراق الوطن، وليكن بعد ذلك ما يكون، لعبوا على وتر الفتنة الطائفية، وضرب عنصري الأمة بعضهم ببعض، مستغلين بعض البلهاء والخبثاء من الطرفين، فكانت أحداث إمبابة التي مازال الوطن ولا يزال يئن منها ..والحقائق تتكشف يوما بعد يوم بأن المتورطين فيها هم فلول الحزب البائد من مسلمين ومسيحيين وعناصر أمن الدولة الذين –وهذا مما يحير- أعيدوا إلى العبث بالوطن تحت مسمى الأمن الوطني، وكأننا قد انتهينا من الحزب الوطني حتى يخرج علينا الأمن الوطني بقيادات أمن الدولة السابقين المتورطين في جرائم تعذيب، وانتهاك لحقوق الإنسان، نفس الأسماء، ونفس الأشكال، ونفس المقرات بما تحويه من أماكن ووسائل تعذيب تحت لافتة جديدة " الأمن الوطني"...
فماذا فعل المجلس العسكري؟ وماذا فعلت الحكومة الموقرة؟ لقد تركت حفنة من الأقباط الموتورين يعبثون بأمن الوطن، ويعطلون شارع ماسبيرو، ويخطفون الفتيات المسلمات، ويعذبونهن ويرسمن الصليب على أيديهن قهرا، كل ذلك بلا حراك، بل تحت حراسة تامة من قوات الأمن المركزي، التي كانت تستخدم لسحق المتظاهرين سلميا، فأين هي الآن من العبث بأمن الوطن؟ وأين قانون الطوارىء الذي كان يطبق على أصحاب الرأي وأحرار الوطن؟..
ولما لم يفلح هذا السهم جاء السهم الثاني في أقل من عشرة أيام، مجموعة من الشباب لا نعرف هويتهم يريدون اقتحام السفارة الإسرائيلية في ظرف حساس تمر به مصر، وكأننا بنينا الوطن، وأصبحنا دولة قوية ثابتة الأركان، راسخة البنيان، حتى نقتحم السفارات، ونطرد السفراء..
فجأة وبدون مقدمات يظهر مبارك وزوجته ليعلنا عزمهما عن التنازل عن ممتلكاتهما للشعب في مقابل العفو عنهما، ونجاتهما من المحاكمة، في أسلوب جديد يطرق به على عاطفة الشعب المصري المسكين، الذي يئن تحت الجوع والمرض والخوف من المجهول، في ظل أزمات اقتصادية مفتعلة للسلع التموينية الرئيسة، مثل الغاز والسولار والبنزين.. جذب هذا الحديث الكثير من المحتاجين الخائفين إلى هذا الحل، وكأن محاكمة مبارك هي التي ستعطل الإنتاج، وتضرب الاقتصاد؟ وكأن هذه الأموال والممتلكات التي عرضاها ملكهما حقا، يمتنا بها على الشعب؟ أليست هذه الأموال في الأساس هي أموال الشعب؟ ثم أين هذه الحفنة المعروضة من الجنيهات، من الأموال المكدسة في بنوك أوروبا ؟ ثم هذه الأموال في مقابل العفو عن أي جريمة بالضبط ؟ عن سرقة الوطن؟ أم عن تدميره وتخريبه المتعمد؟ أم عن قتل الأبرياء في ميدان التحرير وميادين مصر المختلفة؟ إنها جريمة لم تكن في حق أحد يملك التنازل عنها، وإنما كانت في حق الوطن بأكمله، بل الأوطان العربية بأكملها، بل في حق مقدسات الأمة..
يبدو أن المجلس العسكري بدأ يستجيب إلى ضغوط الخارج، الذي يحاول بكل وسائله الحيلولة دون محاكمة مبارك ..الحليف الاستراتيجي.. والكنز الاستراتيجي.. من باب رد الجميل، والخوف من كشف الأسرار، ورسالة تطمين إلى النظام الجديد، الذي تسعى دوائر الغرب إلى إيجاده في مصر بديلا مريحا عن النظام السابق.. والثورة المضادة دخلت حيز التنفيذ في الآونة الأخيرة، يقودها يحي الجمل الذي يريد أن ينقلب على الإعلان الدستوري، ويطيل أمد الحكم العسكري، ويذهب بنتائج التعديلات الدستورية أدراج الرياح؛ ليعيد إنتاج النظام السابق بأشكال وأسماء جديدة ..فهل يا ترى أصبحت ضغوط الخارج أقوى من ضغوط الداخل؟ أم أن بريق ذهب المعز أقوى من بريق سيفه؟....
محمد عبد الفتاح عليوة
Ostaz_75@yahoo.com
التعليقات (0)