كنت أشاهد ليلة أمس مقابلة مع الدكتور يوسف الأحمد , وقد هالني ما سمعت , حيث أن الرجل بصدد رفع 42 قضية مختلفة على صحف وأفراد ومن أهم تلك القضايا قضية رفعها ضد وزارة التربية و التعاليم بسبب تفكيرها في جعل الصفوف الدنيا من الأول إلي ثالث يقوم بتدريسها نساء .. سبحان الله .. وكان من مجمل كلامه انه ثبت أن ذلك خطاء حيث أن "الفلبين بدأت تفكر في الفصل وان السودان كذلك قامت بذلك والكويت" , وان ما تقوم به وزارة التربية هي خطة لجعل الاختلاط في جميع الصفوف بالتدريج ؟! وان هذا يعارض تعليمات الدولة التي لم يأتي ما يلغيها .. على حد قوله ؟!
ولكن لماذا ؟ لماذا.. هذا التفكير المشوب بالغموض و الجهالة و الريبة , المتسم بالعجز , والدليل انه كواعظ لم يعتمد على دليل من الكتاب أو السنة , بل هي محكومة بتقاليد لم ينزل الله بها من سلطان , ودراسات حديثة , لو انه استخدمت حجة عليه لقال : أين قال تعالى , وسنة نبيه ؟!
إني كلي ثقة انه لو أمكنته الفرص لرد المرأة إلي البيت وغلق عليها الأبواب , وحرمها مختلق الحقوق المادية والأدبية , وجعلها القدم العرجاء للإنسانية أو الجناح المكسور للأمم الصاعدة . أليس الدكتور الأحمد مدرس في جامعة الإمام محمد بن سعود , فهو مؤكد مطالع للقران والسنن الصحاح التي ترى المرأة جزءا حيا من مجتمع حي , فهي تتعلم وتتعبد وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتجاهد – إذا شاءت في البر والبحر, وتؤخذ منها البيعة على معاقد الإيمان والأخلاق , وتعارض الحكم وتؤيده ..الخ
سؤلي له : هل لو كنت صاحب أسرة حين أمر الملك فيصل بتعليم البنات , هل كنت تحولت من البلد التي تسكن فيها والتي أنشئت بها مدرسة بنات ! وكرهت أن ترى هذه البدعة المنكرة !.. كما فعل الكثير في ذلك العصر .. ام انك كنت ستصمد وتقول أن هذا هو الصحيح , وإذا كان جواب لا .. فهل بناتك يدرسن ألان أم لا ؟ إذا ليس كل تقليد صحيح ولا كل موروث دين , فلا داعي حمل بعض الدعاة على ترويج أحاديث موضوعة أو واهية , وتكذيب أحاديث صحيحة أو حسنة , أن حماسكم يفسر على انه الجاهلية التي مسحها الإسلام , تلك الجاهلية التي دفعت المرأة المسلمة بهذا الفكر القاصر, الذي جعلها دون المرأة في الجاهلية الأولى .. إن المرأة ظهرت في بيعة العقبة الكبرى , كما ظهرت مبايعة بعد فتح مكة وقارب عدد النساء المبايعات ستمائة امرأة ..! هل تنكر هذا ؟
انه لمن المحزن ان يكون الانفتاح العالمي جعل بعض الدعاة يسئ عرض دينهم في ميادين شتى " بسبب غيرتهم على دينهم " فترتفع الثقة بهم في كل ميدان, ثم يفتح الباب على مصراعيه ليتناول من شاء الإسلام بالنحو والإثبات , يقبل منها ما يعجبه, ويرد منها ما ينبو عن مزاجه اللطيف " كل ذلك تحت باب سد الذرائع "
بين الإنسان العربي اليوم والإنسان العربي في صدر الإسلام بون بعيد بعيد .. لان إنسان الأمس كان صاحب إيمان عميق , وخلق عظيم , وقدرة على الحياة خارقة , وهمة في اجتياح العوائق فائقة , فحين كرم الإسلام المرأة ..كرمها .. حرمة وئدها صغير , واخذ بيعتها كبيرة , وفتح لها المسجد " خصص الرسول صلى اله عليه وسلم لهن باب في مسجده " أشركها في الحروب اخذ مشورتها " يكفي قصص أم عمارة في حرب احد وتلقيها الطعنات وفقدها ابنها وروجها وأخاها ..قال المقريزي يصف قتال النساء في معركة حنين (وكانت أم عمارة في يدها سيف صارم , وأم سليم معها خنجر قد حزمته على وسطها , وهي يومئذ حامل بعبد الله ابن طلحة , وكانت أم سليط , وأم الحارث – حين انهزم الناس - تقاتلان .
ولست بهذا النقل ادعوا إلي تجنيد النساء ليشاركن في القتال , كلا , فلدينا ألوف و ألوف من الشوارب واللحى يجب أن ينهضوا بواجبهم .
ولكني أتساءل : أين التقاليد التي مكنت النساء قديما من إحراز هذا الشرف ؟ لقد اختفت هذا التقاليد لتحل تقاليد أخرى , أساسها أن المرأة متعة في البيت لفحل يغدو عليها ويروح .. وحسب .. ولا صلة لها بعلم ولا عبادة ولا جهاد ولا إصلاح.. ان دعوات دعاة يحسبون أنهم بها يذبون عن الإسلام , وهم في حقيقة يخلقون مواضيع تصرفنا عن لباب ديننا للاقتتال على قشور فارغة , حتى وصل الحال بشيخ فاضل مثل الدكتور ناصر العمر أن يقول : ( شاهدوا كيف كانوا أبائنا حكماء حينما رفضوا تعليم البنات , لأنهم بحكمتهم عرفوا انه سيأتي اليوم الذي تدرس النساء الصفوف الثلاثة الأولية ؟؟!!) وأخر مثل الشيخ يوسف الأحمد يقول : انه سيواجه وزارة التربية بدراسات من قبل علماء غربيين ودول تخلت عن فكرة الدمج في المدارس الابتدائية .. سبحان الله .. إذا لا يوجد مانع ديني إنما هو خوفكم من التغريب والليبرالية المسيطرة على البلد كما تعتقدون .. إذا ما رأيكم بحال المرأة في العصر الإسلامي الأول , هل هو منكر وغير صحيح , أم تودون أن نرجع لكل شي في ذلك العصر الذهب إلا ما يخالف عاداتكم وتقاليدكم التي تربيتم عليها .
لن تقوم لنا قائمة إلا بعودة حية قوية واضحة للإسلام تنسج حياتنا الفردية والجماعية على المنوال الذي نسج في حياة أبائنا في العصر الإسلامي , فطلع لهم بهم فجر و ولد بهم تاريخ ..
أو لنعد لعصر واد البنات حتى لا نتخاصم بمواضيعهم حين يكبر ؟؟!!
والله من وراء القصد ,,
عبدالعزيز بن عبدالله الرشيد
التعليقات (0)