ما بين مصنع اليرموك وتكنولوجيا الكِسرة والمفروك
الغارة الإسرائيلية الجوية التي شنت مؤخرا على مصنع اليرموك الذي يقع في حي الشجرة بمدينة الخرطوم لم تكن الأولى من نوعها ولن تكون الآخيرة .. لكنها هذه المرة شكلت ضربة موجعة للنظام السوداني الحاكم كونها إستهدفت مصنعا للذخيرة والأسلحة الخفيفة داخل العاصمة بعد أن كانت مثل هذه الغارات تستهدف أرتال شاحنات أسلحة في الصحراء والأطراف.
تبريرات المسئولين في الحكومة ؛ ومحاولتهم غسل أيديهم عن واقع ضعف دفاعاتنا الجوية من جهة وحقيقة أننا نتبنى قضايا خارجية ونبني منشـأت عسكرية دون أذرعة قوية أو حتى دون التفكير في كيفية حمايتها .. كل هذه التبريرات التي يسوقها الكادر الحكومي تجيء غير مقنعة هزيلة ركيكية .. بل وتعطي الإنطباع بأن جهابذتنا و" عباقرتنا " وأهل التخطيط والحل والعقد الأشاوس لدينا لا يعرفون الفرق بين مستلزمات ومعطيات وعواقب ومتطلبات إنشاء صناعة سلاح وبين عواسة طرقات كسرة وإعداد مفروك ملاح.
أول التبريرات التي ساقتها الحكومة تتلخص في مزاعم بأن الرادارات الحديثة التي يتطلبها الدفاع الجوي غير متوفرة في الأسواق .....
والواقع أن تصريح مثل هذا يثير الضحك والشماتة حتى على الذات .... إذا كانت الرادارات المتطورة لا توجد في الأسواق فمن أين أتت بها مصر وسوريا وإيران على سبيل المثال؟ ولماذا لم تجرؤ إسرائيل أو الولايات المتحدة حتى تاريخه على توجيه ضربات جوية للمنشآت العسكرية الإيرانية ؟
الرادارات الحديثة متوفرة من روسيا وكوريا الشمالية والصين وغيرها . وبإمكان السوق السوداء أن تزودنا بها في لمح البصر . بل وكان على حكومتنا (الذكية) أن تفرض على إيران تزويدنا بها في مقابل خدماتنا شبه المجانية الجليلة التي نقدمها لها وتسهيلاتنا اللامحدودة التي نتيحها لها في مجال تصديرها لثورتها الجمهورية الإسلامية الخمينية إلى منابع وربوع وادي النيل ، وجنوب الصحراء الكبرى ، وغرب أفريقيا.
إذا كان المخطط السوداني في مجال الدفاع العسكري الإستراتيجي يظن أن أراضي السودان لاتزال تمثل عمقا إستراتيجيا في مواجهة أية ضربات جوية فهو واهم إلى حد كبير ... فقد انتفت هذه الميزة بعد عام 1967م ؛ وأصبحت من قبيل الخرافات وتاريخ منقضي إلى غير رجعة في ظل التقدم التكنولوجي الهائل في زماننا المعاصر.
عبد الرحيم حسين .. وزير الدفاع السوداني الحالي
ومن ضحيك الصدف أن يخرج علينا وزير الدفاع بتصريح يقول فيه أن الطائرات المغيرة أطفأت أنوارها خلال الهجوم مما أدى إلى عدم رؤيتها ... هكذا إذن يسمع القاصي والداني لأول مرة في تاريخ الطيران الحربي بطائرات تطفيء أنوارها فلا يراها الرادار ... أو كأنّ الرادارات تعمل بعيون طواقمها البشرية المجردة ...... وربما كان علينا إزاء هذه الفكرة والمفهوم أن نشتكي الطيران الحربي الإسرائيلي المغير إلى إدارة الحركة والمرور في الداخل ثم إلى منظمة النقل الجوي الدولي (الأياتا) في الخارج.... وأن تكون فحوى الشكوى مطالبة إسرائيل بدفع غرامة عن المخالفة المرورية وقواعد الطيران. وأن تحرص على (توليع) فوانيس طائراتها الحربية (الأمامية والخلفية والجانبية) في الغارة القادمة.
واقع الحال مزري . وكل يوم تتكشف فيه أموراً تؤكد أننا تكنولوجياً وعلمياً ومعلوماتياً وإدارياً في وادي والعالم من حولنا في وادي آخر .... نعطي الدقيق لغير خبازيه ، ونقدم أهل الثقة وذوي الغباء والتنابلة على أهل العلم والذكاء والخبرة ....
وكل ما تقدم يصب في خانة واحدة هي أننا لا نحسن التخطيط ولا نعرف كوعنا من بوعنا . تعتمد إدارتنا السياسية على إستحداث نبتات شيطانية هنا وهناك للإستهلاك المحلي تارة ولمجرد إحداث زوبعة في فنجان دون أرضية مناسبة ولا بنية أساسية ملائمة مواكبة تارة أخرى .. وأنها في كل ذلك تتخذ مسارات جرداء وتتبع أساليب حمقاء وتبريرات جوفاء متخلفة يندي لها جبين القرون الوسطى وأقزام الأدغال خجلا وإستحياء .....
وعلى ذات المنوال يجب علينا أن نتساءل عن ماهية الدور المتاح لنا كي نلعبه في الساحة الإقليمية والعربية والعالمية وفق ما يتوفر لدينا من إمكانات علمية ومواهب إدارية وقدرات مادية وتكنولوجية ؟؟ ... علينا بالفعل أن نعيد التفكير مليا في ما نحن فيه من مستنقعات .. وأن نجد المعادلات المناسبة ونكتشف واقعنا ما بين مصنع الأدوية المدكوك ورديفه اليرموك وبين عواسة الكسرة وفرك المفروك.
من المضحك أن يهدي شعب جائع مثلنا أبقاره وأغنامه مجاناً إلى دول جوار هي أفضل حالا منا وأكثر ثراء ورفاهية مقارنة بحالنا ...... من الـعـتــه أن نهدي السيارات وننفح الملايين للاعبي منتخب لكرة القدم في دولة جارة لنا والملايين من شعبنا يغدون إلى أعمالهم خماصا ويروحون خماصا كـداري وأغلبهم حفــايـا.
من غير الممكن أن نسعى نحن الغبش الفقراء الضعفاء الهزلاء إلى تحرير فلسطين من أيدي إسرائيل ومن خلفها القطب الأعظم الأوحد ، ونحن الذين لا نكاد نستطيع إيقاف نمو وضربات حركات تمرد ضعيفة الإمكانيات في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق .. ولا نكاد نصد هجوم مجموعة من الحفاة العراة الجنوبيين على هجليج وأبيي ...
من نحن وما هي إمكاناتنا الحالية حتى نجند بلادنا ومقدراتها وثرواتها لتحرير فلسطين؟؟؟ لماذا هذا التشابي الفارغ الممقوت والضحك على النفس والدونكوشوتية التي تصل إلى درجة اتخلف العقلي ؟؟؟ لماذا نضع أنفسنا دائما في مواقف تكشف عوراتنا وتضرب أدبارنا وتميت أقبالنا فتحيلنا إلى خصيان لاحول لنا ولا قوة وقد ذلت كبريائنا وبان عارنا وتضعضعت ثقتنا في أنفسنا ... دونكوشوتية غبية لم تجلب لنا سوى السخرية والشماتة والإزدراء من جانب القريب قبل البعيد؟؟؟
ربما يخرج علينا عبقري من تحت أباطات عائسي الكسرة وأصحاب تكنولوجيا ملاح الشرموط المقاوم للقطب الأحادي وإسرائيل .... عبقري آخر من أصحاب قناعات وحسابات أكشاك الأسواق الشعبية ودكاكين الأحياء الهامشية فيزعم أن مصنع اليرموك قد تم تمويله بأموال إيرانية لتلبية مصالح إيرانية لجهة تصديرها لثورتها الجمهورية الإسلامية الخمينية . وأننا لم نخسر الكثير .... ولكن على أمثال هؤلاء أن يدركوا أن المسألة ليست بهذه المجانية من التفكير والأخذ والعطاء .... والشاهد في هذا المجال أننا لانمتلك أذرعة قوية تدافع عن كرامتنا وأراضينا من مثل هذه الإعتداءات التي باتت شبه متكررة ما بين كل فترة وأخرى دون أن نتمكن من تحريك ساكن . ودون أن نفلح حتى في تفعيل الأجهزة الإعلامية العربية للوقوف في صفنا ناهيك عن المطالبة بتفعيل إتفاقية الدفاع العربي المشترك أو حتى الجرأة على الشكوى إلى مجلس الأمن ..... وهو ما يثير في الأنفس شكوكا أخرى حول خفايا لا نرغب حكومتنا في إثارتها .
الأجير الصهيوني "جورج كولوني"
واقع الحال لاينبيء ولا يبشر بخير أبدا ، فقد وصل الأمر في مجال إستباحة أراضينا وسماواتنا إلى حد الخجل ودرجة العـار .. ولدرجة أصبحنا لانستطيع مجرد تقديم شكوى نحتج فيها على ممثل أمريكي إسمه جورج كولوني إستأجر قمرا صناعيا بأموال إسرائيلية لمراقبة أراضينا ليل نهار بذريعة إيقاف مذابح دارفور ومزاعم أخرى شتى .. ممثل سينمائي فرد في مواجهة دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة ...... فإذا كنا يا وزير دفاعنا ويا وزير خارجيتنا غير قادرين على مجابهة هذا الأجير الصهيوني النزق "جورج كولوني" اللاهي المخمور زئر النساء وعشيق المراهقات في هوليود وعواصم الغرب ؛ فهل نطمع في ما هو أكثر من ذلك بكثير . ومنه على سبيل المثال لا الحصر مجابهة إسرائيل التي يفصلنا عنها تكنولوجيا وعسكريا ما بين السماوات والأرض ؟؟؟
ألم يحن الوقت والأوان لنفترش الأرض يا حكومتنا ونتعامل وفق مقولة "رحم الله إمريء عرف قدر نفسه" .... وكفانا تمثيلا وهزلاً وعبثا ولعبا ولهوا بمقدرات وحاضر ومستقبل هذا الوطن ؟؟؟
إذا كانت إيران ترغب في مد حزب الله اللبناني وحركة حماس بأسلحة خفيفة وذخيرة فلماذا لا تمدها مباشرة عبر العراق وسوريا والحدود البرية بين سوريا ولبنان وصحراء سيناء ؟؟؟ أم أن البعض يريد إستغلال عزلة السودان الأفريقية والدولية فيجعل منه كبش الفداء وساحة القتال البديلة مع الولايات المتحدة وإسرائيل لإلهائهما عن ما هو أكثر سمناً ولبناً ، وأحلى عسلاً ، وأوفى دسما؟؟
التعليقات (0)