كان العقيد زيدان قائدا لوحدة عسكرية مرابطة على احد خطوط التماس التي قد حددتها اتفاقات "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل في سيناء ، و قبل أن تشرع إسرائيل فى الانسحاب التدريجي من سيناء على مراحل مختلفة ، وطبقا لتلك الاتفاقية .
وكانت المجندات الاسرائيليات يظهرن فى الجهة الأخرى لخط التماس ذاك ، وأمام جنودنا المصريون عاريات ، وبشكل سافر . فتفتق ذهن العقيد زيدان عن الانسحاب لمسافة عشر كيلومترات للخلف ، وبعيدا عن الخط الذى حددته حتى اتفاقات كامب ديفيد المذلة والمهينة . وكأنى إذن بالعقيد زيدان يزايد على الامريكان والصهاينة والبنتاجون فى الامعان في إذلالنا نحن ايضا . وعندما فاح الخبر وقتذاك لدى كل وسائل الإعلام ، فتعرض له بالنقد فقط تلك الوسائل الحرة من الاعلام المنبطح .
وكان السؤال وقتذاك ، والذى لازلت اطرحه حتى على نفسي هو ، وماذا إذا أتى المجندات الاسرائيليات عاريات مرة أخرى إلى المكان الجديد الذي قد انسحب اليه العقيد زيدان بمفرزته العسكرية ، فترى هل كان سينسحب عشرة كيلومترات أخرى للخلف خشية الفتنة على جنوده كما زعم هو ذاته وقتذاك ، وهل كان سيستمر انسحابه الى الخلف كلما تكرر مشهد العرى ، والى ان يعود بجنوده مثلا إلى الضفة الغربية من القناة تاركا سيناء بأسرها للمجندات الاسرائيليات العاريات ..؟!
نفس المنطق ، والذي لا يصدقه كما لا يقبله عقل ، تكرر مرة أخرى وفقط فى سبتمبر الماضي من العام الحالي ، ولكن بشكل واسلوب مختلف ، ولكن المعنى واضح فى كل الأحوال وهو الانبطاح المشين للعدو وكذا حلفاءه ..! حيث قد قررت الولايات المتحدة منذ وقت غير بعيد بسحب قواتها العاملة فى سيناء ضمن القوات المتعددة الجنسية والمسماة MPO ، والتي ليست هي بالمناسبة تابعة للأمم المتحدة ، ولكن تابعة وخاضعة كليا لقيادة وتوجيه الشريك الغير نزيه ، والحليف الاستراتيجي لإسرائيل ؛ الولايات المتحدة .
إذن فقد كان سحب تلك القوات من سيناء من مصلحة مصر وتحقيقا على الأقل لمبدأ السيادة على الأرض ، أو الأراضي المصرية والذي ما فتأ يتشدق به العسكر من آن لأخر عندما يتحدث أية طرف أجنبي عن انتهاكات حقوق الانسان فى مصر مثلا ..!
والغريب فى الأمر ــ وربما أيضا إرضاءا للطرف المصري ــ أنه عندما استندت الولايات المتحدة فى قراراها بالانسحاب من سيناء ، فقد ردت ذلك إلى حميمية العلاقات المصرية الاسرائيلية فى الوقت الحالي ، وبشكل لم يشهده تاريخ العلاقات بين البلدين من قبل ، وإلى الدرجة التي لم يعد فيها البلدين ــ أي كل من مصر وإسرائيل ــ بحاجة إلى الوسيط الأمريكي ــ حتى ولو كان غير نزيه ومنحاز كليا إلى إسرائيل ..!
ولكن المدهش فى الأمر أن ترفض مصر ــ وليس إسرائيل ، أو حتى الطرف الأمريكي غير النزيه ..! ــ سحب الولايات المتحدة لقواتها العاملة في سيناء ضمن قوات MPO..! وهنا نعود مرة أخرى إلى جوهر فكر العسكر التوافقي الزماني المكاني ، ومنذ العقيد زيدان ــ وربما قبل ذلك بكثير ، ومنذ انقلاب يوليو 52 مثلا ..! ــ وحتى الان . وهو الفكر الذي لا أجد له مرادفا أخر فى العلوم السياسية سوى الفكر الانبطاحي المجاني لكا من أحتل مصر وأزل شعبها وسماها سوء العذاب ــ كدفن أسرنا أحياء فى أعقاب هزيمة 5 يونيو 67 في سيناء مثلا ، و من قبل إسرائيل ، وقائد عسكري صهيوني قد صار فيما بعد وزيرا للدفاع الصهيوني ــ مكافأة له على مجازره بالجنود المصريين بطبيعة الحال ــ وبعد إحالته إلى التقاعد دعاه مبارك لأن يكون مستشارا له وبأجر شهري قدره 25 ألف دولار ، وهو الارهابي الصهيوني بنيامين أليعازر ، والذي لم يكن يتقاض حتى ربع ما كنا يعطيه مبارك عندما كان وزيرا للدفاع للكيان الصهيوني . فهل بعد هذا الانبطاح انبطاح أخر يا عسكر أخر الزمان .. إذن فبما يختلف السادات عن زيدان عن مبارك عن سيسي ، أفلا ينتمون جميعا ــ وغيرهم مما سوف تبتلى بهم مصر ، لا قدر الله ، بطبيعة الحال ــ إلى مدرسة واحدة ، وهي مدرسة ؛ كيف تذل مصر وشعبها ثم تدمرهما جميعا من غير أن تخسر سنتا ، أو شيكلا واحدا ..؟!
مجدى الحداد
التعليقات (0)