يذكر الشئ..بالشئ..بديهية قد تكون اقرب الى القانون الطبيعي للاشياء وليس من الصعوبة ان نجد نماذج وصور لها نصطدم بها يومياً في حياتنا العادية..ورغم كونها من القواعد العامة الا اننا قد نجد تطبيقها يحمل بعض التقنين القاسي في منطقتنا نتيجة واستنادا لطبيعة وخصوصية الحياة السياسية العربية وآلياتها ومحدداتها..فالشرعية الدستورية-مثلا- لا تذكر في منطقتنا الا عندما يستلها الحاكم من قعر ادراج مكتبه السياسي كمبررلادامة تلصقه اللزج بالكرسي او لتفسير استئثاره بالفئ والضرع والطقس والانسان..وكذلك القضاء المستقل الذي يعلو ولا يعلى عليه..فانه لا يذكر الا عندما تكون الاحكام والقرارات في صالح الحكم او بناء على أيماءاته ونصائحه السديدة..وغالبا ما تداس تلك الاستقلالية باعقاب رجال الامن وعسس الحاكم ونظاره عندما تتحرش بما لا يمس من هيبة وصورة وصحب وخلان الحكم وجميع من يلتصق بهمن قريب او قريب..
ومن هنا قد نتفهم عدم تذكر السيد وليد المعلم لحرية التظاهر والتعبير الا عند وصف الهجوم الغوغائي المدبر والمبرمج لشبيحة النظام ومرتزقته ضد الممثليات السياسية الاجنبية..وتغاضيه عن تقاطع مثل هذه التفلتات مع كافة القيم والاعراف والمواثيق الدولية وتعارضه التام مع ما تقتضيه اصول الضيافة والاحترام الكامل للبعثات الدبلوماسية الاجنبية وحصانتها والمسؤولية الاخلاقية والقانونية تجاه امنها وسلامتها..
خطأ كان ذلك الاعتداء..هو كل ما جادت به قريحة السيد المعلم.. وتجاوز للحدود التي ما كان على الحشود اجتيازها ..هي اقسى الكلمات التي تساقطت منه في وصف هذا العمل الاخرق الجبان..فلا مندسين ولا عملاء ولا متآمرين..ولا اعترافات متلفزة ولا جهات ولا اصابع اجنبية.. بل ناس يعبرون عن آرائهم بحرية كفلتها لهم حكومة الوريث بوفرة قد تكون السبب في انهم لم يحسنوا قراءة الحدود التي عليهم ان يقفوا عندها ..وما حصل قد حصل..فلا حاجة لكل ذلك اللؤم الذي يبديه الغرب تجاه هذه الحادثة التي لا تخلو اي ديمقراطية منها..
وما هو المطلوب من النظام في هذه الحالة..هل عليه ان يقوم بضرب المتظاهرين..ام ان عليه ان يستخدم القوة لتفريقهم..ام هل ينتظر منه ان يوجه سلاحه ضدهم..يتسائل احد المحللين السياسيين السوريين القلائل الذي يتكرر ظهوره على الفضائيات مستغرباً..فما حصل هو نوع من حرية التعبير والممارسة الديمقراطية التي يلح العالم على سيده لاعلائها واعمامها في الشام..اليست هذه هي الديمقراطية ..يصرخ السيد المحلل الموزع المشاعر ما بين الاطمئنان لرضا الاعلى عن ما يقول وما بين الهلع من ان تفلت كلمة ما من بين نواجذه خارج ما لقن ودرب عليه..يصرخ مبالغا في اظهار الحنق والتذمر من عالم متصيد متسقط متآمر على ديمقراطية الوريث التي بشر الخلق ببزوغ نورها على العالم عن طريق الاصلاحات التي ستأتي حتما في يوم قريب لن يتجاوز سقفه اليوم الموعود تحت مختلف الظروف..
ليست هذه الديمقراطية يا سيدي المحلل السياسي المتبرم الضجر الزاعق..وليس من حرية التعبير في شئ ما تبشر به ايها المعلم..بل هو لا يعد الا تعبيرا عن الافلاس والتخبط الذي يعتري نظامك كلما اضطر للتعامل مع اي مفردة خارج اطار الخيارات الامنية وسياسات التنكيل والقبضة الحديدية..وليست الا دليل متجدد عن تقليدية وهرم ومحدودية المسالك التي يدرج بها النظام في حالة فقدانه القدرة على استخدام القيد والبندقية وسوط الجلاد..وما هي الا علامة على التيبس والاصفرار الكامل لورقة التوت الاعلامية التي يتستر خلفها النظام متشدقا بعبارات المؤامرة والعمالة والاندساس دون ان يعد لها من القوة ورباط المصداقية ما يكفي لتمريرها على ذقون الناس..
لا يعد الهجوم على السفارات الاجنبية حالة متفردة في السيرة القمعية لحكم الوريث..ولن تكون هذه الممارسة الارهابية هي آخر ما تتفتق عنه العقلية الامنية البحتة للنظام..فان زجاج السفارة وجدرانها ليس اغلى ولا اهم من دماء المواطن السوري البطل والنبيل والتي تسفح بلا حساب ولا حياء في شوارع ومدن الشام المنتفضة في وجه الظلم والاستبداد الطويل المتوارث اسدأ عن اسد.. ولكنها قد تكون عبرة تستحق النظر والتقليب لدى القوى المعرقلة للتاريخ التي ما زالت تقدم للوريث المبرر تلو الآخر للامعان في استهدافه لحياة السوريين وكرامتهم ووحدتهم الوطنية..وقد تصلح كنقطة للتوقف والتقاط الاخلاق الانسانية للقوى الأخرى التي ما زالت ترسم الخطوط للنظام وتلونها بدماء الشعب السوري وترجوه باستحياء ان لا يقدم على تجاوزها..تلك القوى المتناقصة اضطرادا مع استمرار الحكم في تصديه لآمال وتطلعات السوريين في الحرية والكرامة والامن والاستقرار..والتي سيكون عليها عاجلا مواجهة مسؤولياتها الاخلاقية والقانونية تجاه خروج النظام الكامل عن القانون الدولي والقيم الانسانية السامية..والاهم انها قد تكون شيئا يذكر..عندما نحتاج مثلا لما يمكن ان تصل اليه اجهزة النظام في تجاوزها للمواثيق والاعراف الدولية..
التعليقات (0)