مواضيع اليوم

ما بين جوانتنامو وإسرائيل

زين العابدين

2014-02-17 20:13:14

0

                        مابين جوانتنامو وإسرايل

 

إختارت الولايات المتحدة ، أو الإمبراطورية الأمريكية ، خليج جوانتنامو بكوبا Guantanamo Bay، واستأجرته من كوبا ، وبحق إمتياز شبه إحتكارى ، ولمدة 99 عاما ، تماما كسائر الإمبراطوريات الأخرى السابقة فى عقودها الإحتكارية ، حيث أستاجرت هونج كونج أيضا ، وكذا قناة السويس ذاتها من قبل .

وكما امتنعت الصين عن تأميم ، أو تحرير ، هونج كونج ، وبموجب العقد المبرم بينها وبين بريطانيا العظمى ، امتنعت كوبا أيضا ــ كوبا الثورية الإشتراكية والماركسية ، كوبا كاسترو ــ عن إخلاء ، أو إجلاء القاعدة الأمريكية من أرضيها فى خليج جوانتنامو ، وآثرت إحترام العقد الموقع بينها وبين الولايات المتحدة ، لكن مصر ، والتى لم تكن فى قوة الصين ، ولا فى ثورية كاسترو ، و إشتراكية كوبا ، أممت قناة السويس عام 1956، ودفعت جراء ذلك تعويضات طائلة نتيجة لفسخها عقد إمتياز تأجير قناة السويس من طرف واحد ..!

ولأن الدستور الأمريكى ، ومن ثم القوانين الأمريكية يشددان على إحترام حقوق الفرد وصيانتها ، ولكن داخل الأراضى الأمريكية ، أو على التراب الأمريكى ، فقد تحايلت الحكومات ، والإدارات الأمريكية المتعاقبة ، على الدستور والقوانين الأمريكية ، بإنشاء العديد من القواعد العسكرية ومعسكرات الإعتقال الأمريكية خارج الولايات المتحدة ، وغالبا فى شتى بلدان العالم الثالث ــ والتى لا تقيم وزنا غالبا لأى حق من حقوق الإنسان وحرمة التعدى على حقوق مواطنيها من قبل مليشياتها المسلحة ــ وذلك لممارسة أبشع وأخطر أنواع الإنتهاكات ليس فقط ضد الإنسان ، ولكن أيضا ضد أى كائن حى على وجه الأرض ، وعلى مر التاريخ ، و ذلك مثلا من اجل إنتزاع إعترافات بالقوة ، والتى قد لا تكون فى جوهرها مجرد إعترافات حقيقية بقدر ما يمكن أن تكون مجرد محض قبول وإذعان فقط للتهم التى يريد أن يتهم بها المحقق المحقق معه ، وذلك فقط من أجل وقف الإنتهاكات ونزيف الكرامة وهدر كل القيم الإنسانية المتعارف عليها على مر التاريخ ، وكذا كل أنواع التعذيب التى لا يطيقها بشر ولا حتى حجر ضد أى مما تمارس ضده هذه الإنتهاكات وغيرها ..!

إذن لم تكن قاعدة جوانتنامو الأمريكية فقط هى التى كانت تمارس من خلالها الإمبراطورية الأمريكية ما لم يكن يخطر على قلب ، أو عقل بشر ، من فنون التعذيب والإذلال والترويع للنفوس البشرية من نزلاء ، أو سجناء ، أو أسرى ، تلك القاعدة . وهى عندما تفعل ذلك فهى تقوم به أيضا تحت مظلة الدستور والقانون الأمريكى ، واللذين لا يشددان غالبا على إنتهاك الولايات المتحدة لحقوق الإنسان ، بل والأعراف الدولية ذاتها ، خارج الأراضى الأمريكية من ناحية ، ولغير المواطن الأمريكى من ناحية أخرى .

إذن يمكن القول أن هناك نوعين من جوانتنامو ، نوع خاص بالأفراد ــ ومهما كانت عرقياتهم وجنسياتهم ــ والذين تظن البيروقراطية الأمريكية ، فى المؤسسات الأمريكية المختلفة ، إنهم يشكلون خطرا على المصالح الأمريكية الحيوية فى أى مكان بالعالم ، فتقوم بإحتجازهم بالقاعدة الأمريكية فى خليج جوانتنامو بكوبا . وهناك جوانتنامو أخر ، والذى ليس بالضرورة أن يكون مقتصرا هنا فقط على الأفراد ، حيث انه خاص بـ " إصلاح وتهذيب " الأمم والشعوب على الطريقة الأمريكية ، بطبيعة الحال ، وقد زرعته الإمبراطورية الأمريكية فيما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط ، وفى قلب عالمنا العربى ، وهو إسرائيل ..!

لكن جوانتنامو العالم العربى ، كان أكثر حنكة ، أو " حبكة " ، فى حقيقة الأمر ، من جوانتنامو كوبا ، إذ تقعل الولايات المتحدة كل ما يعن لها من إنتهاكات وإذلال وقتل وترويع وتخريب وهدم بيوت ، بل ومدن بأكملها ، فوق رؤوس سكانها ، فضلا عن حوادث الإغتصاب التى لم تعهد بها البشرية من قبل ، وبشكل يكاد يكون يومى تقريبا ، لكل شعوب ودول منطقة عالمنا العربى ، ومن غير أن تظهر هى فى الصورة ..!

وربما هذا يفسر فى حقيقة الأمر إستخدام الولايات المتحدة تاريخيا لحق النقض ، أو " الفيتو " ، فى مجلس الأمن ضد أى قرار من شأنه أن يدين فقط أى عدوان إسرائيلى ضد أى من جيرانها العرب ، وكذلك سر إنتصار إسرائيل المذهل على خمس دول عربية فى حرب يونيو 67 ، بينما لم تصمد هى أمام فصيل سياسى واحد ــ وهو حزب الله ــ ينتمى إلى أصغر دولة عربية وطائفية ، وهى لبنان ، لدرجة أن إسرائيل هى التى كانت قد طلبت هدنة ، أو وقف لإطلاق النار مع حزب الله عام 2006 ، وكانت الولايات المتحدة هى التى ترفض وتعترض . وقد كان ذلك على لسان وزيرة خارجيتها السابقة ، فى عهد الرئيس الأمريكى السابق جورج " دبليو" بوش ، كونداليزا رايس .

ولكن الفرق الجوهرى بين جوانتنامو كوبا ، وبين جوانتنامو العالم العربى ، أن الأول محدد بفترة زمنية محددة ، ومنصوص عليها فى عقد الإيجار ، وينتهى بعدئذ الوجود الأمريكى ، او القاعدة الأمريكية فى خليج جوانتنامو بكوبا ، وليس بوسع الولايات المتحدة بعدئذ تمديد عقد الإيجار إلا بعد موافقة الطرف الكوبى . لكن جوانتنامو العالم العربى لم يقم ولم يتأسس فى حقيقة الأمر بموجب عقد موقع بين فلسطين مثلا ، أو أى من الدول العربية ــ منفردة أو مجتمعة ــ المجاورة من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى .. إذن فهو عقد مفتوح ، أو بالأحرى مفروض ، ومن قبل طرف واحد وهو الطرف الأقوى فى تلك المعادلة ، وهوالولايات المتحدة ، وذلك مع تواطىء أطراف دولية وعربية أخرى مع الطرف الأمريكى ، وذلك بدون الإستفادة حتى من القيمة المادية لعقد الإيجار ، وذلك على عكس ما هو عليه الحال فى جوانتنامو كوبا ..!

لكن السؤال هو ؛ إذا أعلن أوباما عن قرب إغلاق معسكر جوانتنامو فى كوبا ، فمتى سيتم الإعلان عن غلق جوانتنامو العالم العربى فى فلسطين ، أو بكلمات أخرى ؛ متى سيحل إنتهاء عقد الإيجار الأمريكى المجانى لجوانتنامو العالم العربى بعد أن حل إنتهاء موعد عقد الإيجار لجوانتمامو الأصلى ..؟!

 

                                                                                مجدى الحداد

magdyalhaddad@yahoo.com                                                                                             

  

 

     




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات