ما بين الهجوم على المطارين ..!
والمقصود بالمطارين هنا ، هما ، بطبيعة الحال ، كل من مطار لارنكا فى قبرص و مطار طرابلس فى ليبيا .
أما مطار لارنكا فقد شهد اختطاف رهائن مصريين وعرب على إثر اغتيال يوسف السباعي فى نيقوسيا بقبرص .
وكان يوسف السباعي قد صدر قرار رسمي باعتباره أديبا مصريا بارزا . علما بأن كل مؤلفاته ــ وهى متاحة الآن فى الأسواق أو عبر الوسائط الالكترونية ــ تفتقر ، وعلى نحو بائس ، إلى عنصر الدراما ذاتها ، وهو الشرط الأساسي والجوهري فى دنيا الكتابة الأدبية بصفة عامة . وعلى أية حال فباعتباره مما يسمى بالضباط الأحرار ، فقد انعم عليه بعدة أوسمة رسمية قد رؤى انها قد ترفعه درجات لدى جمهور القراء بصفة عامة داخل مصر ــ وقتذاك ــ وخارجها . ثم ترشحه بعدئذ لترأس مجلس إدارة عدد من الصحف والمجلات المصرية ــ وبدون وجه حق بطبيعة الحال ــ حتى وصل بالسادات الأمر ــ وتوطئة لما هو قادم ــ تعيينه رئيسا لمجلس إدارة الأهرام ، ثم وزيرا للثقافة ، وذلك قبيل ذهابه للقدس عام 1977 ، وحيث كان بصحبته فى تلك الزيارة و أعتبر وقتها أول ، ورائد "المطبعين" العرب والمصريين ، من المثقفين ــ الرسميين بطبيعة الحال ــ مع إسرائيل . وقد دعم هذا الزعم فى حقيقة الأمر سيل كتاباته التافهة التي كانت تصب فى اتجاه التطبيع من ناحية ، وتدق إسفينا بين العرب ومصر من ناحية أخرى . ومن هنا جاء استهدافه هو وعددا ممن اتهموا بالخيانة ــ وعلى رأسهم السادات بطبيعة الحال ــ ومع إدانتنا الكاملة ، وكذا اعتراضنا على استخدام كافة أشكال العنف فى حل أي نزاع من النزاعات ــ جراء زيارة السادات المنفردة للقدس المحتلة ، وبدون أي تنسيق ، أو حتى رضى وتوافق عربي مصري ، أو حتى مصري سوري ، حتى أن حافظ الأسد فكر فى اعتقال السادات فى سوريا عند زيارته لها قبيل زيارته للقدس المحتلة عندما عرض على الأسد تفاصيل الزيارة ورفضها الأسد ، وأصر السادات على الذهاب إلى فلسطين المحتلة .
وقد ذهب يوسف السباعي فى 17 فبراير 1978 إلى قبرص ، و على رأس وفد مصر لحضور مؤتمر ما يسمى بمنظمة التضامن الأفرو ــ الأسيوية ــ والتي تم اصطناعها كبديل لما كان يسمى بالتضامن العربي والذى دمر ونسف فى أعقاب زيارة السادات للقدس المحتلة ..! ــ والذى كان هو أيضا ــ السباعي ــ يشغل منصب أمينها العام .
وفى اليوم التالي الموافق 18 فبراير نزل السباعي من جناحه إلى قاعة المؤتمرات بنفس الفندق ــ وكان المؤتمر قد بدأ أعماله ، ومع ذلك توقف السباعي بالقرب من محل صغير لبيع الصحف والمجلات داخل الفندق وبجوار قاعة المؤتمرات ــ الأمر الذى يعكس فى حقيقة الأمر تلكأه فى الذهاب إلى هذا المؤتمر ، ومن ثم عدم اهتمامه به ولا بما يدور به ، والذى يبين فى ذات الوقت أن أمثال هؤلاء لا يأتون إلى أوروبا عادة إلا للفسحة والتسوق ، وربما أمور أخرى .. ! ــ وأثناء تفحصه لما هو معروض من صحف ومجلات تم اغتياله ، وقبل حتى أن يشارك فى هذا المؤتمر .
و بعد القبض على قتلة السباعي من قبل السلطات القبرصية اختطف رفقاء لهم عدد من الرهائن المصريين والعرب من المشاركين فى ذلك المؤتمر السابق الذكر وكان عددهم 30 رهينة ، وذلك من أجل الضغط على السلطات القبرصية من أجل إطلاق سراحهم من ناحية وتأمين طائرة تقلهم جميعا إلى خارج قبرص من ناحية أخرى ، وقد أطلقوا سراح 11 رهينة ، واحتفظوا بالباقي إلى حين تلبية كل شروطهم ، والتي وافقت عليها الحكومة القبرصية . ولكن بعد أن اقلعت بهم الطائرة رفضت عدد من الدول هبوط تلك الطائرة على أراضيها الأمر الذى اضطرهم للعودة مرة أخرى إلى قبرص ومعهم الرهائن . واشترطوا على السلطات القبرصية استخراج جوازات سفر قبرصية لهم مقابل إطلاق سراح باقي الرهائن ، ووافقت الحكومة القبرصية بزعامة اسبيروس كبريانو . وكانت المفاوضات تدور فى مطار لارنكا ذاته بحضور كبريانو ، والذى كان موجودا فى برج المطار . وفى هذه الأثناء هبطت طائرة عسكرية مصرية فى مطار لارنكا ــ أرسلها السادات لتحرير الرهائن ، وكان على متنها عدد كبير من قوات الصاعقة المصرية ــ وبدون إذن السلطات القبرصية . وفور هبوط تلك الطائرة توجهت قوات الصاعقة إلى طائرة المختطفين ، وأمطرت مقدمتها بوابل من الرصاص فقتلت طاقم الطائرة ، وتوجهت قوة أخرى بعدئذ إلى برج المطار وأطلقت عدد من الذخائر سمع صوتها كبريانو ذاته من داخل البرج ، فتعامل الحرس الوطني القبرصي مع القوات المصرية دفاعا عن أرضهم ، وايضا زعيمهم ــ حيث اعتبر القبارصة القوات المصرية بمثابة قوات غازية ــ فقتلوا منهم 15 فردا وجرحوا حوالى 80 اخرين ، وتم القبض على من تبقى بعدئذ من قوات ..!
وكان ذلك بسبب حماقة السادات وبسبب قرار أرعن منه لم يحاسب عليه حتى الآن ــ سواء فى مجلس الشعب ، أو غيره ــ على الرغم من انه قد تسبب فى قتل 15 فردا من خيرة ابنائنا فى القوات المسلحة المصرية ، فضلا عن تدمير طائرة عسكرية تدميرا كاملا ، و لا يقل ثمنها عن مائة مليون جنيه ، الأمر الذى يعد بحق إهدارا للمال العام للدولة ..!
ونفس القرار الأرعن الذى أتخذه العسكر بالأمس ، قد اتخذه العسكر اليوم ، وكأنهم لا يتعلمون ولا يريدون فى حقيقة الأمر ، أن يتعلموا أبدا ــ ولقد صدق المثل الإنجليزي الذى قيل بحقهم فى هذا الشأن ، والذى نصه بالإنجليزية هو The soldierly is the school of stupidity ..! ومعناه ؛ أن العسكرية ــ وحينما تهيمن على الحياة المدنية والسياسية ــ هي مدرسة الغباء ..! ــ حيث هاجمت عدد من الطائرات العسكرية المصرية ، وبمعاونة عدد من الطائرات الإماراتية مطار طرابلس بليبيا ، وذلك
فقط من أجل تغليب طرف على طرف فى الصراع الدائر فى ليبيا بين مختلف فصائل المعارضة المسلحة ، وذلك بدلا من دعوة جميع الفرقاء إلى مائدة الحوار لمناقشة خلافاتهم ، والعمل ، بل والسعي نحو حلها بطرق ودية وسياسية ، الأمر الذى من شأنه أن يجنب ليبيا والشعب الليبي إراقة الدماء ، وتدمير أغلى ما تمتلكه من ممتلكات كالطائرات المدنية الغالية ــ و الرابضة على مطار طرابلس ، والتي تم تدميرها ، وهى رابضة بالمطار ، تدميرا كاملا ..! ــ من ناحية ، والحفاظ على أمن مصر القومي من ناحية حدودها الغربية من ناحية أخرى .
بيد أن حتى الطرف الذى يراد تغليبه فى معادلة الصراع فى ليبيا ، هو شخص مشبوه ، ويحمل الجنسية الأمريكية ، وهو خليفة حفتر ، وفار من ليبيا حاليا ، ويدير صراعه ، أو بالأحرى مؤامراته من داخل مصر ، حيث لا يجرأ على الذهاب إلى ليبيا الآن خاصة بعد أن كشفت أوراقه ..!
ولكن كان هناك أكثر من قاسم مشترك فى الهجوم على المطارين ــ لارنكا وطرابلس ــ منها انه كان يحكم مصر فى الحالتين فردا ذو خلفية عسكرية ، وقام بما يشبه الانقلاب على الرئيس الذى خلفه فى منصبه . وكان الأول وهو السادات والذى كان يعتقد أن 99% من أوراق اللعبة فى أيدى الولايات المتحدة ــ والذى اتهم أيضا من قبل هيكل بانه هو من دس السم فى أخر قهوة تجرعها عبد الناصر ــ ومن ثم فقد كان " مرتميا فى أحضانها" وحتى أخر المدى . ومن ثم فقد اعتقد ـــ سواء بحساباته الخاطئة ، أو الغبية ..! ــ أن أمريكا سوف تدعمه من أجل القضاء على " الإرهاب " فى لارنكا ، وسوف تسهل له مهمة تحرير الرهائن . لكن ما حدث هو العكس تماما ، ففضلا عن إهانة ، بل عار ، وبكل معنى الكلمة قد أُلحق بالقوات التي أُمرت بالذهب إلى قبرص ، فقد قتل منهم 15 فردا وجرح 80 ، واستسلم الأخرون ، وسلموا أيضا ما بحوزتهم من أسلحه للسلطات القبرصية ، كما تم أيضا تدمير الطائرة التي كانت تقلهم من مصر تدميرا كاملا فى مطار لارنكا . أما الثاني وهو السيسي فقد قضى كل تدريباته العسكرية فى الولايات المتحدة تقريبا ، ومن ثم فقد كان من الشخصيات المختارة ، و المرغوب فيها أمريكيا ، وقد أنقلب على رئيس منتخب ــ وبغض الطرف هنا عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا معه . وهى اختلافات كثيرة فى حقيقة الأمر ــ واعتقد أن مساعدته لحفتر ذو الجنسية الأمريكية سوف تقربه أكثر من الأمريكان خاصة عندما يوحى لهم بأنه ــ كسلفه السادات ــ يساعدهم فى القضاء على الإرهاب فى ليبيا ، والمتمثل فى الجماعات الجهادية وغيرها ، وذلك عندما يقوم بقصف طرابلس ومحيطها ومطارها ، وأيضا بنغازي وطبرق وغيرهم . ولكن أمريكا شجبت تدخله فى ليبيا ، كما اعترضت أوربا على تدخل أية دول أجنبية فى الشأن الليبي الداخلي ..!
ومصر معرضة الآن، ، وبسبب تلك التصرفات الغبية ، والغير مسؤولة ، و الرعناء ، والخرقاء ، للتعرض لعقوبات دولية يفرضها مجلس الأمن إذا اشتكتنا ليبيا فى هذا المجلس . بل وقد تفرض علينا عقوبات لا قبل لنا ولا لاقتصادنا ــ و المنهك أصلا ــ بها ، فضلا عن إمكانية وقوعنا تحت البند السابع إذا اتهمنا باننا نهدد السلم والأمن الدوليين ..!
إذن فالعسكر لم يتعلموا أبدا أن " المتغطي بأمريكا عريان ..! "
مجدى الحداد
التعليقات (0)