ما بين التحريم والتحريض!
خليل الفزيع
تمر أمتنا العربية بحراك سياسي لم تشهد له مثيلا في العصر الحديث، فالمظاهرات العاصفة.. ما تكاد تنتهي في عاصمة عربية إلا ونراها تبدأ في عاصمة عربية أخرى، وأنظار المشاهدين ما تكاد تستقر على فضائية إخبارية، حتى تنتقل إلى فضائية أخرى، والأذهان ما أن تنتهي من التفكير في جديد، إلا لتبدأ في التفكير في حدث جديد آخر، من الأحداث الدامية التي تنتهي إما بهروب الحاكم أو انعزاله أو جنوحه للعنف ليحرق بلاده وهو يتفرج عليها كما فعل نيرون بروما، لينتهي الأمر به على طريقة شمشون: "عليَّ وعلى أعدائي".
في وسط هذه الأحداث، نرى بعض علماء الدين ما بين محرم للمظاهرات، ومحرض عليها، وبين التحريم والتحريض يحتار المواطن العربي، أي الطرفين على صواب! مع أن الظالم مصيره معروف مهما طال به الزمن، ومهما تجاهل الواقع، لإن سيف العدالة لابد أن يطوله عاجلا أو آجلا، والمحرمون والمحرضون، إنما هم يعبرون بذلك عن مواقف السلطة التابعين لها، بعد أن أصبحت الفتوى الشرعية وفي حالات كثيرة تفصل كما يراد لها من قبل السلطة الحاكمة، وهي حالة ليست جديدة في عالمنا الإسلامي منذ انتهاء عهد الخلافة الراشدة، رغم ما تمتع به بعض علماء السلف الصالح من مواقف مشرفة عبر التاريخ الإسلامي.. حين تصدوا لكل ما يراد لهم من خروج على التشريع، وفق مصادره المعروفة، ودفعوا لذلك ثمنا غاليا، نتيجة إيمانهم بأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
ورغم ما تميز به الإسلام من وسطية متوازنة تنبذ الغلو بقدر ما تنبذ التفريط، فإن ما بين التحريم والتحريض مسافة شاسعة لا يمكن تجسيرها بغير المواقف المتوازنة والمنحازة للعدل والحق والحرص على كرامة الإنسان وحريته، وما له من حقوق وما عليه من واجبات، من خلال الفتوى التي لا تراعي مصالح السلطان، بل تراعي مصالح الوطن والمواطن، وما أكثر علماء الدين الذين جنوا على أوطانهم ومواطنيهم، لأنهم لم يجهروا بكلمة الحق في وجه سلطان ظالم، فعم الفساد في أرضهم، وساد الظلم في ربوعهم، بعد ان تنمر الحاكم عليهم، واستبد وأعوانه بثرواتهم، وتحول المواطنون في نظر ذلك الحاكم إلى كائنات مسلوبة الإرادة، ومخلوقات فاقدة الوعي، وأناس يوصفون بالقطط والفئران، وبما هو أبشع من ذلك من الأوصاف مما عرفه أو لم يعرفه قاموس الشتائم.
كل ذلك لأن ذلك الحاكم لم يجد من يردعه من علماء الدين الذين اكتفى بعضهم بشرح التفاصيل المعروفة عن الدين، مما يلقن لصغار الطلاب في مدارسهم الابتدائية، وعبر فضائيات تقدم برامجهم إلى جانب ما تقدم من برامج الأغاني الهابطة والعري الفاضح، بينما اكتفى بعض هؤلاء العلماء بالموقف السلبي حيال ما يجري حولهم من أحداث تدك الجبال وتهز الأرض، وتجعل عاليها سافلها، من خلال حروب ظالمة، وحكومات غاشمة، وأوضاع متردية، تحكمها البطالة والفقر وما قد ينجم عنهما من أمراض اجتماعية، وانحرافت أخلاقية، وجرائم أمنية مختلفة، وبين هذا وذاك، يأتي المحرمون والمحرضون، ليضيقوا نير القهر على عنق المواطن العربي، حتى لا يستطيع أن يتنفس هواء الحرية، ولا أن يشم نسيم العدالة الاجتماعية، لأنهم ارتهنوا بالسلطة، وتحولوا إلى أبواق يسبحون لها في العشي والأبكار، ناسين رسالتهم الإصلاحية في تقويم ما اعوج من شأن الأمة التي أضحت مطمعا لكل طامع، وهدفا لكل معتد أثيم.. بعد أن كانت خير أمة أخرجت للناس.
جريدة الشرق القطرية 2011-02-28
التعليقات (0)