لم يكن يعتقد كثيرون من ساسة المنطقة الخضراء ببغداد الذين أتى بهم الغزو الأمريكي أن إعدام الرئيس صدام حسين سوف ينقلب عليهم مثلما ينقلب السحر على الساحر، و أغلب الظن أن عصابة المالكي ومقتدى الصدر قد وقعت في المصيدة الأمريكية و معهما إيران، و إلا ماذا يعني تنصل الأمريكيين من مسؤولية عملية تنفيذ حكم الإعدام و إلقائها على عاتق الأطراف التي تورطت وحدها في الجريمة، في الوقت الذي نأى الدور الكردي بنفسه عن المشاركة في الفضيحة المهزلة، و هذا ما يعني رفض جلال الطالباني التوقيع على مرسوم الإعدام، و قبول المالكي المسكون برغبة الانتقام و الثأر لعصابته الشيعية بالتصديق على نفس المرسوم على الرغم من معرفته بأن ذلك التصديق يعد أمرا مخالفا للدستور الذي قدمه هو و من هم داخل اللعبة السياسية العراقية القذرة للشعب العراقي بهدف الاستفتاء عليه...الأكيد من خلال كل هذا الذي رافق عملية اغتيال الرئيس صدام حسين، أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول الوصول إلى أهداف تتجاوز الحدود العراقية أهداف قذرة بعموم منطقة الخليج العربي و حتى الفارسي و الشرق الأوسط و باقي الدول العربية والإسلامية...
إن ما وقع يجر كثيرين من العرب و المسلمين إلى التفكير بعمق و جدية كافيين في إعادة ترتيب بيت الأفكار و تكييفه وفق المعطيات الجديدة التي طفت إلى السطح...لعل المواطن العربي العادي و السياسي سوف يحس بإحراج شديد حين يجد نفسه مطالبا بتحديد موقفه من الملف الإيراني الآن، لكن الأكيد أن كثيرين سوف يرفعون أيديهم عن دعمهم و لو المعنوي لإيران و حقها في امتلاك السلاح النووي، هذا كله يقع بعد دخولها على الخط العراقي و بشكل علني، و مناصرتها لطائفة على حساب طائفة أخرى هي كل الدول العربية و الإسلامية، فلو قدر لإيران أن تتعرض منشآتها النووية لضربة حتى إسرائيلية، فسوف لن تجد إلى جانبها من يناصرها و يدعمها من عموم الدول الإسلامية و الشراع العربي و الإسلامي، و لعل هذا الشعور الذي تبلور لدى غالبية العرب والمسلمين السنة بعد اغتيال الرئيس صدام حسين لم يكن جديدا بالمرة، حيث تواجدت على امتداد المشهد الإعلامي العربي أصوات تنبه إلى خطورة الدور الفارسي بالمنطقة، إلى درجة أن هناك من اعتبر أن إيران أخطر من إسرائيل على العرب...و الأكيد أن دخول إيران على الخط العراقي سوف يثير شهية كثير من دول الجوار إلى التحرك باتجاه الساحة العراقية من أجل تحجيم الدور الفارسي - الشيعي و مساندة الأقلية السنية و دعمها، مما سيزيد من تأجيج الحرب الأهلية/الطائفية بالعراق...فالمملكة العربية السعودية أبانت - من خلال موقفها الذي عبرت عنه من خلال استهجان عملية الإعدام – عن رفضها للتوجه العام للحالة العراقية و إقصاء الأقلية السنية و تهميشها، و سيطرة الطائفة الشيعية على مناحي الحياة السياسية و الإدارية بالعراق...أما سوريا التي عقدت –خلال المرحلة الأخيرة- تحالفا قد يبدو تكتيكيا مع إيران للخروج من عنق الزجاجة اللبنانية، فمطالبة إلى إعادة النظر في هذا التحالف، و مدعوة أيضا إلى التفكير بشكل عميق و جدي في علاقتها بحزب الله الشيعي، خصوصا و أن النعرة الطائفية التي حاول كثيرون طمسها و كبتها خلال مرحلة طويلة قد تأججت الآن و اشتعلت...فلا أظن أن أشكال الدعم و المساندة والمناصرة التي حازها حزب الله خلال حربه ضد إسرائيل ستكون هي نفسها لو قدر لفتيل الحرب أن يشتعل من جديد، وربما يقفز كثيرون إلى حضيرة سعد الحريري و وليد جنبلاط و سمير جعجع، ضدا على حسن نصر الله الشيعي و من خلفه إيران...أما حركة حماس الفلسطينية التي ضُيِّق حولها الخناق دوليا و عربيا و تعرضت لضغوط كثيرة بهدف الاعتراف بإسرائيل، مما حدا بها إلى الاقتراب أكثر من إيران في إطار بحثها عن الدعم المادي أكثر من الدعم المعنوي، فهي الأخرى – و بعد موقفها الرافض لإعدام الرئيس صدام حسين- قد وجدت نفسها مرغمة على إعادة النظر في علاقتها بالحليف الفارسي، خصوصا بعد كثرة الاتهامات لها بمنح إيران فرصة التدخل بشكل غير مباشر في الشأن الفلسطيني...
فالشارع العرب إذن منقسم الآن إلى شيعة ارتكبوا خطأ سياسيا فادحا صبيحة أول أيام العيد الأضحى، و سنة استفاقوا على خبر اغتيال الرئيس العراقي الشهيد صدام حسين...فطويت صفحة قديمة و فتحت أخرى جديدة سوف تكتب بلغة الحقد و الانتقام و الانتقام المضاد والدم...
لقد نجحت أمريكا في شق الصف الإسلامي، و إشعال فتيل فتنة داخل العراق و خارجه، و مهدت بذلك لضرب إيران النووية و تحجيم حلمها بأن تصبح قوة نووية بالمنطقة...لأن في امتلاكها للسلاح النووي خطر على إسرائيل و مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، قبل أن يكون خطرا يهدد مصالح المملكة العربية السعودية و باقي دول مجلس التعاون الخليجي...
إن رحيل الرئيس العراقي صدام حسين يشكل انعطافة نوعية و حاسمة في تاريخ منطقة الخليج و الشرق الأوسط، قد يصل تأثيرها إلى عموم الدول الإسلامية و العربية أينما كانت...
التعليقات (0)