قد لا نجد الا القليل من المراقبين من استطاع مقاومة الاغراء الذي توفره المساحة الاعلامية التي رافقت الاعلان عن تعديلات قانون المساءلة والعدالة والفرص التي تتيحها امكانية استثمار هذا التدافع السياسي في ادامة الخصومة والاستهداف الطويل لرأس الحكومة على خلفية الاتهامات المتكررة بالتفرد والاقصاء والتهميش..ولكن الاقل هو من انتبه الى انها المرة الاولى التي يتم بها مهاجمة مطالب المعتصمين بهذه القوة وذلك الاتساع ومن نفس الاطراف التي كانت لا تفتأ تعلن الدعم والتأييد –بل والتماهي-مع تلك المطالب وعد تنفيذها العاجل والكامل هو السبيل الوحيد لرضا الله والوالدين..
فقد تكن تلك هي المرة الاولى التي نقرأ فيها من قبل العديد من القوى السياسية المناوئة للحكومة خطابا معلنا بان هناك ماهو غير مشروع في مطالب المتظاهرين, وانها تنتحل الشعارات المطلبية لاعادة انتاج حكم البعث في العراق..
وهنا قد يكون السؤال عن طبيعة الفهم والتعاطي من التيارات السياسية المشكلة لجبهة التقاطع مع الحكومة مع بقية المطالب التي تستهدف الغاء قوانين مكافحة الارهاب واصدار العفو العام والتي لا تقل خطورة عن تعديلات المسائلة والعدالة والتي تتقاطع مع الشعار المعلن لتلك القوى السياسية, والاهم هو الطريقة التي ستفسر بها تلك الفعاليات التناقض البواح ما بين ذلك الرفض عالي النبرة لتلك المطالب وبين تحريض المواطنين على البقاء في العراء لحين تحقيق مطالب هم اول المنادين باسقاطها وعدم مشروعيتها..
والسؤال الاكثر الحاحا هو هل ان هدف اسقاط-بل تسقيط –الحكومة يعد مسوغا كافيا لتلك الغفلة عن محاولات استنساخ تجارب الثورات العربية واساليبها في خدمة هدف احكام سيطرة التيار المتأسلم المتشدد على الشارع العراقي متكئين على الغياب التقليدي المأزوم للمواقف الحازمة والمسؤولة من قبل الحكومة المقيدة بالضغوط والفساد والحوارات الصعبة وضعف مبادراتها للحد من تداعيات هذه الظاهرة..
وهل ان الدواعي الاقتراعية سبب للتعامي عن العديد من الشعارات المفخخة التي تختبئ حول المطالبات الحقوقية للمعتصمين والتي لا يمكن النظر اليها الا على انها جزء من صراع تحاك مفرداته في المناطق الاكثر عتمة واظلاما في المشهد السياسي العربي بين قوى واجنحة الاسلام السياسي للهيمنة على مصائر الشعوب العربية..
وهل يكون من السهل على تلك القوى السياسية تجاهل الطابع الاستباقي المتلهف لتثبيت المواقع على الارض لهذه التحركات في ظل كل ذلك التلقف اللاهث الجذل لايماءات القوة الاعظم بامكانية التعامل مع القوى الاسلامية التي قد تصل الى الحكم في بلدان المنطقة, ونجاحاتها في امتطاء الثورات العربية في بعض البلدان مستفيدة من الدعم الاعلامي الضخم والقدرة التنظيمية الافضل وتخففها من الالتزامات القانونية والدستورية..
وهل ان الحنق من سياسات الحكومة -التي تتقاسمها تلك التيارات- سيكون كافيا لتجاهل الخيوط الكثيرة التي تربط قوى الاسلام السياسي المتصدية للاحتجاجات بكيانات ودول اقليمية معينة تعدها الذراع السياسية والاعلامية الداعمة لثوابت ومتبنيات تلك الدول والتي تعمل على فرضها كظاهرة سياسية وعقائدية على المجتمع العراقي وعمليته السياسية بالقوة والتكفير وكورقة ضغط امنية واجتماعية لتكييف المواقف والسياسات المحلية والخارجية العراقية تماشيا مع مصالح وتوجهات تلك القوة..
قد يكون هناك الكثير من الحكمة في الدعوات التي تنادي بها بعض العناوين الوطنية في تجريد المطالبات الشعبية من الغطاء الديني او الثقافي, والاهم هو في تحرك القوى المتصدية لشعارات نصرة المعتصمين للعمل على تنقية الساحات من مثل هذه الخطابات المموهة المنتحلة دفع المظلومية والتي قد توفر ارتداداتها بعض الفجوات التي من الممكن ان يتسلل من خلالها المزيد من الالتباسات التي تشكل علامة فارقة لايامنا التي نعيشها ..والوعي بان كثرة الضجيج لن تغير من الامر شيئا, ولن تقوى على اضفاء بعد فلسفي الى مشكلة ناتجة عن تشوهات اجتماعية او سياسية..
كما انه يجب الاقرار بان التنوع والتعدد والاختلاف والتباين في وجهات النظر اصبح يعد من بديهيات النظرة السليمة لمنطق التاريخ والاشياء..وان الانتخاب يعد من اكثر الاساليب السلمية الحضارية في التعبير عن وجهات النظر المجتمعية ويمثل ارادة تعكس جدية المؤسسة في تحمل مسؤوليتها تجاه عملية الاصلاح والتغيير ضمن مناخ ديمقراطي تعددي سليم..وان محاولات قوى الاسلام السياسي في التمظهر بمظهر الامة الواحدة والبنيان المرصوص والتي لا تجتمع على باطل والمنزهة عن الاختلاف والتباين في وجهات النظر في الوقت الذي تشكل فيه الخلافات الدموية بين الاجنحة المتأسلمة العربية فقرة دائمة في صدر الصفحات الاولى ونشرات الاخبار ..لا تعد الا فعلا اقرب الى التناوم والتعامي وخداع الذات منه الى اعلاء مبدأ التوافق والاجماع..
التعليقات (0)