ما حصل بغزة أعادنا كما أعاد القضية برمتها إلى نقطة الصفر...ولعل هذا ما كانت تتوقعه إسرائيل و ترتب له حتى قبل أن توقع على اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين... هي ذي النكبة الحقيقية...هو ذا حصاد غزة المخضب بالدم الفلسطيني الفلسطيني...هو ذا موسم الجني الدموي لثمار عفنة تتدلى، تتقطر دما، فيتسع قطر البركة الحمراء لتكون شاهدة على جريمة كبرى في حق القضية...هو ذا تهافت التهافت على كراسي من سراب صنعتها أيادي الوهم وزينتها أنامل العشق الجنوني للسلطة الكسيحة...هو ذا عرفات وياسين الشهيدين يحضران حضور الأبطال الأشاوس الذين أتقنوا فن التوحد و لعبة الصد العنيف لكل الأيادي المتسللة لعمق الوحدة الداخلية الفلسطينية حتى لا تعبث بها...أن نبحث عن صورة أو حتى برواز لمثل هذه الشخصيات الكارزمية وسط هذه العصابة الدموية التي حولت القضية إلى كراسي سياسية لتطلعاتهم الكسيحة، وحولت الشعب إلى مجرد سلم لتصعد باتجاه الهاوية، هو حلم مستعصي المنال... تحدث الكثيرون عن انتصار حماس و إقامة الإمارة الإسلامية بغزة في انتظار إلحاق الضفة الغربية بها...هل حقا انتصرت حماس وانهزمت بالمقابل فتح؟؟؟...هل الظرف و الحدث يسمحان لنا جميعا بالحديث عن ثنائية الانتصار والانهزام؟؟؟...ألا يعتبر مثل هذا الحديث نوعا من دق المزيد من المسامير في نعش القضية الفلسطينية؟؟؟...أم أن محللينا و خبرائنا صاروا يمتهنون حرفة التحليل العسكري بناء على التجربة التي حصدوها جراء الصراعات الإقليمية العربية العربية، و الدماء التي أريقت فوق عناوينها الطائفية و العقدية و المذهبية؟؟؟... إن الواقع برمته يحيل إلى نتيجة واحدة لا قدرة لنا على تجاهلها أو إنكارها...وهي أن من انهزم هم نحن جميعا من دون استثناء...انهزمت حماس وفتح معا...انهزمت جامعة الدول العربية...انهزم اتفاق مكة وانهار...انهزمت كل الأنظمة العربية من دون استثناء...انهزمنا وبالبند العريض... و الذي انتصر طبعا هي سياسات إسرائيل على الأرض وداخل ردهات مختبرات صنع قنبلة الاقتتال الفلسطيني/الفلسطيني الذي يحصل الآن...من انتصر هم أولائك الذين عارضوا خيار السلام المشبوه و الناقص...لأنهم قالوا لا لغزة وأريحا أولا...و أغلب الظن أن مخاوف عدة كانت لديهم بخصوص تلك الاتفاقات الملغومة...والمخافة الكبرى أن ينتهي بالفلسطينيين الأمر إلى اقتتال داخلي و فوضى سوف تعصف بالأخضر واليابس... ومع ذلك لابد من القول أن فتح التي هندست للاتفاقات، ودافعت عنها، ووقعت عليها إلى جانب الإسرائيليين، تبدو منسجمة مع خطها التقليدي، حين اختارت القبول بسلطة فلسطينية صورية وناقصة...لكن حماس و التي أعلنت رفضها لكل الاتفاقات وعاندت ذاتها و العالم حين تشبتت بعدم الاعتراف بإسرائيل رغم الضغوط القوية التي مورست عليها، فبدت متناقضة من حيث مواقفها...ذلك أن رفض الاتفاقات ينبغي أن يدفع بها إلى رفض كل ما يمكن أن يترتب عنها...و آخر ما ترتبت عنها هي تلك السلطة الفلسطينية المعاقة...بمعنى أن دخولها اللعبة السياسية يحمل في باطنه قبولها بنتائج مسلسل السلام الذي عارضته ولا تزال...مما يدفعنا إلى الاستنتاج بأن حماس لا تختلف عن فتح سوى في الخطاب، أما الممارسة في الميدان فوجهان لعملة واحدة... إن العمل ينبغي أن ينصب على التفكير في كيفية إخراج القضية الفلسطينية من هذا النفق المظلم الذي زُجّت فيه على يد أبنائها غير الأوفياء لثوابتها...لم تعد حماس و لا فتح هما المعنيتان بالقضية...صرنا جميعا معنيون بالتحرك من أجل إعادة الأمور إلى نصابها، و من أجل إرجاع قطار المقاومة إلى سكته الصحيحة، ومن أجل توجيه السهم صوب العدو الحقيقي...وإذا لم ننجح هذه المرة فعلى القضية الفلسطينية وعلينا السلام...
التعليقات (0)