مواضيع اليوم

ما الذي يحدث في مصر؟

د. خالد غازي

2011-02-04 01:17:43

0

 انتفاضة الشباب وثورتهم في مصر مفتاحها كان كلمة واحدة، وكانت كالسرطان سريع الانتشار وهي "الفساد" بمختلف أشكاله وصورة والذي اتخذ شكل منظومة متكاملة على أركان مختلفة تتمدد وتنتشر وفق آليات وأنماط خاصة .. ما الذي حدث في مصر الآمنة المطمئنة؟ مالذي جعل الشعب ينتفض ويثور؟
الحقيقة التي لا مفر منها هي ما حدث نتيجة لغياب (الدولة العادلة) التي أشعلت غضب الشباب، ولم تلتف الدولة وتحتضن شعبها، وأول شروط هذا الاحتضان أن يتعامل الناس كمواطنين سواسية أمام القانون الذي غيبته سلطة السياسة، وجشع رجال الأعمال، فوضعوا الفقراء ومحدودي الدخل تحت أقدامهم، وما أبرع النظم العربية في تحميل الناس نتائج سياساتها الخاطئة التي تستنزف الموارد وتهدد المستقبل السياسي ؛ لذا فمن حق المصريين أن يخافوا على مصر.. ومن حق العرب أن يخافوا على مصر فهي رمز العروبة الوطنية والاسلام .

(1)

وفي اعتقادي -ونحن مازلنا في قلب الحدث- أن انتفاضة الشباب وثورتهم في مصر مفتاحها كان كلمة واحدة، وكانت كالسرطان سريع الانتشار وهي "الفساد" بمختلف أشكاله وصوره والذي اتخذ شكل منظومة متكاملة على اركان مختلفة تتمدد وتنتشر وفق آليات وأنماط خاصة، ولا يمكن أن يحيا الفساد أو ينمو إلا في وجود بيئة مواتية، وحين تجري مقارنة بـ"الإرهاب" مع الفساد فإن الكفة تميل بشكل كبير إلى جانب الفساد لأنه سرطان الإدارة والاصلاح وطالما يجد تبريراته الاجتماعية في ظل غياب القيم النبيلة والاخلاق وضآلة المردودات المالية وأصبح فيها النظام أو القانون شيئا ثانويا أو على الأقل غير متفاعل بحده الأدنى.. وهذه الظروف وجدت كظواهر دخيلة على الشعب المصري وهي الظواهر التي كشفتها الاحداث والواقع والشهود ووسائل الاعلام مما جعل الشارع المصري يفقد الثقة في نخبه الحاكمة، خاصة عندما تم زواج السياسة بالاقتصاد، فكيف يصدق الناس أولي أمرهم وهم فاقدو الثقة في نزاهتهم ؟ وكيف يؤمنون بوطنيتهم والادانات حاصرتهم من كل جانب؟ فهل هم حقا مخلصون وذوو نوايا حسنة وثروتهم تتضخم يوما بعد يوم في حين أن شباب مصر لا يجدون فرصة عمل ويعانون صعوبة الحياة المعيشية ؟

(2)

"الفساد السياسي" كان عنوانا رئيسيا للكثير من الأحداث والسنوات التي عاناها غالبية الناس في مصر، فالفساد السياسي ينطوي على سوء استعمال السلطات للأفراد المسؤولين، بما يهدر حقوق المواطنين من قبل النخب الحاكمة لأغراض غير شريفة، وتخدم طبقة محددة أو شخوصا بعينها، كالاختلاس من المال العام، أو تيسير الرشوة لتنفيذ أعمال خاصة أو ابتزاز أحد الأطراف أو القيام بإجراءات من شأنها تحقيق المحسوبية .
وتتعدد التفسيرات التي تناولت الفساد باعتباره معيارا للدلالة على غياب الدور الحيوي المنوط بالمؤسسات، التي من المفترض أن تكون فاعلة في المجتمع، فالفساد ليس نتيجة لانحراف سلوكي فحسب، بل نتيجة لانحراف الأعراف والقيم عن أنماط السلوك القائمة والمعهودة، كما أنه يمثل أعمالا من شأنها العودة على الموظف العام، فيمهد الطريق -مثلا- للتهرب والتحايل على القوانين والسياسات، سواء باستخدام قوانين جديدة أو بإلغاء قوانين قائمة تمكنه من تحقيق مكاسب مباشرة وفورية. وقد يتضمن الفساد كذلك الابتزاز من قبل موظف عام أو عميل، وقد يجري داخل المؤسسة في القطاعين العام والخاص، إذن فالحقيقة المرة أن الفساد سلوك غير طبيعي، وقد نال من المساءلة القانونية، وقوض الديمقراطية، وشوه التمثيل النيابي في عملية صنع القرار السياسي، ونال من ثقة المواطنين في شرعية الحكم والحكومة؛ وبالتالي القيم الديمقراطية للمجتمع المصري كالثقافة والتسامح.
وكانت انتخابات مجلس الشعب التي تمت في نهاية العام 2010 اختبارا حقيقيا للسلطة الحاكمة في مصر، وكان من نتيجتها اغتيال الديمقراطية، والنيل من مفهوم المواطنة وسيادة القانون وتكميم أفواه المعارضة، حيث ولد البرلمان مشوها بلا معارضة.

وكانت بمثابة نكته سياسية تندر بها العالم ووسائل إعلامية: (برلمان مصر بلا معارضة ).. فلماذا إذن البرلمان؟ ولماذا تزور إرادة الشعب؟
إذن، فالسياسة والفساد تربط بينهما علاقة تلازمية وتوأمة غير عادية بالتزوير، ليس فقط لمجرد أن التزوير نوع من الفساد لكنه في الوقت ذاته يمثل تصدير واقع أمة تعاني من أنها تعيش أزهى عصور الحرية، ولكنها في حقيقة الأمر تعيش أزهى العصور المضمحلة الغارقة في الفساد.
علاقة تلازم وتوأمة بين الفساد والتزوير فهما أشقاء من سلالة عائلة السلوكيات غير اللائقة أخلاقيا وأبناؤها يكتسبون الشرعية نتيجة الزواج الذي أصبح كاثوليكيا بين السلطة والمال والجريمة في مصر والذي هو منظومة متكاملة تقوم على أركان مختلفة وتتشعب وتنتشر لتنال مختلف قطاعات الدولة فأحد معاني الفساد هو " إلحاق الضرر، وأخذ المال ظلما، وعدم القيام على الأمر بما يصلحه" لذا فحين يعم الفساد جتمعا من المجتمعات، وتفوح رائحته تجد تظاهرا بمحاولات الإصلاح وحديثا مملا ومكررا عن الشفافية وكأنها ستار يخفي تحته من الفساد ما يمكنه من العيش أطول فترة ممكنة.
كما عانت مصر الفساد الاقتصادي الذي توحش في ظل السلطة السياسية أمام ضعف الرواتب والبطالة وتفشي الرشوة والمحسوبية في ظل الجهاز الإداري للدولة، مما أوجد حالة من الضجر والانفجار لدى الناس فأوجد حالة من الإنفلات في الشارع. وليس أدل على ذلك من ظهور جرائم لم تعرفها مصر من قبل، وتلقي تبعات كل ذلك على الأجهزة الأمنية.. أليس أجدر بنا أن نبحث عن أسباب الجريمة؟ فضبط الجناة لن يقلل من حدوثها أو تكرارها.

( 3 )

في العام 2010 أكدت منظمة "الشفافية الدولية" والتي تعد أكبر منظمة غير حكومية عالمية لمحاربة الفساد ومقرها برلين: تزايد الفساد في مصر، وأن الآليات والقوانين واللوائح المعمول بها حاليا غير كافية لمواجهة الظاهرة.. ودعت إلى إجراء إصلاحات عاجلة في أسلوب إجراء الانتخابات وتعزيز دور القضاء.. موضحة أن الجهود التي تبذلها مصر لمكافحة اساءة السلطنة على نطاق واسع ضعيفة .. لافتة الى "ضعف تطبيق القوانين والافتقار الى الوصول للمعلومات العامة".
وجاء في التقرير – الذي حمل عنوان " نظام النزاهة الوطني في مصر" ان من أبرز المعوقات أمام محاربة الفساد : تضارب المصالح، والتدخل السياسي في عمل هيئات مكافحة الفساد .
وأوضح تقرير المنظمة ان هناك مشاكل عديدة في آليات مكافحة الفساد على الرغم من تزايد عدد تلك الآليات مشيرا الى "الافتقار إلى الآليات الفاعلة لحماية المبلغين عن المخالفات، اضافة الى ضعف الى اليات تنفيذ القوانين واللوائح، وضعف تطبيق الشفافية، وانعدام امكانية الوصول الى المعلومات العامة، ونقص انظمة المتابعة، وتطبيق الحكومة على عمل منظمات المجتمع المجني وحرية الاعلام".
وقال: إن آليات مساءلة السلطة التنفيذية امام البرلمان نادرا ما يتم تطبيقها بشكل تام، كما لا يوجد قانون محدد لمحاسبة الوزراء ، وان "الاجراءات المرهقة في آليات حماية المبلغين عن المخالفات تؤدي الى عدم امكانية تطبيقها"، كما انه لا تتم الاستفادة بشكل كامل من صلاحيات مراقبة السلطة التشريعية لأداء السلطة التنفيذية ..واشار الى صعوبة الوصول الى المعلومات، فضلا عن كثرة تضارب المصالح مع اعضاء البرلمان البارزين في مجتمع الاعمال، وعدم وجود آليات المراقبة لمخصصات الموازنة، كما ان الاحزاب السياسية لا تلعب دورا رئيسيا في عملية "الحوكمة" في مصر ،باستثناء الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم .. مرجعا ذلك الى تقييد أنشطتها، وهو مالا ينطبق على الحزب الحاكم. ولفت الى انحياز وسائل الإعلام العامة لصالح هذا الحزب، وان النظام المتبع في تسجيل اصوات الناخبين يعاني من عدم الكفاءة .
كما نوه الى "الجهاز االمركزي للمحاسبات "وهو هيئة المراقبة الحكومية بمصر، لكنه قال ان: "الجهاز لا يملك السلطة، ولا القدرة، على مراقبة تنفيذ توصياته" .. مشيرا الى افتقاره للشفافية فيما يتعلق باتاحة تقاريره للجمهور للاطلاع عليها، فضلا عن انه غير مستقل تماما عن المؤسسة الرئاسية.
وافاد بان اجهزة تنفيذ القانون "خصوصا جهاز الشرطة" يرى البعض انه متورط في الفساد وغيره من اشكال اساءة استخدام السلطة.
----
ان تهديد مصر في وحدتها وعزتها الخطر الاعظم الذي من الممكن ان ينال من العرب، خاصة ان مناخ المنطقة مثقل بالتوتر والصراع .




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !