مواضيع اليوم

ما أشبه الليلة بالبارحة

سميرة الحسني كريش

2024-01-27 07:52:06

0

ما أشبه الليلة بالبارحة! 

عصر ملوك الطوائف الأندلسي : لم يكن ملوك الطوائف فى سياستهم الداخلية ، وإزاء شعوبهم ، أفضل موقفا ولا أكرم تصرفا ، فقد كانوا طغاة قساة على رعيتهم ، يسومونهم الخسف ، ويثقلون كواهلهم بالفروض و المغارم لملء خزانتهم وتحقيق ترفهم وبذخهم ، ولم يكن يردعهم رادع من دين ، ولا من أخلاق . 

وكانت سياستهم الخارجية موضع سخط شعوبهم ، والطعن المر من معاصريهم ، وقد صدرت رسالة لها من الفقيه/ابن حزم عن فتنة الطوائف ، وأمرائها المستهترين ، ومجتمعها المنحل ، وحكوماتها الباغية ، أسمها " التلخيص لوجوه التخليص " . يصفها لنا ابن حزم : 

" وأما ما سألتم من أمر هذه الفتنة وملابسة الناس بها ، مع ما ظهر من تربص بعضهم ببعض ، فهذا أمر أمتحنا به ـ نسأل الله السلامة ـ وهى فتنة سوء ، أهلكت الأديان إلا من وقى الله تعالى ، من وجوه كثيرة يطول لها الخطاب ، وعمدة ذلك أن كل مدبّر مدينة أو حصن فى أندلسنا هذه ، أولها عن آخرها ، محارب لله تعالى ورسوله ، وساع فى الأرض بفساد ، والذي ترونه عيانا من شنهم الغارات ، على أموال المسلمين من الرعية التي تكون فى ملك من ضارهم ، وإباحتهم لجندهم قطع الطريق على الجهة التي يقضون على أهلها ، ضاربون للمكوس و الجزية على رقاب المسلمين ! .

 مسلطون لليهود على قوارع طرق المسلمون فى أخذ الجزية ، والضريبة من أهل الإسلام ، معتذرون بضرورة لا تبيح ما حرم الله ، غرضهم فيها استدامة نفاذ أمرهم ونهيهم " . 

ولم يرحم طائفة من الفقهاء على أيامه ، وعلى أيامنا أيضا !.

( فتاواهم مُعدّة ، وأقلامهم مشرعة ، يدعمون بها الطغاة خوفا ، ويبررون لهم المظالم طمعا ، ويسبحون بحمد الحاكم ملقا ، ويشغلون عامة الناس عن الجاد من أمور الدنيا ، بغير العاجل من شئون الآخرة ، فيقول : 

" فلا تغالطوا أنفسكم ، ولا يغرنكم الفساق و المنتسبون إلى الفقه ، اللابسون جلود الضأن على قلوب السباع ، المزيفون لأهل الشر شرهم ، الناصرون لهم على فسقهم ، فالمخلص لنا منها ، الإمساك للألسنة جملة وتفصيلاً إلا عن #الأمر بالمعروف ، و #النهي_عن_المنكر ، و ذم جميعهم " . 

وقد كان الفقهاء فى الواقع ، فى هذا العصر الذي ساد فيه الانحلال والفوضى الأخلاقية والاجتماعية ، أكبر عضد لأمراء الطوائف فى تبرير طغيانهم وظلمهم ، وتزكية تصرفاتهم ، وابتزازهم لأموال الرعية ، وقد كانوا يأكلون على كل مائدة ، ويتقلبون فى خدمات كل قصر ، ويضعون خدماتهم الدينية والفقهية لتأييد الظلم و الجور ، وخديعة الناس باسم الشرع ، وقد انفسح لهم المجال ، واحتضنهم الأمراء الطغاة ، وأغدقوا عليهم العطاء ، ولم يفت مؤرخ العصر / ابن حيان أن ينوه بهذه التآلف و التضامن ، بين الأمراء والفقهاء ، فى تأييد الظلم والفساد ، والخروج على أحكام الدين ، واليك ما يقوله لنا : 

" ولم تزل آفة الناس مذ خلقوا فى صنفين كالملح #الأمراء و #الفقهاء ، قل ما تتنافر أشكالهم ، بصلاحهم يصلحون ، وبفسادهم يفسدون ، فقد خص الله تعالى هذا القرن الذي نحن فيه من اعوجاج صنفيهم لدينا بما لا كفاية له ، ولا مخلص منه ، فالأمراء القاسطون ، قد نكبوا بهم عن نهج الطريق ذيادا عن الجماعة ، وجريا إلى الفرقة ، والفقهاء بين آكل من حلوائهم ، وخابط فى أهوائهم ، وبين مستشعر مخافتهم ، آخذا بالتقية فى صدقهم " .

 وقد قاسى الشعب الاندلسى فى ظل طغيان الطوائف ، كثيرا من ضروب الاضطهاد والظلم ، وانقلاب الأوضاع فى سائر مناحي الحياة وتوالت الفتن والحروب الداخلية ، ولكنه كان يعانى فى نفس الوقت من جشع أولئك الأمراء الطغاة ، الذين كانوا يجعلون من ممالكهم ضياعا خاصة ، يستغلونها بأقسى الوسائل وأشنعها ، ويجعلون من شعوبهم عبيدا يستصفون ثرواتهم ، وثمار كدهم ، إرضاء لشهواتهم فى إنشاء القصور الباذخة ، والانهماك فى حياة الترف الناعم ، والإغداق على الصحب و المنافقين ، فضلا عن حشد الجند لإقامة ظلمهم ، وتدعيم طغيانهم ، وقد ترتب على ذلك أن انهارت المعايير الأخلاقية ، واختلط الحق بالباطل ، والحلال بالحرام ، وقد شرح لنا الإمام / ابن حزم طرفا من هذه الفوضى : 

" وأما الباب الثاني : فهو باب قبول المتشابه ، وهو فى غير زماننا هذا باب جديد لا يؤثم صاحبه ، ولا يؤجر ، وليس على الناس أن يبحثوا عن أصول ما يحتاجون إليه فى أقواتهم ومكاسبهم ، إذ كان الأغلب هو الحلال ، وكان الحرام مغمورا .

 وأما فى زماننا هذا وبلادنا هذه ، فإنما هو باب : أغلق عينيك ، واضرب بيديك ..!!! 

ولك ما تخرجه إما ثمرة وإما جمرة !. 

والضرائب التي يقبضها السلاطين اليوم فإنما هي جزية على رؤوس المسلمين ، تؤدى على كل ما يباع فى الأسواق ، وعلى إباحة بيع الخمر ، وهذا هو هتك الأستار ، ونقض شرائع الإسلام ، وحل عراه عروة عروة ، وإحداث دين جديد ، والتخلي من الله " .

 يحمل ابن حزم بعنف ، على استهتار أمراء الطوائف بأحكام الدين ، وما اتسموا به من ضعف الإيمان والعقيدة ، ويؤكد أنهم لو وجدوا فى اعتناق النصرانية ، وسيلة لتحقيق أهوائهم ومصالحهم ، لما ترددوا فى اعتناقها ، اقرأ معي : 

" والله لو علموا أن فى عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها ، فنحن نراهم يستمدون النصارى ، فيمكنونهم من حُرم المسلمين وأبناءهم ورجالهم ، يحملونهم أساري إلى بلادهم ، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعا ، فأخلوها من الإسلام ، وعمروها بالنواقيس ، لعن الله جميعهم ، وسلط عليهم سيفا من سيوفه " 

ونحن لا نستطيع أن نتهم ابن حزم المتزن ، البعيد النظر ، النافذ البصيرة ، بالمبالغة و التحامل ، وهو قد شهد بنفسه أحداث العصر ، وفضائح ملوك الطوائف ، وأصدر عليها تلك الأحكام القاسية ، التي نراها ماثلة أمامنا الآن .. !!!!

منقول




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !