كثيرون يتساءلون كيف إستطاع المجرم الفاجر القذافي وزمرته المجرمة الأنقلاب على نظام مستقر أمن سنة 1969ويستمر في حكم البلاد بالحديد والنار لفترة 42 سنة وتزيد . القذافي لم يكن له تنظيم ثوري كما يقول فزمرته من الضباط كانت مجموعة صغيرة تجتمع في قهوة لتحلم بسراب إنقلاب و كان موضع تهكم وإستخفاف حتى بين المسئولين في الجيش وقوات الامن .. لقد إختلفت الأراء والتحاليل السياسية لهذه الظاهرة الغريبة التي عجز العلماء عن تبريرها .والموضوع يحتاج ألى دراسات من ذ وي الأختصاص لتوضيح العوامل والظروف التي ساعدت على إسدال الستار على فترة ليت قصيرة من عمر الدولة الليبية .وأحاول فيما يلي إبداء رأيي الاجتهادي في الموضوع معتمدا على خبرتي المتواضعة وكمتتبع لأحداث لست من صناعها . هناك عوامل ساعدت على إستغلال تشردم السلطات الليبية قبل الثورة وتسامح الحكومة مع بعض العناصر المتربصة للسلطة . فبعض الجهات في الحكومة كانت تدعي بأنها تتصرف بأرادة عليا والملك برئ منها .وكانت هناك شائعات كثيرة بأن هذه الجهات المقربة تحاول التحرك للأستيلاء على الحكم بمباركة من سلطات عليا مما شل أية إستعدادات للوقوف ضدها ، لأن قوات الجيش والشرطة لم تكن مستعدة للتحرك ضد أركان النظام الملكي ، فهناك تمسك شعبي بالنظام الملكي وشعور بألأطمئنان بأن دخل النفط الذي بدأت اثارة تنعكس على مستوى المعيشة في بعض المناطق سيحقق الرفاهية الأقتصادية لجميع المواطنين في فترة قصيرة . وان الخلافات والمشكل السياسية التي كانت سائدة ستحل بمرور الزمن وبنضوج الوعي ومشاركة المتعلمين في الحكم الذين بدأوا يتولون مراكز هامة . هذا الأحساس السائد وضعف الحكومة الامني ساعد على عدم خلق المناعة ضد تحركات ليست في الحسبان .فمن الناحية الواقعيىة كان هناك عدم وجود سلطات مركزية أمنية فكان هناك جيشان وقوتان للأمن غير خاضعتين بالكامل لوزير الدفاع أو الوزير الداخلية كما هو مقرر رسميا حسب الدستور . فالجيش الليبي كا نت فيه عناصر تدعي لنفسها سلطة فوق رئيس الاركان وفوق وزير الدفاع وحتى رئيس الوزراء . وقوات الامن رغم إعلان الوحدة الليبية بقت مقسمة إلى قوتين قكانت قوة دفاع برقة تمثل جيشا ثانيا بكل أسلحته و تقوم في نفس الوقت بشئون الأمن ولهذا لا تخضع لوزير الدفاع أو وزير الداخلية ويدعي قادتها بأنها تسير بأوامر عليا رأسا والملك برئ من هذا الأدعاء . لكن طيبة الليبيين والتسامح والمصالحة التي نسمعها اليوم كانت السياسة السائدة وتركت الأمور على علاتها .
تحتل ليبيا مركزا إستراتيجا فريدا فهي بوابة أوربا على أفريقيا وتحتل مركز الصدارة في البحر الابيض المتوسط مهد الأديان والحضارات التي عرفها الأنسان . ولا غرابة أن تسمى طرابلس عاصمتها عروس البحر المتوسط . والقول التاريخي المتداول من ليبيا ياتي كل جديد . هذا المركز الأستراتيجي جعل ليبيا مطمع كل الأمبرطوريات الني نشأت على ضفاف البحر الأبيض المتوسط مهد الحضارات والاديان والمذاهب السياسية والأقتصادية والاجتماعية . وبزوال الامبرطوريتين العثمانية والأيطالية إحتلت ليبيا مركز الصدارة بين الدول القومية المستقلة الحديثة . ورغم محاولات الأمبرطوريات التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية لاحتوائها وتقسيم ليبيا فيما بينها إلى ثلات ولايات عسكرية تحولت بعد الأستقلال إلى ثلات ولايات في دولة فدرالية تحولت في النهاية إلى دولة مركزية بفضل كفاح شعبها الذي أصر على الأستقلال والوحدة منذ زوال الأمبرطورية العثمانية وقيادة الملك إدريس الرشيدة . وشاء الله أن يكتشف النفط ليستكمل مركز ليبيا الاقتصادي الذي كانت تفتقده لتعزيز مركزها الدولي . وكان لا بد أن يصبح مركز ليبيا محط إهتمام الدول الكبرى لتنمية مصالحها فيها . وكذلك اثار حسد الدول العربية والأفريقية لتولي ليبيا هذه المكانة الخاصة التي وصلت إليها في اواخر الستينات . كانت السياسة الامركية والغربية بعد الحرب العالمية مركزة على الأتحاد السوفيتي ومحاصرته لمنع توسع نفوذ ه وتفكيكه من الداخل . ووجدت الدول الغربية أن إنتشار الديمقراطية في المنطقة العربية يضعف من سيطرتها على شعوبها وحمايتها من الشيوعية . وأن تغيير الانظمة الديمقراطية البرلمانية إلى دول ديكتاتورية يسهل فيها التعامل مع حاكم فرد او عائلة بالتهديد والترغيب لكنك لا تستطيع السيطرة على حكومة ديمقراطية من صنع الشعب . وهكذا تم تحويل سوريا والعراق ومصر والجزائر والسودان وتونس واليمن ألى دول عسكرية ديكتاتورية لتنضم إلى دول الخليج العربي التي تحكمها أسر ديكتاتورية . ولم يبق في أواخر الستينات سوى تحويل ليبيا الديمقراطية البرلمانية إلى دولة عسكرية دكتاتورية لتتم عسكرة المنطقة ضد اي إقتحام سوفييتي . كانت السفارة الأمريكية في ليبيا كما نعرف شارعة أبوابها لجميع أطياف الشعب الليبي وخاصة جماعات المعارضة التي كانت موجودة عمليا رغم إلغاء الأحزاب . ونشرت السفارة رجال مخابراتها ومكاتب إستعلاماتها في كل مدينة وقرية بحثا عن صيد يحكم ليبيا . كيف وجدوا القذاقي وعصابته أمر يحتاج إلى مزيد من التحليل ليس هذا مكانه . وما أن وقع الانقلاب حتى سارعت الدول الغربية إلى الترحيب بالدكتاتورية الجديد ة في ليبيا . والوثائق البريطانية تتبت ان كثيرين من رجال النظام الملكي في الخارج طلبوا الاستعانة ببريطانيا لوقف إنقلاب ستمبرفي فترته المبكرة ولكن الحكومة البريطانية بضغط من الولايات المتحدة الامريكية سدت الأبواب على كل محاولات العناصر المضادة للأنقلاب الليبي . كما أن الدول العربية الحاسدة لليبيا ومركزها ونفطها وجدت في الأنقلاب فرصة لدعم مصالحها ومشاركة ليبيا ثروتها . وفعلا لجأ القذافي وطغمته الفاسدة في الأيام الأولى للأنقلاب وما قبله ألى مخابرات العراق ومصرطلبا النصيحة للأستفادة من خبرة الدولتين في ترسيخ نظامهما الدكتاتوربي . وكانت نصيحة المخابرات العراقية والمصرية للقذافي وعصابته متفقة مبدئيا على أن أول إجراء لنجاح الانقلاب في حالة عدم وجود مقاومة مسلحة هو الأجهاض على عناصر الحكم في النظام الملكي من السياسيين والعسكريين ورجال المال والتجارة والملاك حتى لا تتاح لهم فرصة خلق قوى مضادة للانقلاب ، وذلك بسجن كل المسئولين في النظام الملكي من وزراء ووكلاء وزارات ونواب الحكومة في البرلمان وكبار الموطفين وضباط الجيش والشرطة والتجار الكبار واصحاب المال والأرض وكل من له علاقة بالنظام الملكي السابق دون إستتناء ، وحرمانهم من تولي المناصب العامة في حكومة الأنقلاب أو عضوية الأتحاد الأشتراكي الذي أسس بعد الثورة مباشرة . كما نصحت المخابرات العراقية والمصرية الحكومة الأنقلابية الليبية بالأستعانة برجال المعارضة في ليبيا وخارجها وشبابها المتعلم في إدارة البلاد ، فهذه الفئة جوعى للسلطة وستخلص لحكومة الأنقلاب إعتقادا منها بأنها ستكون البديل لرجال العهد الملكي وأن العسكر سيعودون إلى ثكناتهم . وهكذا قام القذافي وزمرته المجرمة بوضع كل مسئول له علاقة بالنظام الملكي في السجن وصودرت أموال التجار و الملاك بكل مستوياتهم ولم يبقوا في الشارع الليبي سوى أفراد المعارضة للنظام الملكي السابق والجماهير الشعبية الثائرة التي تزيدها الدعاية الناصرية نارا حامية ضد أنصار النظام الملكي السابق . وأمكن بذلك لضباط الأنقلاب السيطرة على البلاد في أسابيع أو أيام معدودة فقطعت الرؤوس وجفت العروق . وبعد هذه المرحلة إختلفت نصيحة مخابرات العراق عن نصيحة خبراء مصر في طريقة التعامل مع مسئولي النظام المالكي القابعين في السجون . فنصحت المخابرات العراقية الحكومة الليبية وضعهم في سجون صحراوية ونسيانهم فيها حتى يتعذر عليهم تذكر أسمائهم وعندئد يصبحوا مرضى لا خطر منهم يمكنهم إرجاعهم إلى عائلاتهم لقضاء ما بقى من عمرهم كما حصل في العراق والمغرب. أما المخابرات المصرية فقد كانت أكثر رحمة ونصحت بالأحتفاظ بالسجناء السياسيين في السجن لفترة حتى يتم ترسيخ النظام الأنقلابي الجديد ، ثم البدء في النظر في حالاتهم حالة حالة ، وإطلاق سراح من لا خطر منه ولم يرتكب ما يحاسب علية ولم يستغل أموال الدولة أو منصبه ، مع وضع هؤلاء في بيوتهم تحت الرقابة ومصادرة أموالهم واملاكهم ولا يترك لهم سوى المنزل الذي يقيمون فيه إذا كان متواضعا وليس قصرا . كما يجب أن يطلب منهم توقيع إعتراف بما يملكون من أموال داخل ليبيا وخارجها ، والتعهد بعدم العمل ضد الثورة ( الانقلاب) . ومنعهم من السفر للخارج وتقديم بعضهم إلى محكمة الشعب ولو شكليا عبرة لغيرهم . وقد وجد القذافي وزمرته ان مقترحات المخابرات المصرية اكثر ملائمة للشعور الليبي الذي قد لا يتقبل العنف الذي يميز مقترحات مخابرات العراق القاسية . وفعلا نجح القذافي وزمرته في السيطرة على البلاد وإزاحة كل من كان في طريقه من العهد الملكي وأرضاء جماهير الشعب البسيطة . وبداوا في الخطوات التالية التي أوصب بها المخابرات المصرية وتبدأ بتصفية زملائهم الضباط من من أصحاب الطموح سياسي أو المطالب المعينة بدون رحمة . وهكذا تخلص القذافي من أحمد موسى والمحيشي وقيل حتى محمد المقريف وغيرهم كثيرين وإعتمد على بعض من زملائة مثل مصطفى الخروبي وعبد السلام جلود والخويلدي والهوني والضباط الذين إختارهم وسماهم الضباط الأحرار الذين كانو أكثر منه عنفا وإجراما وقمعا لليبيين ومسئوليتهم لا تختلف عن مسئولية القذافي عما حدث للبلاد . وعقد بعدها ندوة للمثقفين لمعرفة أراءئهم ولأ ختبار من يمكن الاستعانة به ويجول في فلك سياسته, وإبعاد من يكون خطرا عليه . ثم القضاء على نشاط الطلاب بفضاعة وتعمد لم تسجل في تاريخنا المعاصر . وإنهاء مظاهراتهم فهم أخطر فئة من فئات الشعب على أية حكومة لانهم شباب بدون مسئوليات عائلية ولا يخافون التهديد . ويجئ بعد ذلك دور المتحزبين الذي أمكن الأستفادة من خبراتهم في أوائل الأيام الأنقلاب وتخلص منهم بالسجن والقتل فهم أخطر طبقة السيايببن المعارضين للنظام الملكي وبذرة معارضة للنظام الجديد . ثم توالت مراحل تصفية العناصر الخطرة على نظامه وبدا من خطاب زوارة في رسم النظام السياسي لليبيا كما يريد أو كما خطط له أن يقوم به ، وخلق فكرة المؤتمرات واللجان الشعبية في كل مكان واللجان الثورية واطلق أياديه الملطخة بالدماء في حياة الشعب وحرماته دون رقيب . وبدأ في التركيز على نفسه وبناء مركزه العربي بدعوى أن الرئيس عبد الناصر أطلق عليه لقب أمين القومية العربية . وبعد وفاة عبد الناصر وجد في الرؤساء العرب سدا منيعا أمام طموحاته العربية فتحول الى الأهتمام بأفريقيا . ورغم الترحيب به في أقريقيا والأستفادة من أمواله إلا أن زعماء أفريقيا وقفوا في طريق طموحاته ومحاولاته الهزلية فأسبغ على نفسه لقب ملك ملوك افريقيا . وأخيرا وبعد زوال حكم صدام العراق والفبض عليه في حفرة في باطن الارض خاف القذافي من نفس المصير ، فلجأ إلى الغرب وفتح أمامه ابواب ليبيا وثرواتها ومشاريعها وسلم ما لديه من صناعة نووية طالبا المغفرة لما أرتكبه نحوها من عمليات إرهابية وعدوانية . ولكن الدول الغربية رغم قبولها لسياسته الودية الأخيرة إلا أنها لم تنسى له ما أرتبكه من حماقات في الماضي فأستغلت فرصة قيام ثورة 17 فبراير الليبيية وساندت ثوار ليبيا بطيرانها وسفنها حتى تمكن شباب ليبيا الحرة من القبض عليه في ماسورة مياه وقتله وهكذا تحررت ليبيا من شره وحكمه البغيض . إن هذه الخطوات المتتالية المنظمة والمدروسة التي اتبعت لقيام إنقلاب الفاتح من ستمبروالسيطرة على شعب لفترة تزيد عن 42 عاما ليست من تفكير إبن الخيمة ، إنه عمل من أعمال المخابرات الدولية التي تجري في العالم سريان الدم في عروقنا جميعا ولا نشعر به إلا عندما يتوقف وينتهي بذلك كل شئ .
إن سردي للحقائق المذكورة أعلاه ليست للمعلومية فالمعلومات المذكرة أعلاه يعرفها الجميع ولكن أكررها للذكرى فإن الذكري تنفع المؤمنين للمجلس الانتقالي والحكومة وكتائب الثوار والقبائل والمجالس المحلية . فوضع ليبيا اليوم من تشردم وإختلاف وعدم الحزم وتسامح مع أعداء الثورة أصبح كما كان عليه الوضع الليبي قبل إنقلاب ستمبر سنة 1969 ونفس القوى الغربية المتربصة والعربية والأفريقية الحاسدة تعمل في ليبيا والخارج مع عناصر النظام السابق المنتشرين في دول الجوار وأوربا بنشاط غير معهود ينذر بوقوع حدث قريبا يهدم ما حققه ثوار ليبيا الشجعان من نصر مبين . وإن إستمرار الوضع على ما هو عليه الأن سيضطر الحكومات المعنية الاوربية والعربية والأفريقية لتشجيع طاغية من أولاد القذافي أو أزلامه أو طاغية أخر جديد لحكم ليبيا وإستقرارها بيد من حديد كما عملوا في الماضي مع القذافي . وما نيل المطالب يالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا .
التعليقات (0)