إن أغلب مستخدمي شبكة الإنترنت ليس لديهم أي فكرة عن الطريقة التي تعمل بها الشبكة العنكبوتية وبعضهم قد يكون لديه فكرة غير واضحة عن ألية عملها. هناك مئات الملايين من الأجهزة والخوادم التي تعمل على إرسال وإستقبال ومعالجة كافة أنواع البيانات سواء كانت مكتوبة أو سمعية او بصرية. إن الطبيعة اللامركزية للشبكة العتكبوتية تجعل من الصعب على الحكومات التحكم فيها أو السيطرة عليها بشكل كامل على الرغم من جميع الجهود المبذولة والتكنولوجيا المستخدمة وذالك على المستوى الدولي أما على المستوى المحلي, فإنه يمكن لأجهزة تطبيق القانون النفاذ إلى الخوادم المحلية وإستخلاص المعلومات منها مباشرة. شركات كغوغل وشبكة عرض الأفلام نيتفليكس(Netflix) تخضع للقوانين المحلية في بعض الدول كحظر بعض المنتجات بناء على الموقع الجغرافي. كما أن موقع يوتيوب بدأ مؤخرا بالتوسع في تطبيق قوانين الملكية الفكرية وحقوق النشر خصوصا مع محتوى عرض بلغات أخرى غير الإنجليزية كالأفلام والأغاني العربية. إن الأفراد والحكومات من الممكن أن يستفيدوا من حرية النفاذ للشبكة العنكبوتية ولكن ليس بنفس المستوى.
هناك توقعات بإنضمام أكثر من ملياري شخص حول العالم لقائمة مستخدمي الشبكة العنكبوتية وذالك خلال فترة زمنية لا تتعدى ١٥ عاما ونسبة كبيرة منهم سوف تكون في القارة الأفريقية ممن يستخدمون لوحة مفاتيح الكمبيوتر أو الأجهزة اللوحية لأول مرة في حياتهم. إن ذالك أصبح ممكنا بفضل عدد من مشاريع تطوير الإنترنت خصوصا التي تقودها شركات كغوغل(مناطيد غوغل-Google Loon) وفيسبوك(Internet.org) ومشروع لانتيرن(Lantern) للإنترنت الفضائي. إن تلك المشاريع أثارت الجدل حيث يُفتَرض أن لها علاقة بتوسيع سوق الدعاية والإعلان الذي تسيطر شركات كغوغل وفيسبوك على حصة الأسد منه ولكنها في الوقت نفسه تفرض تحديات على الحكومات والأفراد على حد سواء. فالحكومات تواجه تحديات قانونية للتعامل مع المستجدات في العالم الرقمي خصوصا قرصنة المعلومات وأمن الشبكات, بينما الأفراد يواجهون تحديات غير مسبوقة للحفاظ على الخصوصية التي تتآكل يوما بعد يوم. فمؤخرا تفجرت فضيحة تسريب بيانات ٨٧ مليون مستخدم لموقع فيسبوك لصالح شركة كامبردج أناليتيكا البريطانية للإستشارات حيث تم إستخدام تلك البيانات في محاولة للتأثير على العملية الإنتخابية الأمريكية. وسبقتها سنة ٢٠١٦ فضيحة سرقة بيانات ٥٠٠ مليون مستخدم لموقع ياهو وقيام الموقع بفحص ملايين من رسائل المستخدمين بدون علمهم وبالنيابة عن الحكومة الأمريكية.
إن القضايا المتعلقة بتسريب معلومات المستخدمين لمواقع التواصل الإجتماعي كفيسبوك وبيانات مستخدمي مواقع الترفيه كبلاي ستيشن وإكس بوكس أشبه بسباق تكنولوجي بين الحكومات وقراصنة الإنترنت وشركات أمن المعلومات ومستخدمي الشبكة العنكبوتية. إن المستخدم العادي لشبكة الإنترنت هو الحلقة الأضعف في ذالك السباق حيث تتعرض خصوصيته للإنتهاك من قبل الحكومات وقراصنة الإنترنت على حد سواء, كما أن حرية دخوله للشبكة العنكبوتية تتعرض للتقييد من قبل الحكومات التي تفرض أنظمة حماية وجدران نارية(Firewalls) مهمتها تقييد الدخول لشبكة الإنترنت بذريعة حماية الأخلاق العامة. هناك الكثير من الذرائع التي تستخدمها الحكومات في محاولة لتبرير إستخدام انظمة الحماية والجدران النارية كحجب مواقع مخلة بالأداب العامة وهي الأكثر شيوعا بينما على أرض الواقع, منع محتوى مواقع سياسية معينة هو الهدف لإستخدام تلك الأنظمة. إن المشهور أن الصين هي أحد أكثر الدول إستخداما لأنظمة الحجب والجدران النارية ولكن على أرض الواقع فإن دولا كالمملكة العربية السعودية تستخدم أنظمة حجب وحماية في غاية القوة والفعالية تمكن الجهات المعنية من تتبع مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي وإعتقالهم في حالة معارضتهم العلنية للحكومة في كتاباتهم وتدويناتهم. كما ان تركيا مؤخرا هددت بحجب مواقع التواصل الإجتماعي كتويتر وفيسبوك ومواقع مشاركة الفيديوهات كاليوتيوب بعد نشر فضائح فساد موثقة بالصوت والصورة ومرفقة بالمستندات للرئيس التركي جب طيب أوردوغان وأبنائه. وهناك دول كمصر قامت بإيقاف خدمة الإنترنت خصوصا التي تكون عبر الهواتف الذكية بعد أن تبين لها أن أعمال الشغب والأعمال الإرهابية يتم تنسيقها خلال أحداث سنة ٢٠١١ بإستخدام وسائل التواصل الإجتماعي وخدمات البريد الإلكتروني.
إن إستخدام أنظمة الحجب والجدران النارية لا يقتصر على دول كالصين أو المملكة العربية السعودية بل هناك دول أوروبية تستخدم تلك الأنظمة في حالات معينة وضمن إطار قانوني معين. الحكومة الألمانية لديها قوانين متعلقة بالمواقع التي تحرض على العنف والكراهية وتكون تابعة لمجموعات النازيين الجدد. بينما تقوم جميع الدول الأوروبية بحظر المواقع التي تقوم على ترويج صور غير مناسبة لأطفال قاصرين. الحكومة الماليزية تقوم على حجب مواقع مشاركة الملفات بذريعة إنتهاكها لقوانين حقوق النشر والتأليف. حتى أن دولة كالولايات المتحدة تعد رمزا للحريات وحقوق الإنسان تقوم بمراقبة مستخدمي الإنترنت بدون إستخدام الأذونات القانونية اللازمة. هيئة الإتصالات الفيدرالية الأمريكية خلال تصويت بتاريخ ديسمبر\2017 على إلغاء أي قانون أو تشريعات تضمن حرية ومجانية النفاذ للشبكة العنكبوتية( net neutrality). إن هناك مصطلح بدأ بالظهور مؤخرا وهو بلقنة(Balkanization) شبكة الإنترنت ويعني ظهور شبكات إنترنت فرعية أو إقليمية وهي فكرة بدأتها مجموعة دول البريكس التي بدات ببناء شبكة تبادل للمعلومات والبيانات بين دول المجموعة تكون مستقلة عن شبكة الإنترنت العالمية في محاولة لتكوين تكتل إقليمي مستقل عن الهيمنة الأمريكية. أو قد تقوم مجموعة دول سنية ببناء شبكة إنترنت مستقلة وفق نموذج دول البريكس لا تسمح بعرض أو النفاذ لأي محتوى ديني أو سياسي معارض. إن الصراع بين مستخدمي الشبكة العنكبوتية والحكومات هو صراع أزلي مستمر إلا ما لا نهاية. فالحكومات من جهة تحاول مراقبة مستخدمي الشبكة العنكبوتية بذريعة حماية الأخلاق العامة والأمن القومي بينما يقاوم المستخدمون ذالك بذريعة حماية حرية الرأي والتعبير مستخدمين الوسائل المناسبة خصوصا أنظمة إختراق البروكسي وجدران الحماية.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة
https://science-culture-knowledge.blogspot.com/2018/04/blog-post_30.html
الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة
النهاية
التعليقات (0)