يعتبر بنك الإحتياطي الفيدرالي أقوى بنك مركزي على الإطلاق منذ تأسيسه سنة 1913 ويشكل قوة مالية متحكمة بالإقتصاد في الولايات المتحدة. مهمته الأساسية كانت الحفاظ على القوة الشرائية للدولار الأمريكي. ولكن على أرض الواقع فقد فشل في مهمته لأن القوة الشرائية للدولار قد إنخفضت 95% منذ تأسيس البنك. لدى البنك مجموعة مهمات أخرى غير مهمته الأساسية كالحفاظ على ثبات الأسعار وتقليص نسبة البطالة. كما أنه من المتوقع أن تكون أحد مهماته كلملجأ أخير للإقتراض بالنسبة للبنوك التي تعد أنها أكبر من أن يسمح بفشلها. ويقوم بتمثيل الولايات المتحدة كبنك مركزي في الإجتماعات المالية الدولية كقمة الدول الصناعية السبعة ومجموعة الدول العشرين ويقوم بإجراء المعاملات المالية بإستخدام الإحتياطي الذهبي الذي يملكه. الذين يدافعون عن البنك وسياسته المالية يزعمون أن الأجور إرتفعت أكثر من عشرين ضعفا مقارنة بإنخفاض القوة الشرائية للدولار وفق مفهوم (Money Neutrality). المشكلة في ذالك أنه يساوي بين المتقاعدين ومن تتأكل مداخراتهم ودخولهم الثابته بفعل التضخم ومن يعمل ضمن الحد الأدنى للأجور ويرتفع فيها أجره بمقدار ربع أو نصف دولار للساعة وبين من يعمل في القطاع المصرفي أو وول ستريت. لنأخذ فكرة مبسطة المدى الذي فشل فيه بنلك الإحتياطي الفيدرالي في مهمته الأساسية فما علينا إلا النظر لتاريخ العملة الفضية للجمهورية الرومانية (الدينار الفضي) والذي حافظ على 100% من قوته الشرائية لمدة مائتي سنة تقريبا والعملة الذهبية للإمبراطورية الرومانية البيزنطية(السوليدوس) والتي حافظت على 100% من قوتها الشرائية لمدة 500 سنة. حتى أن البنك فشل في مهمته خلال الكساد العظيم الذي أعقب إنهيار أسواق المال في الولايات المتحدة سنة 1933 أو مايعرف بإسم الإثنين الأسود حين أعلن إفلاس أكثر من 10000 بنك ولم يتم التدخل لإنقاذ ولو نسبة بسيطة منها. تخيلوا أنه في تلك الفترة وحيث أن السيولة كانت شحيحة فإن الأمريكيين إضطروا للجوء لمبدأ المقايضة كما إنتشر محليا عملة تدعي النيكل الخشبي(Wooden Nickel) تقوم مكان النقود. كما فشل البنك في إدارة أزمة 2007-2008 بالطريقة المناسبة حيث تعامل معها على انها أزمة سيولة بينما كانت في الحقيقة عبارة عن أزمة إئتمانية وأزمة فقدان ثقة بالبنوك مما سوف يؤدي بالمواطنين إلى سرعة سحب ودائعهم وإلى الذعر نتيجة موجة بيع محمومة للأصول والإستثمارات. أزمة السيولة يتم حلها بالإقراض قصير الأجل حيث يمكن أن تعمل تلك القروض كجسور مالية حتى تستعيد البنوك عافيتها بينما يتم حل أزمة الإئتمان والثقة يكون حلها بطريقة مختلفة تماما. الحل يكون بإغلاق البنوك المتعثرة أو حتى تأميمها بموجب قانون الطوارئ, نقل الأصول المسمومة لملكية الحكومة وإعادة خصخصة تلك البنوك عبر طرح أسهمها للإكتتاب العام من قبل مساهمين أخرين. عند تلك المرحلة فإن البنك يمكنه من التقدم بطلب قرض جديد. فائدة وضع الأصول المسمومة تحت سيطرة الحكومة هي أنه يمكن تمويلها بفائدة منخفضة وبدون رأس مال وكذالك بدون حسابات الربح والخسارة. المساهمون السابقون وهيئة ضمان الودائع(FDIC) سوف تتحمل الخسائر في الأصول المسمومة بينما يتحمل دافع الضرائب أي خسائر أخرى وهي سوف تكون في حدها الأدنى. بنك الإحتياطي الفيدرالي أخطأ في حساب الموقف لأنه بتوفيره المزيد من السيولة من خلال مايعرف (صندوق تارب-TARP- Troubled Asset Relief Program) لبنوك لاتعاني تلك المشكلة فقد ساهم في إبقاء الأصول المسمومة ضمن النظام المالي بدلا من إخراجها منه بأقل الخسائر وذالك حتى يتمكن المالكين لسندات وأسهم البنك والإدارة من الإستمرار في جني الأرباح والحوافز على حساب دافع الضرائب الأمريكي. في سنة 1978 أثناء فترة رئاسة جيمي كارتر فقد صدر قانون(Humphrey-Hawkins Full Employment Act) أضاف لمهمات بنك الإحتياطي الفيدرالي مهمة إبقاء معدل البطالة على مستوى 3% سنة 1983 وتحقيق النمو الإقتصادي, إستقرار أسعار السلع والخدمات وميزانية متوازنة بالتعاون مع الفرع التنفيذي للحكومة. في الحقيقة فإن نسبة البطالة قد بلغت سنة 1983 نسبة 10.4%, 7.8% سنة 1992, 6.3% سنة 2003 ونسبة 10.1% سنة 2009. تقرير اللجنة التي أنشأها سنة 2009 الكونجرس للتحقيق في أسباب الأزمة الإقتصادية والمالية التي تمر بها الولايات المتحدة وتألف من أكثر من 500 صفحة ألقى باللوم على بنك الإحتياطي الفيدرالي لأنه فشل في منع تدفق القروض المسمومة حين كان ينبغي عليه فعل ذالك بإقرار القوانين المناسبة. كما رفض التقرير إدعائات المسؤولين بالبنك من وجود عجز قانوني لديهم عن إصدار القوانين لتفادي الأزمة والتي أقر التقرير أنه كان يمكن تجنبها. بحلول سنة 2011, كان بحوزة بنك الإحتياطي الفيدرالي ماقيمته 3 تريليون دولار من الأصول و60 مليار دولار صافي السيولة النقدية. لو إنخفضت قيمة تلك الأصول بمقدار 2% وهي نسبة بسيطة في سوق متقلب فسوف يكون ذالك كافيا لإلتهام كامل السيولة النقدية التي بحوزة البنك مما يعني ببساطة إفلاسه. لوكن هل حصل ذالك على أرض الواقع؟ الجواب هو نعم ومنذ وقت طويل ولكن علينا أن نفهم طريقة عمل البنك فهو مؤسسة خاصة حتى أن وزير الخزانة الأمريكي لايستطيع دخول أحد فروعه بدون موعد مسبق ولذالك فإن دفاتر البنك لاتتعرض للتدقيق كما البنوك الحكومية. بالإضافة إلى ذالك فإن بنك الإحتياطي ليس ملزما بتقييم أصوله وفق أسعار السوق بل هناك أليته الخاصة للتسعير. المشكلة سوف تنفجر عندما يتوقف البنك عن العمل ببرنامج التيسير الكمي ويكون الحل لتوفير السيولة هو بيع السندات والأصول التي يمتلكها, عندئذ سوف تتضح قيمتها الحقيقية. ولتجاوز تلك الإشكالية وإخفاء القيمة الحقيقية لتلك الأصول فقد إقترح مسؤولون من بنك الإحتياطي الفيدرالي سنة 2008 إصدار سندات مماثلة لوزارة الخزانة الأمريكية وفي سنة 2009 تم التقدم بطلب للكونجرس الأمريكي بذالك الخصوص. قيام بنك الإحتياطي الفيدرالي بإصدار سنداتته الخاصة وعرضها للبيع سوف يكون بديلا عن بيع سندات وزارة الخزانة التي بحوزته لإمتصاص السيولة النقدية من الأسواق وكبح جماح التضخم. الكونجرس الأمريكي رفض طلب البنك فكان الحل هو صفقة في اللحظة الأخيرة بين وزارة الخزانة والبنك ولا تحتاج لموافقة الكونجرس. تتلخص الصفقة في أن البنك كان عليه بشكل تقليدي إعادة أرباح الفوائد الضخمة على السندات التي يمتلكها إلى وزارة الخزانة. الوزارة من ناحيتها وافقت على تعليق عمليات إعادة دفع الأرباح الناتجة من الفوائد على السندات حيث يحتفظ البنك بالأرباح والأموال التي يتوجب على البنك دفعها لوزارة الخزينة يتم تصنيفها على أنها سندات دين(Liability Account -IOU ). ومع زيادة الخسائر بسبب إنخفاض قيمة السندات التي بحوزة البنك فإن البنك يصدر المزيد من سندات الدين لوزارة الخزانة ويستخدم المال لتغطية خسائره على حساب دافعي الضرائب لأن البنك مؤسسة خاصة بينما وزارة الخزانة مؤسسة عمومية وذالك مثال سيئ أخر على حرمان دافع الضرائب من الأموال لمصلحة البنوك الخاصة. النظام المالي في الولايات المتحدة يسير بشكل غريب حيث تصدر وزارة الخزانة سندات لتغطي على عجز الموازنة. بنك الإحتياطي الفيدرالي يقوم بشراء تلك السندات بالنقود المطبوعة ليتحمل خسائر بسبب ذالك لتقوم وزارة الخزانة بقبول سندات دين من البنك مقابل إحتفاظه بأموال الفوائد حتى لايتعرض لمشكلة سيولة. ولعل النجاح البارز الوحيد الذي حققه البنك هو زيادة قيمة الذهب الذي يتم الإحتفاظ به من قبل وزارة الخزانة من 11 مليار سنة 1971 إلى 400 مليار في وقتنا الحالي. ولكن تلك الزيادة تعد من الأثار الجانبية لجهود بنك الإحتياطي الفيدرالي لخفض سعر صرف الدولار الأمريكي وإضعافه. في المحصلة فقد فشل بنك الإحتياطي الفيدرالي في القيام بمهامه الأساسية وهي الحفاظ على قوة الدولار الأمريكي, خفض نسبة البطالة,الحفاظ على ثبات الأسعار وتجنب الأزمات المالية أو على الأقل التخفيف من أثارها. والأسئلة المطروحة في نهاية الموضوع, عن نوع المشاكل الإقتصادية التي كان يعاني منها الإقتصاد العالمي قبل خروج بنك الإحتياطي الفيدرالي إلى حيز الوجود؟ وهل ساهم البنك في حل أي من تلك المشاكل إن وجدت أم قام بخلق مشكلات جديدة بسبب سياساته المالية الغير مسؤولة ومغامرته بأموال دافعي الضرائب بالتعاون مع وزارة الخزانة الأمريكية؟ رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة http://science-culture-knowledge.blogspot.com/2015/08/blog-post_28.html الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة النهاية
التعليقات (0)