ماهية الاستشراق
( النشأة- المناهج والأهداف- الأصناف والوسائل)
الأستاذ عبد الحليم ريوقي
جامعة الجزائر -02- بوزريعة
مقدمة:
أخذ الاستشراق اهتماما بالغا في عصرنا هذا والذي قبله، وتنوعت أساليبه وأهدافه، ووسعت دائرته الأولى بعد أن كانت مقصورة على الحضارة الإسلامية لتشمل كل الحضارات والديانات الشرقية ومجتمعاتها، وتوظيف ما نتج منها وفيها لعدة غايات كالتشكيك في الديانات والتبشير، وتوظيف بعض الجوانب في التجارة والصناعة، والأهم من هذا وذاك الاستفادة مما نتج عند الشرقيين من أفكار وعلوم وآراء فطوروها وكيفوها وفق حاجياتهم، وما يرجون خدمة لأهدافهم، ومن العرب والمسلمين وغيرهم من المستهدفين بالاستشراق اهتموا أيضا به، فنظروا إلى ما قاله المستشرقون، فهذا يرد عن شكوكهم، والآخر يوثق ويجمع أراءهم وشروحهم، وثالث يقارن ويستنتج...، وللاستشراق عدة مستويات انطلق منها وله أهداف ووسائل، وقبل أن نبسط الآراء يجب أن نتناول مفهوم الاستشراق ودلالته لغة واصطلاحا.
الاستشراق ودلالته لغويا واصطلاحيا:
لكل لفظ له دلالته من ذاته أو من السياق الموجود فيه فلفظ استشراق / استشرق هي على وزن استفعال/ استفعل مؤلفة من مقطعين الأول وهو " است" والثانية "شرق"، ولفظ " است" لها دلالاتها في اللغة العربية، وهي دائما تدل على إبراز أو إظهار ما كان مخفيا أو ما حقه الظهور سواء علم أو لم يعلم، أو طلب أمر معين ويفسر دلالاتها ما تلحق به من لفظ، فيقال استخراج، أي إخراج أمر من باطن الأرض أو من غيره، مع العلم أنه موجود في ذلك المكان أو لم يعلم، ويقال استمراض - استغفال، أي إظهار أمر غير موجود كالمرض والغفلة، وكذلك استغفار أي أظهر العبد توبة، وإظهار طلب الغفران من ذنوبه، ويقال استعمار – كما يزعمون وهو في الأصح استدمار- أي إظهار التعمير و طلب إبرازه، نرجع لكلمة استشرق فإذا كان اللفظ " است" تعني إظهار أو إبراز ما كان مخفيا سواء علم أو لم يعلم، فحين لحقت به كلمة " شرق" فأصبحت تعني إظهار وإبراز ما كان موجودا في بلاد الشرق من علوم وأفكار، وما جادت به حضارات الشرق بصفة عامة، أو طلب ما فيه من أفكار وعلوم ومعارف.
أما إذا نظرنا لكلمة استشراق باللغة الأجنبية وهي Orientalism، فنجد في اللغة اللاتينية أن كلمة Orient" تعني يتعلم بحث عن أمر ما، وفي الألمانية Sich Orientiern تعني جمع معلومات أو معارف من مصدر ما، أما باللغة الفرنسية Orienter تعني التوجيه والإرشاد وبالإنجليزيةOrientation " أو orientate لا تخرج عن مفهومها باللغة الفرنسية في أنها تعني التوجيه ولاهتمام بجوانب معينة[1]، وفي مجمل ما نجد من معاني الكلمة في هذه اللغات أنها تعني جمع المعلومات ببحث أو توجيه وإرشاد، وهو ما يعكس المفهوم للاستشراق عند الغربيين بأنه جمع معلومات عن حضارات الشرق وما صاحبها من علوم ومعارف وأديان بالبحث والاهتمام.
الاستشراق من جهة شروق لشمس والسين تفيد الطلب، فيقال خدم واستخدام أي طلب الخدمة ويقال عمل واستعمل أي طلب العمل أما استشرق أي طلب علوم الشرق[2] أي حضارات الشرق: الإسلامية، الهندية، اليونانية،...، وأشرنا سابقا أن " است" الموجودة في الاستشراق أنها تعني إبراز أو إظهار أو طلب أمر ما علم أو لم يعلم بمكانه، أو بهيئته.
الاستشراق هو دراسة علوم الشرق وأحواله ومعتقداته، وديانته وتركيبته البشرية والعمرانية وحتى الطبيعية ودراسة لغاته ولهجاته وطبائع الأمم ومجتمعاتها وعاداتها، وعلومها وأفكارها[3]، وتوظيف هذه الدراسات عند الحاجة، كزرع النعرات والحروب في البلدان بمعرفة تركيباتها الاجتماعية واختلافاتها، أو توظيفها في المجال التجاري والاقتصادي بتصدير ما يتناسب مع المجتمعات، أو الاستيراد منها، أو النيل من المعتقدات الدينية بالتشكيك فيها، أو معرفة نقاط القوة والضعف في هذه المجتمعات أو يستفاد مما حفلت من علوم وأفكار.
إدوارد سعيد قسم الاستشراق ومن عمل في حقله إلى ثلاث مستويات:
• المستوي الأول: التعريف الأكاديمي للاستشراق وهو الذي يدرس في الجامعات والمستشرق هو كل من يقوم بتدريس لغات الشرق وعلومه أو الكتابة عنه أو بحثه،وهذا التعريف هو التعريف الشائع بين أوساط المثقفين
• المستوي الثاني: أسلوب من الفكر قائم علي تمييز وجودي ومعرفي بين الشرق والغرب وهذا النوع قائم لإطلاق بعض الأحكام والنظريات عن الشرق ويدخل في إطاره الأعمال الفنية التي بها صور الشرق.
• المستوي الثالث: الاستشراق أسلوب غربي يهدف إلى السيطرة علي الشرق وبسط السيادة عليه،هذا النوع من الاستشراق ناتج عن قوي سياسية إمبريالية[4]،
وعند هذا الأقوال والآراء وجب علينا أن نصحح بعض الأغاليط حول مفهوم الاستشراق، أولا يذهب بعض الدارسين منا ومنهم أن الاستشراق يعنى باللغة العربية، وهذا خطأ لأن اللغة وسيلة وليست غاية، فلفهم ودراسة حضارات وفكر الشرق وعلومه ومجتمعاته وجب تعلم لغاتهم، فهي ليست مقصودة في ذاتها بل وسيلة تسهل البحث والتنقيب، فاللغة " من أهم مداخل الاستشراق الذي هو العلم بالشرق أو علم العالَم الشرقي. فالصلة بين الاستشراق واللغة قوية جداً، وقد بالغ بعض الدارسين في ذلك فذهب إلى أن الاستشراق علم يختص بفقه اللغة خاصة"[5] ومن التوهم أيضا أن المستشرقين يجعلون اللغة العربية وسيلة، فهذا وهم لأن المستشرقين يعنون بكل ما هو موجود في الشرق من حضارات الحضارة الإسلامية، الهندية، اليونانية، اليابانية، الصينية...، فاللغة العربية وحدها لا تكفي لدراسة هذه المجتمعات والحضارات فلكل واحد منها لغته، يمكن أن نستثني أمرا واحدا وهو أن جهودا انصبت على علوم اللغة العربية وغيرها لاستنباط الأحكام منها ونظريات ومحاولة تبنيها أو تطويرها مثلما فعل نعوم تشومسكي عندما أخذ نظرية العامل ( مصدره باللغة الإنجليزية هو Government) من اللغة العربية ووظفها في اللسانيات الحديثة، بل حتى أن تشومسكي أقر بذلك فيما بعد بأنه أخذ النظرية من النحو العربي، وهو ما يؤكده الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح.[6] كذلك نجد أن الفكر اللغوي أو ما يعرف باللسانيات الحديثة عند الأوربيين بنيت على أفكار الهنود في لغتهم السنسكريتية، ويقر بهذا البنويون إقرارا نزيها، وذلك كمثل التمييز الحاسم بين الصوت الدال وتأدياته المختلفة[7]، وأكبر دليل هنا هو أن المؤسس الفعلي للسانيات البنوية الحديثة فردينالد دي سوسيرF. De Saussure ( 1857-1913) ففي بدايات بحثه حول اللغة أصدر كتابين الأول سنه 1879 بعنوان " مذكرة في النظام البدائي للصوائت في اللغات الهندية الأوربية Mémoire sur le système primitif des voyelles dans les langues indo-européennes"، والثاني سنة 1881 بعنوان " استعمال المضاف المطلق في اللغة السنسكريتية De lémplois du génitif absolu en sinskrit"،[8] والتأثر واضح باللغة السنسكريتية الهندية، ووظف اللغة الهندية لاستجلاء الأحكام ومن ثم تعميمها، لتنطلق اللسانيات الحديثة على يديه، ومنها خرجت الكثير من المدارس اللسانية.
ودخلت الكثير من المفاهيم اللغوية العربية إلى أوربا عن طريق الفلسفة العربية التي نقلت إليهم الكثير من كتب العلوم من القرن العاشر والحادي عشر الميلادي، وقد تجند لترجمة الكتب العربية عدد كبير من المترجمين في الأندلس وصقلية وأروبا. ( مثل حلقة أوكسفورد)، [9] ومن أشهر المترجمين آنذاك Adelard of bath.- Hermann. -j.de. sévilla-gundisalvi- r. of chester-g.cremonensi-m.scot. [10] ومن العلماء الأروبيين الذين تأثروا بالفكر العربي خاصة اللغوي نذكر اللغوي الإسباني Sanctius واسمه الكامل F.sanchez el –brocence (وهو غير الفيلسوف) وتأثر بالنحو العربي خاصة التقسيم الثلاثي للكلم، وتبنى هذا التقسيم من النحاة الفرنسيين Buffier و Dangeau. [11]، وعند هذا فهو اهتمام بما جاء في علوم اللغة العربية كغيرهما من العلوم والنهل منها، بتطوير نظرياتها ومحاولة تبنيها على أن ما اكتشفوه هو من نتاجهم الخالص، وهذا جانب من جوانب الاهتمام بما جادت به كل العلوم بما فيها اللغة العربية، ففي الأخير هي وسيلة وليست غاية إلا فيما ذكرنا آنفا.
حقيقة الاستشراق بدأ بالاهتمام بما زخرت به الحضارة الإسلامية من علوم وفكر ومجتمعات، فكان لزاما أن تكون اللغة العربية هي الوسيلة لتحقيق تلك الغاية، لكن الاستشراق فيما بعد وسعت دائرة الاهتمام فيه لتشمل كل الحضارات والديانات والمجتمعات الموجودة والتي كانت في الشرق، فالاستشراق انتقل عبر أربع دوائر أساسية:
أولا: محاولة الفهم بما كان عند المسلمين من علوم وأفكار، هذه المرحلة كانت منذ الاحتكاك الأول بين المسلمين والغرب في عدة مواقع أهمها احتكاكهم في الأندلس، فقد طال أمده وكان مجتمعا يحتك مع مجتمع وليس فردا مع مجتمع، هذا الفهم تجسد بالتقليد في الأكل واللباس والعادات كما نفعل نحن اليوم للأسف، لكن هم فيما سبق مع تقليدهم كانوا يحاولون الفهم بالتعلم وأخذ العلوم والمعارف، وكان عليهم لزاما تعلم اللغة العربية لأنها الوسيلة الوحيدة لتجسيد هذا الفهم.
ثانيا: التركيز على علوم الدين الفقه والتفسير وترجمات للقرآن الكريم، لأن فتح الأندلس كان منطلقه ديني وليس لسبب آخر، فكان التركيز على هذا الدين الذي دخل بينهم.
ثالثا: وسعت دائرة الاهتمام من معرفة وفهم الدين إلى استجلاء وأخذ من العلوم: الطب، الفلسفة، التاريخ، الرياضيات، الفلك، الكيمياء...، فقد كانوا في عصر الظلمات.
ولنعتبر من قصة إرسال هارون الرشيد الخليفة العباسي ساعة مائية دقاقة مع سفيره إسحاق إلى لملك فرنسا شارل آنذاك، فعندما رأوها تتحرك، فتراجعوا للخلف، وقالوا إن جنيا يسكنها وهو من يحركها، أو أنها مسحورة وحاولوا كسرها لينظروا ما في داخلها لولا أن الملك منعهم من ذلك، ويذكر التاريخ أيضا أنه كانت هناك بعثات علمية من أوربا ترد إلى البلاد الإسلامية من أجل نيل العلوم آنذاك،[12] فسبحان الله أين نحن من سلفنا، وأين هم من أسلافهم.
رابعا: وسعت دائرة اهتمام المستشرقين أكبر مما كانت عليه لتشمل كل العلوم والمعارف عند حضارات وديانات الشرق ومجتمعاته، الحضارة الإسلامية، الهندية، اليونانية، اليابانية، الصينية...
نشأة الاستشراق
تعددت الأقوال حول أول نشأة للاستشراق، فمنهم من يقول بأنها تعود للحروب الصليبية ( ما بين 491هـ/644 هـ-1098م/1251م)، ومنهم من يقول بأن فكرة الاستشراق إلى غزوة مؤتة بين المسلمين والروم 8هـ/ 629م، وأقوال أخرى، ففي الحروب تحدث احتكاكات ومحاولات فهم الآخر من حيث التفكير ومعرفة الأحوال عند الخصم، فالحروب جانب مهم في احتكاك الحضارات ببعضها، لكنه لا يكتنف مفهوم الاستشراق، قد يكون بادرة ولكنها غير مؤسسة علميا من حيث الدراسات والاهتمام العلمي وتأسيس المعاهد المتخصصة، وتأليف الكتب وتحقيقها وإعداد البحوث، وعقد المؤتمرات كما هو الحال في مفهوم الاستشراق بالمعنى الحديث.
الاستشراق بدأ بشكل مؤسس بعد سنوات من دخول المسلمين إلى الأندلس إن لم يكن في أواخر قرون تواجد المسلمين بالأندلس فتواجد المسلمين بأرض الأندلس كان نحو سبعة قرون ( 92هـ-897هـ/711م-1492م) هذه الحقبة جعلت الاحتكاك بين مجتمعين وليس جيشين كما كان في الحروب الصليبية ومدة طويلة جدا ليت كمدة المعارك والحروب، وكانت هذه المدة في أمن وسلام وهو ما يحتاجه كل طرف لفهم الآخر وليس كما يكون الحال في الحروب، وبما أن المغلوب مولع بتقليد الغالب، كما يقول ابن خلدون: " المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه و نحلته و سائر أحواله و عوائده"[13]، فإن سكان الأندلس الأصليين سعوا لتقليد المسلمين واهتموا بما عندهم من دين، عقيدة، عادات وتقاليد، علوم، معارف وألبسة وأطعمة، فسعوا لنهل منها، فكانت بداية الاستشراق وأول ما عمدوا إليه هو تعلم اللغة العربية حتى تكون وسيلتهم لتحقيق أهدافهم السابقة.
وإن علمنا أن سكان الأندلس الأصليين سعوا لتثقيف أنفسهم فاحتكوا بالمسلمين ومدارسهم والراهب جربرت سلفتر الثاني الفرنسي هو أول من قصد تلك المدارس وعكف على دراسة الفقه الإسلامي وكان المستشرق ميخائيل سكوت رئيس مكتبة فريديك الثاني قد انتسب إلى مدرسة طيلطلة في القرن الحادي عشر ومن مدرسة اشبيلية تخرج الكثير ممن كانوا يدرسون الآثار الشرقية باللغة العربية من كل العلوم وكانت طليطلة انذاك مركز ترجمة للآثار الشرقية ونقلها للاتينية ابتداء من القرن الحادي عشر حين سقطت المدينة في يد الإسبان سنة 1085م وظهرت اول ترجمة للقران على يد روبرت إنجلز حينما رعى الاسقف ريموند الأول في تأسيس أول مدرسة للترجمة في طليطلة عام 530هـ/1135م واستمرت في عملها إلى سنة 1482[14] وهناك قول آخر بأن أول ترجمة للقرآن الكريم إلى اللاتينية كان 1143 م، بتوجيه من بيتروس فينيرابيليس رئيس دير كلوني في إسبانيا[15]، ولكن لا نعلم الترجمة الأولى التي ذكرناها إلى أي لغة كانت.
ومن ذكر فإن دراسة الأوربيون في معاهد العلم عند المسلمين لم تكن أيام تواجد المسلمين في الأندلس، بل أبعد من ذلك، فهي تعود أيام العصر الذهبي للحضارة الإسلامية في السنوات أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد (ت 193هـ/809م) " فيذكر التاريخ أيضا أن في عصر الخلافة العباسية أيام هارون الرشيد بعثات علمية من أوربا ترد إلى البلاد الإسلامية من أجل نيل العلوم آنذاك"،[16]، ولا ندخل هذه البعثات ضمن الاستشراق لسبب بسيط وهو، أن هذه البعثات كانت قليلة العدد وكانت غايتها نيل العلم، في مجال الطب خاصة وغيره، فقد كانوا في ذلك العصر في عصر سموه هم عصر الظلمات، وهذه البعثات كانت أهدافها محددة في نيل بعض العلوم، والعودة إلى بلدانهم لخدمة مجتمعاتهم ومن ثم فهي بعيدة عن مفهوم الاستشراق.
وقد نشأ الاستشراق رسمياً بصدور قرار مجمع فينا الكنسي عام 1312 م بتأسيس عدد من كراسي الأستاذية في العربية واليونانية والعبرية والسريانية في جامعات باريس وأكسفورد وبولونيا وأفينيون وسلامانكا [17]،
ومما يدلُّ على أنَّ هذه اللغات كانت تُعلَّم في كليَّة باريس براءةٌ للبابا يوحنَّا الثاني والعشرين تاريخها 1325م يحتم فيها على قاصدهِ هناك بأن يراقب تدريس العربيَّة ولمَّا أكتُشف فنّ الطباعة في أواسط القرن الخامس عشر كان كبير الأحبار يوليوس الثاني أوَّل من سبق إلى طبع كتاب عربيّ [...]، ووليَهُ أغوسطينوس جوستنياني أسقف نابيو من أعمال كورسكا الذي طبع كتاب الزبور في أربعة لغات منها العربيَّة سنة 1516م، وفي النصف الثاني من القرن السادس عشر فتحت الرهبانية اليسوعية مدرسة للعبرانية وللعربية في رومية علَّم فيها الأب حنَّا إليانو الشهير وأنشأ مطبعةً طبع فيها بعض الكتب الدينية كان نقلها إلى العربية منها التعليم المسيحي[...][18].
هذا في جانب إنشاء كراسي لتدريس اللغات الشرقية، لكن من جانب إنشاء معاهد متخصصة تهتم بالحضارات الشرقية فيفتخر الفرنسيون في مجال الدراسات الشرقية بأنهم أول من أقر كرسيا للغة العربية والتركية والفارسية في الكوليج دو فرانس، وأول من أسس مدرسة وطنية لدراسة اللغات والحضارات الشرقية سنة 1795، وأول من دعا إلى إنشاء هذا المعهد هو لوي إنغكس حينما راسل الجمعية الفرنسية- البرلمان الفرنسي- سنة 1790م من أجل إقناعها بإنشاء معهد للغات والحضارات الشرقية مركزا على أهميته للمصالح الفرنسية الحيوية[19].
والجزائر أول بلد عربي استضاف مؤتمرا للمستشرقين في الجزائر العاصمة سنة 1905م أيام الغزو الفرنسي، وبرعاية منه، وحضره أمير الشعراء أحمد شوقي.[20]
مناهج المستشرقين وأهدافهم:
من الصعب أن نجمع المستشرقين كلهم في بوتقة واحدة ونزعم أن منهجهم كان واحداً في كل الأزمان والأوقات وفي كل الموضوعات التي تناولوها، ولكن تسهيلاً لهذا الأمر فيمكن إجمال هذه المناهج التي يشترك فيها عدد كبير من المستشرقين قديماً وحديثاً في تناول العلوم الإسلامية عموماً.
أولا: الاستنباط المعرفي والعلمي بما يخدمهم في جميع الميادين لغة وفلسفة وفكرا وقانونا، وعلم النفس والطب، ومن كل الحضارات الشرقية، تطبيقا لسنتنا الشريفة" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا"[21]، فهذا المبدأ نحن أحق به من غيرنا، لأنه من سنتنا فكان علينا أن نبحث عم ينفعنا عند غيرنا، وليس ما يضرنا أو يتعارض مع ديننا وقيمنا ونأخذ به، ولكن للأسف نحن نبحث عن سفاسف الأمور فقط ونتبناها مع أنها تتعارض مع قيمنا وديننا، ومن الحقائق التي تبدو غريبة للبعض ولكنها حقيقة، وهي أن الجامعات الأمريكية وغيرها ومستشفياتها، رغم التطور العلمي والتكنولوجي، فإن صادفهم مشكل في الطب ولم يجدوا له حلا يعودون لكتب الطب الإسلامية القديمة ككتب ابن سينا والرازي والزهراوي وينظروا كيف عالجوا هذه المشاكل ويعودون بحلول ناجعة ومبهرة والأمثلة هنا كثيرة، كعلاج الجروح التي لا تلتئم، وعلاج عدم تخثر الدم بعد العمليات الجراحية، وتجمع الدم الفاسد تحت الجلد...، ليس في كل الحالات طبعا بل بعض الحالات التي لا ينفع معها العلاج الحديث، ولنعلم أكثر أن الكثير من الأدوية المستعملة والمستوردة من عندهم ما هي إلا وصفات من أطبائنا قديما لمرضاهم فمثلا دواء malox وهو دواء ينصح به لعلاج المعدة ما هو إلا استنساخ لما كان يصفه ابن سينا والرازي لمرضاهم، والأمثلة هنا كثيرة جدا.
ثانيا: دراسات علمية لمعرفة الشعوب الأخرى ومعرفة مواطن قوتها، وضعفها، لهجاتها، اتفاقاتها، اختلافاتها، معتقداتها، تركيباتها الاجتماعية والدينية والعرقية والجهوية وتستغل هذه المعلومات وقت الحاجة، خاصة لبث الفرقة والحروب الأهلية، من باب فرق تسد، أو تستعمل وقت حروبهم معنا أو غيرها لصرفنا عن ديننا، وهذه الأمور لا تتأتى إلا بدراسات وافية ومعمقة.
ثالثا: التشكيك في الديانات الأخرى والثقافات المتعددة للنيل منها، وهنا يستخدمون منهجين: منهج حيادي هكذا يقال فيحققون الكتب فيدسون فيها ما يدسون ويحذفون منها ما يحذفون تحريفا وبهتانا، باعتماد المنهج العلمي والموضوعية بالإيهام وليس حقيقة وأدلة دامغة وحجج يقوون بها أقولهم ولا يكتشفها ولا يقف عليها إلا خبير وقارئ حصيف، منهج مباشر بالطعن في الديانات والثقافات وتبيان الخلل والتعارض والتناقض فيها على حسب زعمهم لصرف الناس عن دينهم، خاصة نحن المسلمين فهم يعلمون أن مصدر قوتنا هو ديننا، ولا عز لنا إلا بالإسلام، فيزرعون التبشير المسيحي بكل الطرق والمناهج، ويشككون في عقيدتنا وديننا ورسولنا، بنشر الكتب والمجلات، وقالوا أن الدين الإسلامي منسوخ من ديانات سابقة وأن الرسول نظر في التوراة والإنجيل وأخذ منهما، وأن الدين الإسلامي دين استعباد وجهل وقتل، والقرآن متناقض...، فسبحان الله عم يفترون، ومن حيلهم الجديدة أنهم رأوا أن تأليف الكتب في هذا الجانب لم يأتي أكله في التشكيك، فعمدوا إلى حيل أخرى وهي كثيرة، تجعل المسلم هو الذي يشك نذكر أروع ما ابتكروا في هذا الجانب: قالوا بأنهم توصلوا لعلاج كل مشاكل العقم وأكثر من ذلك تحديد جنس الجنين، وللوالدين أن يختاروا ذكرا شاؤوا أو بنتا، حتى يزعزعوا الإيمان في قلوب الناس لأننا نؤمن أن الله هو من يحدد الذكر والأنثى ويجعل من يشاء عقيما قال الله تعالى: " لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير" [22]، وهذه الأقوال العلمية لا أساس لها من الصحة بل هدفها الزعزعة للإيمان وزرع الشكوك، بل إن من صدق كذبتهم هذه يقع في شك، وهو ما يصبون إليه، ليس هذا فحسب فهم منذ القدم يريدوننا أن ننحرف عن تعاليم ديننا كما قلنا منذ زمن بعيد بنشر الخرافات والأساطير والبدع، وتحليل المحرمات وخلق انحرافات وترهات فيه، وخلق النعرات القبلية وبالعودة لنشر الرذائل والمفاسد، قال هنري دي كاستري ( 1850-1927)، وهو مقدم في الجيش الفرنسي أيام الغزو الفرنسي للجزائر: " إن أحدّ سلاح يستأصل به الشرقيون، وأمضى سيف يقتل به المسلمون هو الخمر، ولقد جربنا هذا السلاح على أهل الجزائر، فأبت شريعتهم الإسلامية أن يتجرعوه، فتضاعف نسلهم، ولو أنهم [...] شربوها لأصبحوا أذلاء لنا" [23]، وكفانا بهذا دليلا.
أوجز الدكتور محمود ماضي فأفاد حين جمع أهداف الاستشراف في ثلاث أهداف وهي:
- هدف ديني: غرضه التشكيك في العقيدة وصرف الناس عن دينهم، وزرع التخاذل، وزعزعة الإيمان.
- هدف استعماري: غرضه فهم التفكير والتطلع حتى يدار الغزو الاستعماري بشكل جيد فيتحكم في الأمور، وبث التفرقة وزرع فتيل الحروب الداخلية.
- هدف علمي: وهو العمل على الإفادة من كل علوم وأفكار الحضارات الشرقية للاستفادة منها[24]
ويبرز لنا هدفين مهمين في العصر الحديث، يمكن أن يكملا ما قاله الدكتور محمود ماضي، وهما:
- هدف يخدم العولمة: فالعولمة تهدف إلى جعل الثقافات الأخرى تتبنى الثقافة الغربية، هذا طبعا إلى جانب أمور أخرى من جوانب العولمة، فالاستشراق يهدف لتقويض الثقافات الشرقية وفي نفس الوقت زرع مظاهر ثقافية لهم، من مأكل وملبس وغناء ورقص...، وأظنهم قد نجحوا إلى حد ما للأسف
- هدف تجاري اقتصادي: وهو مهم لجلب الواردات وضمان الصادرات بما يتماشى مع مصالحهم على الجهتين لهم وعلينا، حتى يضمنوا نجاحا في التسويق، فيبحثون عم يريده المسلمون فيصنعونه ويسوقونه لهم، أو ما لا يريدونه فيعملون على نزع هذه الإرادة ومن ثم التصدير والتسويق، ومن بين المظاهر أصبحوا يسوقوا لنا عصائر ومشروبات مختلفة هي في الأصل حلال لكنها في قارورات تشبه قارورات الخمر، حتى نتقبل الفكرة شيئا فشيئا، أو يسوقون خمورا وينزعون منها الكحول، هذا إن نزعوا ويكتبون عليها خال من الكحول، وهذا مثال فقط.
أصناف المستشرقين:
عندما نريد تصنيف المستشرقين، فإننا نجد كما هائلا من البحوث تحشرهم جميعا في خانة المغضوب عليهم، بما معناه أن كلهم يأخذون من حضارات الشرق الأفكار والعلوم، ويكيلون الكيل للإسلام والمسلمين، مشككين، وطاعنين...، ومن الباحثين من يجعلهم قسمين، أو صنفين: الأول كما قلنا سابقا مشكك متعصب...، والثاني منصف ومقر بشكل موضوعي، وإنني تمعنت في المستشرقين فوجدتهم على ثلاث أصناف، وهي:
- الصنف الأول محايد موضوعي، علمي، مقر
- الصنف الثاني آخذ غير مقر
- الصنف الثالث مشكك بشكل غير علمي وغير موضوعي
الصنف الأول محايد موضوعي، علمي، ومقر، يتعامل بشكل محايد أي غير متعصب، يتبع نهجا علميا موضوعيا، وفي الأخير يقر بالأفضلية لحضارات الشرق ونورها الساطع، ويقر بالفضل وسماحة الإسلام وفضل الشرق على الغرب، وما زخر من علوم، ويرد ما اكتشف من معارف وأفكار...، إن وجدها في حضارات الشرق إلى أهلها ويعزو إليها، بل إن منهم من دخل في الإسلام وحسن إسلامه، هنا ليس العبرة ببدايات المستشرق، فقد يبدأ متعصبا وينتهي مقرا ومحايدا وبشكل موضوعي.
ومن هذا الصنف نذكر كارل فلهلم سترستين Karl Vilhelm Zettersteén (1283هـ- 1372 هـ = 1866 م - 1953 م)، وهو مستشرق سويدي، ولد في أورسة Orsa بالسويد، وتخرّج " دكتوراً " في الفلسفة بجامعة أوپسالة سنة 1895 وعين فيها أستاذاً للغات السامية، وتولى تحرير مجلة " العالم الشرقي " وحضر عدة مؤتمرات للمستشرقين وقام برحلات متعددة، وزار مصر والشام وتونس أكثر من مرة، وترجم " القرآن " إلى اللغة السويدية سنة 1917، وصنّف بلغته كتاب " اللغات الشرقية " و " تاريخ حياة محمد " و " سياحة في شرق بلاد الفرس " ومن أهم ما حققه ونشره بالعربية " تهذيب اللغة " للأزهري، والجزآن الخامس والسادس من " طبقات ابن سعد " و " طرفة الأصحاب " للأشرف الرسولي، و " شمس العلوم " لنشوان الحميري، نشر منه جزأين وعهد إلى الأستاذ " س. ديدرينغ " بإتمامه، و حقق " تاريخ سلاطين مصر والشام " مؤلفه غير معروف، و " معارج الأنوار النبوية من صحاح الأخبار المصطفوية "، و" ألفية ابن مُعط الزواوي " في النحو، وكتب فصولا في " دائرة المعارف الإسلامية " وغير ذلك، وكان يمضي مقالاته أحياناً باسم " عبد الرحمن " وأحيانا أخرى بحروف اسمه الثلاثة K. V. Z.، وكان عضوا في المجمع العلمي العربي.
منهم كذلك واشنطن إيرفنغ وهو مستشرق أميركي أولى اهتماما كبيرا لتاريخ المسلمين في الأندلس، قال بعد دراسات طويلة:" كانت التوراة في يوم ما هي مرشد الإنسان وأساس سلوكه، حتى إذا ظهر المسيح عليه السلام اتبع المسيحيون تعاليم الإنجيل، ثم حل القرآن مكانهما، فقد كان القرآن أكثر شمولا وتفصيلا من الكتابين السابقين، كما صحح القرآن ما قد أدخل على هذين الكتابين من تغيير وتبديل، حوى القرآن كل شيء، وحوى جميع القوانين، إذ أنه خاتم الكتب السماوية".[25]
أيضا كاري مولر مستشرق درس القرآن من عدة جوانب فألف كتابا باللغة الإنجليزية وسمه بـ "الظاهرة القرانية" ترجمه أورخان علي إلى العربية، وملخص ما ورد فيه أن القرآن معجزة خالدة وهو كلام الله، ولا يمكن أن يؤلفه البشر، وحفل بحقائق علمية، وتشريع لا مثيل له في كل الديانات والحضارات،[26] أما الباحثة البولونية بوجينا غيانة ستيجفسكا، درست الإسلام في الأزهر، وكانت قد أنهت دراساتها العليا في كلية الحقوق، وفي معهد اللغات الشرقية في بولونيا، وقالت عن القرآن: "إن القرآن الكريم مع أنه أنزل على رجل أمي نشأ في أمة أمية فقد جاء بقوانين لا يمكن أن يتعلمها الإنسان إلا في أرقى الجامعات، كما نجد في القرآن حقائق علمية لم يعرفها العالم إلا بعد قرون طويلة"، الفيلسوف الفرنسي جوستاف لوبون الذي يرى بأن:" القرآن قانون ديني وسياسي واجتماعي، وأحكامه نافذة منذ قرون كثيرة، والمسلمون إخوة يعبدون إلها واحدا، وشريعتهم واحدة "، المستشرق بارتلمي سانت هلر قال:" إن دعوة التوحيد التي حمل لواءها الإسلام، خلصت البشرية من وثنية القرون الأولى"،العالم الفرنسي موريس بوكاي قال:" لقد قمت بدراسة القرآن الكريم وذلك دون أي فكر مسبق وبموضوعية تامة، باحثا عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث، فأدركت أنه لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث".
الصنف الثاني آخذ غير مقر، فهم يأخذون من أفكار وعلوم الحضارات الشرقية ما ينفعهم عاجلا أم آجلا كما أشرنا سابقا، في كل العلوم ولكل الأهداف، بشكل علمي لكنهم بأخذهم لهذه المعلومات لا يشككون ولا يقرون بأنهم أخذوا من الحضارات الشرقية أو لا يردون الفضل إليها، فهم يشبهون كمن يحتاج إلى أمر يفتش عنه، فيجده فيأخذه وكفى، لا يستأذن صاحبه ولا يقول بأنه أخذه من فلان...، وإن كان لا بد من إيراد أمثله هنا فالأسماء كثيرة، ومنها الجامعات ومراكز البحث المتنوعة، كالطب مثلا كما أشرنا آنفا، وخير مثال هنا، ما قلناه على تشومسكي وكيف أخذ نظرية العامل من النحو العربي وصرفها إلى نفسه، ووظفها في اللسانيات، ولم يقر بأنه أخذها من النحو العربي حتى أقر على يد الدكتور مازن الواعر رحمه الله بعد سنوات عدة، وهم هنا كثر فلا يعلم أمرهم لأنهم لا يقرون بذلك ولا يشيرون إلى مصادر معارفهم بأنها من مجلوبة من حضارات الشرق، والأمر هنا لا بد لنا من تمحيص وتدقيق ومقارنة لكشف ما أخذوا من حضارات الشرق وصرفوه لأنفسهم وحضاراتهم.
الصنف الثالث: الصنف الثالث مشكك في العقيدة والدين بشكل غير علمي وغير موضوعي، ومتعصب، لضرب الديانات وزعزعة الإيمان...، وهم لا يشككون في الدين فقط بل حتى في النسب والمجتمعات وأفكارها... فهم طائفة من العلماء ركزوا هدفهم على النيل من الديانات الأخرى خاصة الإسلام، فدرسوا القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وكرسوا حياتهم للنيل من هذا وذاك وما كان لهم ولن يكون لهم، وكيدهم في نحرهم، هدفهم كما قلنا زعزعة الإيمان وصرف الناس عن دينهم، لأنهم يعلمون أن الإسلام وتعاليمه هو قوة المسلمين فلا حياة لهم من غير هذا الدين، قال عمر بن الخطاب:" نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نطلب بغير الله بديلاً"[27]، ما معناه إن تخلينا عن الإسلام أذلنا الله بعد عزة لنا صرفها لنا في الإسلام، فالمستشرقون في الصنف الثالث يعملون على إذلالنا في صرفنا عن ديننا بشكوكهم، وخزعبلات، وطعن، وعبثا يحاولون، قال الله تعالى:" يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون" [28]، فهؤلاء المستشرقين كالخفافيش الفرق بينهم أن الخفافيش من عادتها أن تظهر في الظلام، ولكن خفافيش الصنف الثالث من المستشرقين تظهر في النور، وتوهم نفسها أنها في الظلام كما تحاول أن توهم الآخرين بذلك، ولكن هيهات، وعبثا يحاولون.
ومن هذا الصنف نورد ذكر بعضهم منهم المستشرق اليهودي برنارد لويس عمل مدرسا في معهد الدراسات الشرقية في لندن سنة 1946 من بين ما قال:" أن الدين الإسلامي دين استعباد"، المستشرق الأمريكي مكسيم رودنسون ألف كتاب "حياة محمد" ذكر فيه أمورا مشبوهة عن الرسول وألقاه على شكل محاضرات على طلبته في الجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 1997-1998 وقال فيه:" أن القصص القرآني مستنبط من الديانات السابقة" المستشرق جولد تزيهر في كتابه" دراسات إسلامية" قال ما قال فيه طعنا في الدين والعقيدة، وخاض حتى في علم الحديث وسنده ومتنه وعلله...، مرجليوت غني عن التعريف ألف سنة 1925 كتابا زعم فيه أن القران صدى من الشعر الجاهلي وأن الرسول عاش على النهب والسلب والحرب، المستشرق وليام موير في كتابه " حياة محمد" زعم فيه أن الرسول أخذ تعاليم الدين الإسلامي من التوراة والإنجيل، وغيرهم كثر.
وسائل الاستشراق:
كل الوسائل مسموح بها عند المستشرقين، الكتب تأليفا وتحقيقا، المجلات العلمية المتخصصة بالاستشراق باللغة العربية أو بلغات أخرى لشرح ما توصل إليه لغير الناطقين باللغة العربية أي توصيل الأفكار إلى بني جلدتهم، وإلى المستشرقين الآخرين غير المتحكمين في اللغة العربية وما أكثرهم، مثلما فعل شيخ المستشرقين الفرنسيين أنطوان إسحاق سيلفستر دوساكي (1758-1838) الذي تتلمذ عليه جمع غفير من المستشرقين، فألف كتابا في النحو العربي بعنوان " النحو العربي واستعماله من طرف معهد اللغات الشرقية"، فقد كان مدرسا في معهد اللغات الشرقية ثم مديرا له. [29]
من وسائل الاستشراق تنظيم مؤتمرات وملتقيات لتبادل المعلومات والأفكار وتوزيع المهام لتسهيل البحث وحصره، تأسيس معاهد متخصصة تعنى بالحضارات الشرقية، وإنشاء أقسام في جامعاتهم خاصة الجامعة الأمريكية التي لها فروع في دول الشرق الأوسط.
وتتطور وسائلهم مع التطور التكنولوجي، فقد وظفوا الإنترنيت والكثير من المواقع الإلكترونية، ووظفوا الكثير من الإذاعات منها إذاعة مونتي كارلو، إذاعة لندن، وقنوات تلفزيونية ناطقة باللغة العربية ترعاها الدول الأوربية من أجل متابعة للأوضاع وتمرير بعض الرسائل لحاجة في أنفسهم مثل قناة bbc بالعربية، France 24 الناطقة باللغة العربية روسيا اليوم، وقد تكون هناك قنوات أخرى لا نعلم توجهها لاعتمادهم التمويه والتضليل في انتسابها.
يمكن حصر وسائل الاستشراق في ما يلي:
- الكتب والأبحاث والمجلات ( تحقيق الكتب، تأليف كتب لشرح ما توصلوا إليه، مجلات متخصصة في الاستشراق، تأليف كتب لتعلم اللغات الشرقية...)
- الوسائل السمعية البصرية والإنترنيت ( قنوات تلفزيونية، إذاعية، مواقع إنترنيت متخصصة...)
- المؤتمرات العلمية حول الاستشراق ( لتبادل الخبرات، وشرح ما توصل إليه، وتوزيع المهام حتى لا تتكرر الأعمال...)
- إنشاء معاهد تعنى بحضارات الشرق، فكرا ولغة وحضارة...
وإن كان حصر وسائل الاستشراق أمر صعب لكثرتها لكن ما ذكرنا هو أبرزها، والأبرز منها هو الكتب والأبحاث المتخصصة، لأن كل وسيلة من الوسائل السابقة تعتمد عليها
كما أننا رأينا أن جزءا من الاستشراق وليس كله يهدف لنشر التفرقة والترهات والأباطيل والأساطير والحرص على وقوع المسلمين في المحظورات كالخمر وغيره، والرقص والغناء حتى يزيغ المسلم عن دينه الذي هو عزه وبه يتقدم، فأباحوا لأنفسهم كل الطرق حتى يصلوا إلى هذه الغاية، وهي نزع الدين الإسلامي من قلوب المسلمين، بهذه الأمور وبالتشكيك في الإسلام وعقيدة المسلم والتنصير والتبشير الديني، فوظفوا حتى الجانب العلمي الطبي كما رأينا سابقا في مسألة اختراع أدوية وأجهزة لتحديد جنس المولود، فالحذر الحذر في هذا الوقت أكثر من أي وقت مضى.
ولله الأمر من قبل ومن بعد
الأستاذ عبد الحليم ريوقي
الجزائر
هوامش البحث:
--------------------------------------------------------------------------------
التعليقات (0)