لا يتم الحديث عن الأزمة المالية العالمية ٢٠٠٧\٢٠٠٨ وإفلاس البنوك وإنقاذها بدون المرور على العلاقة بين أمريكا والصين حيث تعد الصين أكبر مقرض لأمريكا وتتحصل الصين على أصول مالية أغلبها على شكل سندات حكومية تبلغ ثلاثة تريليون دولار أكثر من نصفها بالدولار الأمريكي.
السؤال هنا ماذا لو توقفت الصين عن إقراض أمريكا أو شراء السندات التي تصدرها الحكومة الأمريكية؟
من المعروف للجميع أنه لا مكان للمشاعر في عالم السياسة ولايوجد من يفعل شيئا بدون أن يكون ينتظر المقابل والحكومة الصينية من مصلحتها شراء السندات التي تصدرها السلطات المالية المختصة في أمريكا لإبقاء الطلب مستوى الطلب مرتفعا على الدولار وبالتالي إبقاء التوازن بين قيمة الدولار واليوان لمصلحة الدولار قويا لكون الصين دولة تعتمد على التصدير بشكل رئيسي ومن مصلحتها كما ذكرت سابقا إبقاء قيمة عملتها منخفضة نسبيا. إذا توقفت الصين عن شراء السندات الحكومية الأمريكية فسوف يؤدي ذالك إلى إنخفاض قيمة الدولار مقابل اليوان الصيني نتيجة إنخفاض الطلب على الدولار وقد يؤدي ذالك إلى إنهيار العملة الأمريكية التي لا تتمتع بغطاء ذهبي يحميها في تلك الحالات كما كانت في السابق وسوف تكون ذالك بداية أزمة مالية ومصرفية كبرى لن تترك بلدا بدون أن تطاله أثارها.
على الرغم من إتساع السوق الصينية وقدرتها الإقتصادية وتمتعها بميزة العمالة الرخيصة والمدربة ومصادر الطاقة فإنه حتى بلد بحجم الصين لن ينجو من التضخم وآثاره حيث سجل في بعض السنين تضخم ٦% ويعود السبب بشكل رئيسي إلى إرتفاع أسعار النفط لمستويات قياسية.
إن أحد أسباب التضخم في الصين بالإضافة إلى إرتفاع الفاتور النفطية هو إرتفاع الاجور حيث مع الإنفتاح على الخارج وإزدياد نسبة الصادرات فقد أصبح العمال يطالبون بأجور أعلى وظروف عمل أفضل مما رفع الكلفة النهائية للإنتاج.
ولكن كيف تواجه الصين إرتفاع مستوى التضخم؟
الحل بسيط ويعتمد على مجموعة أسس منها رفع قيمة اليوان الصيني فتقل فاتورة الصادرات وخصوصا النفطية, رفع مستوى الأجور مما يرفع القدرة الشرائية للمواطن الصيني والإتجاه نحو تشجيع الإستهلاك الداخلي والإتجاه نحو تلبية حاجات السوق الداخلية بدلا من التركيز على التصدير حيث أن السوق الداخلية في الصين تعد ١.٣ مليار مستهلك. هناك مجالات ضخمة للإستثمار في الصين والإتجاه نحو إشباع حاجات الإستهلاك الداخلي فمثلا تعد ملكية المواطنين للسيارات في الصين ١/١٠(عشر) ماهي عليه في الولايات المتحدة.
إن المسؤولين في البنك المركزي الصيني(بنك الشعب) قاوموا فكرة رفع قيمة اليوان مقارنة بالدولار ولجئوا في سبيل مكافحة التضخم لمجموعة خيارات منها رفع مستوى الفائدة وتشديد إجرائات الإقتراض داخل الصين.
لو أرادت الصين أن ترفع قيمة عملتها في مواجهة الدولار لكان بإمكانها القيام بخطوتين رئيسيتين وهما التوقف عن الإشتراك في عمليات شراء سندات الخزينة الحكومية الأمريكية وطرح مالديها من سندات في السوق. إن الخطوة الثانية سوف تسرع عملية رفع قيمة اليوان بشكل سريع حيث تنخفض قيمة الدولار لتوفره في الأسواق المالية حيث تحتكم الحكومة الصينية على حوالي ثلاثة تريليون عملات أجنبية نصفها بالدولار الأمريكي.
ولكن ماهو تأثير ذالك على المواطن الأمريكي العادي؟
إن إنخفاض قيمة الدولار يعني أن الولايات المتحدة سوف ترتفع قيمة خدمتها للدين الخارجي الذي سوف يلتهم حصة أكبر من الناتج الإجمالي المحلي ويبقي القليل للمشاريع الخدمية كالتعليم والصحة وأيضا مشاريع البنية التحتية كمحطات تنقية المياه والصرف الصحي. كما أن من تأثيرات إنخفاض قيمة الدولار هو إرتفاع تكلفة الإقتراض لإرتفاع نسبة الفائدة على القروض وصدار السندات الحكومية مما سوف يصاحبه إرتفاع سعري في كل شيئ بداية بالرسوم الشهرية على الحسابات البنكية وتكلفة شراء سيارة بالتقسيط وكلفة إستيراد المنتجات والخدمات.
خلال أزمة الكساد العظيم التي مرت بها الولايات المتحدة سنة ١٩٣٣ قامت الحكومة الأمريكية بالتدخل وخفض قيمة الذهب التي تغطي الدولار الأمريكي مما أدى إلى إنخفاض قيمته وبالتالي تشجيع الصادرات وتشغيل المصانع المحلية مما أدى إلى خلق فرص عمل وإنخفاض نسبة البطالة بشكل تدريجي ولكن كيف تتصرف الحكومة الأمريكية في الوقت الحالي بعد رفع الغطاء الذهبي عن الدولار أثناء فترة حكم الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون؟
في تلك الحالة سوف يقوم بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي بالتشاور مع وزارة الخزانة الأمريكية بطبع المزيد من الدولارات(التسهيل الكمي) وضخها في السوق وكذالك شراء سندات حكومية وسندات الرهون العقارية مما يؤدي إلى إنخفاض قيمة الدولار وفق مبدأ العرض والطلب.
المشكلة في حال قررت الحكومة الأمريكية سلوك هاذا الطريق فإنها سوف تكون قادرة على الإستمرار في دفع ديونها ولكن قيمة تلك المدفوعات بالنسبة للدائنين سوف لا تكون تساوي الكثير من القيمة مما سوف يؤدي إلى إهتزازالثقة بالدولار الأمريكي وعزوف الدول عن شراء سندات الخزانة التي تصدرها الحكومة الأمريكية.
قد يظن البعض أن إنخفاض قيمة الدولار سوف تشجع سوق التصدير في أمريكا ولكن علينا أن لا ننسى أن سوق الصادرات في أمريكا لا يشكل إلا ربع الناتج الإجمالي المحلي وليس كما كان الوضع سنة ١٩٣٣ وفي الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية.
إن الطريقة التي يتم فيها التعامل مع مشكلة الدين الحكومي والتضخم قد تختلف بين الأحزاب السياسية في أمريكا فمثلا حزب الشاي الأمريكي له وجهة نظر بخصوص تحجيم دور النقابات العمالية لتخفيض الإمتيازات الممنوحة لمنتسبيها بينما ترتكز سياسة الحزب الديمقراطي على تقليل الإعفائات الضريبية الممنوحة للشركات النفطية والشركات الكبرى في محاولة لزيادة نسبة مساهمة الأغنياء في العائدات الضريبية بينما تدور سياسة الحزب الجمهوري على تشجيع الإنجازات الفردية وتأكيد دور الأسواق الحرة في الإزدهار الإقتصادي مما يعني عدم تدخل الحكومة في السوق وترك ذالك لعوامل العرض والطلب.
إن الكثير من الحكومات تلجأ لخيار مثل حزمات الإنعاش الإقتصادي وقد لاحظنا ذالك بوضوح خلال الأزمة المالية سنة ٢٠٠٧-٢٠٠٨ في دول مثل أمريكا وبريطانيا واليابان ولكن تلك الحكومات إستيقظت على كابوس أزمة مالية إستنفذت أغلب السيولة الموجودة وتم تغطية المبالغ المطلوبة بالإقتراض وتلك القروض يجب دفعها. إن عجز العالم عن مواجهة أي أزمة مالية قادمة لإستنفاذ السيولة قبل مرور عشرة سنين غير منقطعة من الإنتعاش الإقتصادي ليتم تعافي الإقتصاد العالمي إستعدادا لما هو قادم سوف يكون له نتائج أكثر من كارثية يضاف إليها أن تلك السنين العشرة من الإنتعاش الإقتصادي تتطلب إنخفاض أسعار النفط إلى مستويات معقولة وهو لا يبدو إحتمالا في القريب العاجل.
النهاية وأراكم في الموضوع القادم
مدونة علوم وثقافة ومعرفة
ابط الموضوع على المدونة:
http://science-culture-knowledge.blogspot.ca/2014/10/blog-post_7.html
التعليقات (0)