في نفس الوقت الذي تم فيه إخراج النظرية الكينزية لحيز الوجود فقد تم نشر بعض الأوراق البحثية بين سنتي 1950 و 1960 وملخصها أن المستثمرين لايستطيعون مجاراة الأسواق المالية وجني الأرباح بشكل دائم وأن المحفظة الإستثمارية المتنوعة هي الخيار الأفضل لجني أرباح معقولة على المدى الطويل. وبعد عشرة سنين فقد تقدم عدد من الخبراء الإقتصاديين بنظرياتهم حول تسعيرة الخيارات المالية فاتحين الباب بشكل واسع للنمو الكبير في عقود المستقبليات والمشتقات المالية الأخرى. كل تلك الأبحاث في المجال الإقتصادي من بداية الخمسينيات حتى يومنا هاذا قد ساهمت بشكل أو بأخر في خروج مصطلح أو مفهوم الإقتصاد المالي(Financial Economics) إلى حيز الوجود. تلك النظريات والمفاهيم الإقتصادية الجديدة خرجت إلى العلن من دون أن يتم دراستها وتمحيصها مما أدى إلى نتائج كارثية. أهم مفهومين برزا وتمت إسائة إستخدامهما هما كفائة الأسواق(Efficient Markets) والتوزيع العادي للمخاطر(Normal Distribution of Risk). نظرية كفائة الأسواق تدور حول فكرة أن المستثمرين مهتمون حصريا بمضاعفة أرباحهم وسوف يستجيبون بشكل عقلاني ومنطقي للإشارات المتعلقة بالتقلبات السعرية وكذالك المعلومات الجديدة. إن جميع المعلومات الجديدة التي ترد إلى الأسواق المالية يتم ترجمتها فوريا بطريقة سعرية(إنخفاض أو إرتفاع الأسعار) مما يؤدي إلى إنتقال المستوى السعري للأسهم والأدوات الإستثمارية من مستوى لأخر بطريقة مرنة. ولذالك السبب لا يستطيع المستثمر هزيمة تلك الألية السعرية إلا بمجرد الحظ لأن أي محاولة لتخمين الأسعار المستقبلية سوف تكون معتمدة على معلومات غير متوفرة وإحتمالات الخسارة واردة. ولأن تخمين الأسعار المستقبلي هو عشوائي فإن فكرة التوزيع العادي للمخاطرقائمة على مبدأ أن درجة وتواتر التقلب في مستوى الأسعار هي أيضا عشوائية. المشكلة التي تواجهها تلك النظريات أن عدد كبير من الأبحاث الإحصائية وفي مجال العلوم الإجتماعية أثبتت بدرجة لا تعد مجالا للشك عدم كفائة الأسواق وأن التغيرات السعرية ليست عشوائية وأن المخاطرة لا تتوزع بطريقة طبيعية. المستثمرون يتصرفون بطريقة عشوائية حيث أنهم مهتمون بكيفية تجنب الخسارة والحفاظ على قيمة محافظهم الإستثمارية بدلا من التركيز على تحقيق الكثير من الربح. الأسواق المالية لها ذاكرة قوية متعلقة بأحداث الماضي الإقتصادية وتتفاعل معها بالسلب أو بالإيجاب مولدة إما فقاعات إقتصادية أو فنرات من الركود المزمن. إن ذالك التصرف يطلق عليه المخاطرة الغير مرغوب فيها(Risk Aversion) أو تجنب المخاطرة وهو يفسر تصرف المستثمرين وظاهرة البيع الجماعي للأسهم بينما يحجمون عن الإستثنار مجددا في الأسواق حين تعود لنشاطها المعتاد. إن تظرية كفائة الأسواق والتوزيع العادي للمخاطر تحولت إلى مايشبة الفايروس المرضي مع الفرق أن الفيروسات تتم دراستها في مختبرات تضمن عدم تسرب حتى ولو فيروس واحد للخارج بينما تلك النظريات الإقتصادية منها التوزيع العادي للمخاطرة وكفائة الأسواق قد أدت إلى كوارث إقتصادية بداية من إنهيار سوق الأسهم سنة 1987 وليس إنتهاء بكارثة 2007\2008 والمعروفة بأزمة الرهون العقارية والتي أدت إلى تبخر 60 تريليون دولار من الثروة وذالك يعتبر تقديرا معتدلا. أثبتت البنوك المركزية خصوصا مع تحسن وسائل الإتصالات على قدرتها تضليل المواطنين بخصوص سياساتها المالية وتنسيق خطواتها وتدعيمها بحملة إعلامية للتحكم بسلوك المواطنين وكيفية وسرعة إنفاقهم لأموالهم. لم تنجح تلك البنوك في خلق إقتصاد عالمي مستقر والمبادئ المالية مثل السياسة النقدية, الكينزية والإقتصاد المالي ثبت فشلها بالمجمل. السياسة النقدية القائمة على معادلة تربط بين توفر المال وسرعة إنفاقه وهي معادلة أثبتت فشلها. الكينزية أثبتت قدرتها على تدمير رأس المال وليس مضاعفته بسبب مايسمى العامل المضاعف(Multiplier). الإقتصاد المالي أثبت من خلال كفائة الأسواق والتوزيع العادي للمخاطر عدم واقعيته بالنسبة للتقلبات في أسواق المال. الأزمة الإقتصادية القادمة سوف لن يكون سببها الرئيسي توفر السيولة النقدية من عدمه أو فقاعة إقتصادية أو معلومات مضللة بل كلمة واحدة من الممكن أن تطلق شرارة أزمة إقتصادية, تلك الكلمة هي الثقة. إن فقدان الثقة المواطنين والمستثمرين بالنظام المالي لبلد ما أو عملة ذالك البلد سوف تؤدي إلى إطلاق شرارة تلك الأزمة. فماذا إن كانت تلك البلد هي الولايات المتحدة الأمريكية وعملتها الدولار الذي يتمتع بلقب العملة الإحتياطية العالمية؟ مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة http://science-culture-knowledge.blogspot.ae/2015/10/2008.html الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة النهاية.
التعليقات (0)