إن بيع وشراء النفط كما هو معلوم يتم حصرا بالدولار الأمريكي خصوصا بعد قرار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون سنة 1971 فك إرتباط الدولار بالذهب وأي تقلبات في سعر صرف الدولار سواء بالهبوط أو الصعود تؤثر على أسعار النفط سواء بالبيع أو الشراء. قد يتسائل الجميع عن سبب قيام الصين بشراء إصدارات السندات الحكومية الأمريكية؟ السبب هو إبقاء سعر اليوان الصيني منخفضا مقابل الدولار الأمريكي مما يؤثر بالإيجاب على تصدير البضائع الصينية إلى الأسواق العالمية وخصوصا الولايات المتحدة ويجعل أسعارها منخفضة بالبنسبة للمستهلكين. المشكلة في السوق الأمريكية أنها متقلبة فهناك إرتفاع في مستوى الدين العام وإنخفاض في القدرة الشرائية للمواطنين حيث أن نسبة كبيرة من إجمالي الدين في الولايات المتحدة يرجع للعادات الإستهلاكية التي يتم تمويلها عن طريق البطاقات الإئتمانية. إنخفاض القدرة الشرائية للمواطنين الأمريكيين سوف لا يعد أخبارا سارة للمصدرين الصينيين كما أن إرتفاع أسعار النفط يعني تقلص هامش أرباحهم ولكن من ناحية أخرى فإن هناك إرتفاعا في مستوى القدرة الشرائية للمواطنين داخل الصين نفسها مما يعني نمو السوق الداخلي. في كلتا الحالتين وهما العلاقة بين سعر صرف اليوان مقابل الدولار ونمو إستهلاك السوق الداخلية في الصين نستطيع وبكل ثقة تطبيق مبدأ تكلمنا عنه من قبل وهو مبدأ المجموع صفر (Sum Zero). تطبيق ذالك المبدأ يعني أن إرتفاع قيمة صرف الدولار يقابله إنخفاض قيمة صرف عملات أخرى والعكس هو الصحيح. إنخفاض قيمة الدولار امام اليوان تعني إرتفاع سعر النفط وبالتالي الوقود على مستوى إستهلاك وقود السيارات وتكلفة التدفئة وتشغيل محطات إنتاج الطاقة الكهربائية وذالك بسبب إنخفاض القدرة الشرائية للدولار الأمريكي وذالك يعني ملايين البراميل من النفط التي لن تستهلكها أمريكا سوف تكون الصين سعيدة بشرائها لإرتفاع قوة عملتها الشرائية. إن أرباح المصانع الصينية لن تتأثر في تلك الحالة أو أن التأثير سوف يكون محدودا جدا لعدة عوامل منها إرتفاع القدرة الشرائية للمواطنين الصينيين وهو أهم تلك العوامل وأبرزها. كما أن اليورو هو عامل مؤثر في معادلة العلاقة بين الدولار واليوان حيث أن الصين وفي مسعاها لإبقاء قيمة منخفضة لسعر صرف اليوان مقابل الدولار تبقي أعينها على التطورات في منطقة اليورو وخصوصا إحتمال تفكك الإتحاد الأوروبي أو مغادرة بعض البلدان للإتحاد. في تلك الحالة فإن اليورو الذي مايزال يمثل العملة الرسمية لما تبقى من دول الإتحاد سوف يكون سببا لجذب رؤوس الأموال لإرتفاع قيمته مدفوعا بإقتصاديات دول أوروبية قوية كألمانيا وفرنسا وفي تلك الحالة سوف تنخفض قيمة الدولار وبالتالي تزداد قوة اليوان مقابل الدولار. إن عملية النمو في أي دولة مرتبطة بمدى قدرتها على إمتصاص الإرتفاع في أسعار النفط ومدى قدرة إقتصادها على زيادة إستهلاكه من تلك المادة, النمو الإقتصادي معرض لنفس مبدأ المجموع صفر (Sum Zero)الذي تكلمنا عنه سابقا. أن كميات الطاقة المتوفرة في مرحلة ما تكون متوزعة بين مجموعة دول وبإستخدام التفكير العقلاني فإن زيادة حصة دولة معينة من كعكة الطاقة يعني تناقص حصة دولة أخرى أو مجموعة دول, مما يعني الفرق بين الإنتعاش الإقتصادي لدولة معينة أو مجموعة دول والإنكماش الإقتصادي لدولة معينة أو مجموعة دول أخرى. إن تضاعف إستهلاك الصين من النفط بمقدار الضعف يعني تناقصا في حصة الولايات المتحدة بمقدار النصف من مجمل إستهلاكها من تلك المادة كما أن تزايد النمو الإقتصادي في الصين رفع من مستوى إستهلاكها من مواد أساسية تدخل في الكثير من الصناعات كالنحاس والقصدير وأصبح الكثير من الإقتصاديين ينتظرون البيانات والإحصائيات الصادرة عن البنك المركزي الصيني وليس بنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي. إن الصين قد تقرر مدفوعة بمجموعة من العوامل إلى التخلي عن سياسة الإبقاء على سعر صرف منخفض لليوان مقابل الدولار وهي كما ذكرت سابقا نمو السوق المحلي والذي قد يكون أحدها ولكن العامل الأهم هو الإرتفاع في سعر النفط وتقوية سعر صرف اليوان مقابل الدولار يعني زيادة قدرة الصين على شراء المزيد من النفط وبالتالي وزيادة قدرتها على تحقيق قدر أكبر من النمو الإقتصادي. وفي نهاية هاذا الجزء نطرح سؤالا منطقيا وهو كيف سوف يكون موقف الدول النامية في حال إنطبق عليها مبدأ المجموع صفر (Sum Zero) وهو الحاصل ونرى تأثيراته في إرتفاع أسعار السلع والمواد الأساسية؟ إن هناك دعوات متكررة للتقليل من النمو الإقتصادي مقابل توفير مصادر النمو للدول الأكثر فقرا حيث أن إرتفاع الطلب على المواد الأساسية والسلع ومصادر الطاقة من قبل دول مثل الصين والهند والبرازيل لن يترك إلا أقل القليل لدول مثل بنغلاديش أو بورما أو مالي ولو أن الأخلاق لها صوت إنتخابي لكان الوضع أفضل مما هو عليه. المشكلة أن دولا تتبع أنماط حياة إستهلاكية بتزايد مثل ألمانيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا سوف يجد مواطنوها صعوبة في تقبل فكرة تقليل مستوى النمو الإقتصادي في بلدانهم لصالح دول أخرى فقيرة في الشرق الأوسط أو أسيا أو أفريقيا. إن وجود حالة تباطئ إقتصادية إجبارية بسبب إرتفاع أسعار النفط هي وحدها التي سوف تجعل إمدادات إضافية بأسعار مقبولة متوفرة للدول النامية والفقيرة. ولكن هل سوف يكون ذالك السيناريو إحتمالا مستقبليا؟ إن هاذا السؤال سوف تجيب عنه الأيام. رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة http://science-culture-knowledge.blogspot.ca/2015/02/blog-post_18.html الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته وذالك لتسجيل زيارة للمدونة مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية النهاية
التعليقات (0)