مواضيع اليوم

ماليزيا... التسامح جوهر الحداثة

عبدالعزيز الرشيد

2009-08-08 13:01:32

0

 

ماليزيا... التسامح جوهر الحداثة

 

 إبراهيم المليفي

لعل تجربة ماليزيا في التحول إلى نمر آسيوي جديد، تمثل أهمية بالغة في العالم الإسلامي، كونها نموذجا حيا على إمكان تحقيق التقدم في بلد تسكنه أغلبية مسلمة إلى جانب أقليات أخرى عرقية ودينية وثقافية ولغوية يتساوون فيه جميعهم في الحقوق والواجبات تحت علم وطن واحد.

إن الأوطان القوس قزحية كثيرة في العالم، وليس ذلك هو المثير للاهتمام، ولكن المثير للاهتمام في ماليزيا هو التعايش والاستقرار بين مكوناته المتنافرة. وهناك في ذلك البلد تمشينا على قوس قزح كحقيقة، وليس خيال طفل أو لوحة فنان، وتلمسنا ألوانه المسربلة بالبهجة والحياة والطموح بأن يتحقق حلم ماليزيا بالتحول إلى دولة متقدمة بحلول عام 2020 على أساس المشاركة والانصهار.

نهوض وطموحات

هناك قاعدة تعلمتها في السفر وهي أن البلد الجيد هو الذي تستطيع استكشافه خلال فترة قصيرة، ففي أواخر التسعينيات من القرن الماضي زرت ماليزيا لعدة أيام وخرجت بانطباع عام بأن هذا البلد أمامه الكثير كي يكون قادرا على إبراز مفاتنه المخبأة وكنوزه المطموسة، فما قرأناه في الكتب عن ذلك البلد لم نستطع الاستدلال عليه بسهولة، فلا شبكة مواصلات نشيطة متوافرة ولا خدمات سياحية مؤهلة.

ويبدو أن تحولات كبيرة قد حصلت بين رحلتي القديمة وهذه الرحلة، خاصة بعد تزايد الحديث عن تحول ماليزيا إلى بلد سياحي لا يقل من حيث مستوى الخدمات عن دول مجاورة مثل تايلاند، وأول هذه التحولات شاهدناه في مطار كوالالمبور الدولي الحديث الذي يتمدد على مساحة شاسعة قدرها 25 ألف هكتار ولديه القدرة على التعامل مع سبعين طائرة في الساعة الواحدة إقلاعا أو هبوطا ويربط هذا المطار الحديث ماليزيا مع أكثر من مائة محطة رئيسية، وهو ما يجعله محطة مهمة في ذلك الجزء من قارة آسيا.

داخل كوالالمبور اختفت الشوارع الرملية والمباني الهرمة، وظهرت مكانها مدينة حديثة تجمع ما بين الأصالة والتطور، شوارعها منظمة ولوحاتها الإرشادية واضحة، ومثل أي مدينة أوربية تخترق شرايين المدينة قطارات معلقة تربط بين أجزاء العاصمة في حركة هادئة ومحسوبة المواقيت، ويشمخ فوق كل هذه التحولات برجا بتروناس أو توين تاور اللذان أصبحا أعلى برجين في العالم بعد انهيار برجي التجارة العالمية في مدينة نيويورك عام 2001.

برجا بتروناس اللذان صعدا إلى السماء بثمانية وثمانين طابقا بعد رحلتي الأولى بسنوات قليلة لم يكونا دمية المدينة المنسوجة بغرض الترويج لفقاقيع إعلامية، بل حملا معهما علامة نهوض ماليزيا وتطلعها إلى المستقبل.ويمتلئ برجا بتروناس بالمكاتب التجارية التي تدفع إيجارات معتبرة مقابل وجودها في هذا المكان المهم والحيوي.

وتعج مدينة كوالالمبور بناطحات السحاب والمئات من الأسواق والمجمعات التجارية الضخمة التي لا يعرف أولها من آخرها، والتي لم تكن موجودة أصلا قبل عشر سنوات، ولكن يبدو أن الحالة الاقتصادية الجيدة من جهة، وقدوم قوافل السائحين من جهة ثانية، ساعدا على تنامي هذا النمط الاستهلاكي.

كان للتحول نحو استخدام الغاز بدلا من البنزين أثره الإيجابي في التقليل من حدة التلوث الذي تعاني منه مدينة كوالالمبور، وتشجيع الناس على التجوال سيرا على الأقدام، فإلى جانب الطقس المشبع بالرطوبة، وارتفاع درجات الحرارة في الأيام المشمسة يصبح من المرهق التجوال على القدمين في جو خانق ومسموم، ويبقى هناك الكثيرون ممن رأيناهم يحرصون على لبس الكمامات الواقية على الأنف.

ماليزيا وفي سبيل سعيها المتواصل للتميز، أرسلت أحد أبنائها ليسبح في الفضاء الخارجي على متن مركبة الفضاء الروسية سيوز، وهو تاسع مسلم يسبح في الفضاء الخارجي، لكنه الأول الذي يقوم برحلته في الفضاء وهو صائم وتم ذلك خلال شهر رمضان المبارك، وتطمح ماليزيا إلى وصول أول رجل ماليزي للقمر بحلول عام 2020.

لحظة تاريخية

لم نكن نعلم أن الحظ يسير في ركابنا فوصولنا إلى ماليزيا تزامن مع لحظة تاريخية عشناها عبر شاشات التلفزيون، لحظة تسليم وتسلم، تم فيها انتقال سلس لمنصب رئاسة الوزراء من صاحب نظرية الإسلام الحضاري عبدالله أحمد بدوي إلى نائبه محمد نجيب عبدالرزاق الذي سيتحمل أعباء مواصلة تنفيذ الحلم الماليزي الذي فجر طاقاته رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد طوال 22 عاما، وأكمل عليه وأضاف له بدوي، والآن جاء دور عبدالرزاق ليواصل المشوار ويضع يده على مقود ماليزيا.

لقد أصبح مثل هذا الحدث السياسي أمرا حيويا لدى المواطن الماليزي العادي، ليس من باب الفضول أو التندر اليائس، ولكن لأن الناس شعروا بأن مشروع التحديث مس حياتهم بصورة مباشرة، لقد تلمسنا هذا الشيء في كل مكان ذهبنا إليه وبعض التعليقات كادت أن تتطابق لولا بعض الاختلافات، ومنها كيل الثناء للبنى التحتية، خاصة رصف الشوارع التي جعلت الحياة أسهل. من هنا سجلنا حالة الترقب لدى الماليزيين لمستقبل بلادهم وحلمهم الكبير بالتحول إلى دولة متقدمة.

نعود للحظة التاريخية فهي إلى جانب ما ذكرناه سلفا عن أهميتها، تعد أيضا فرصة ثمينة لمشاهدة سلطان البلاد وهو يمارس صلاحياته في مباركة انتقال السلطة، وهي عملية شكلية لا تغير من واقع تركز معظم السلطات في يد رئيس الوزراء والحزب الحاكم وفق ما رسمه دستور ماليزيا، أما الملك فينتخب من بين تسعة سلاطين لمدة 5 سنوات بشكل دوري.

وتتكون ماليزيا من اتحاد فيدرالي يشمل 13 ولاية هي: جوهور، قداح جار الأمان، كلنتان دار النعيم، ملقا، نجري سميلاي، باهنج دار المقمور، يلو بينانج، بيراك دار الرحنوان، بيرلس انذرا، صباح، سرواك، سنجور، ترنجانو دار الإيمان.

وطن يتسع للجميع

أتاحت لنا الجولات اليومية داخل العاصمة كوالالمبور فرصة معاينة التنوع العرقي في هذه المدينة التي تمثل القوميات الثلاث الرئيسية في ماليزيا وهم الملايو ويشكلون 60 في المائة من عدد السكان والصينيون 30 في المائة والهنود 10 في المائة. وتضفي دور العبادة بأشكالها المعمارية المختلفة مسحة جمالية على المدينة الناهضة كما تتشابك أسماء المحلات المكتوبة بعدة لغات وكأنها قصاصات صحف ومجلات جمعت في مكان واحد. ولا تكتمل مسيرة اكتشاف العاصمة كوالالمبور قبل زيارة كل من الحي الصيني والهند الصغيرة أو ليتل انديا، ففي الحي الصيني نجد الصين حضرت بكل ما فيها من ملامح وعادات في الأكل والطهي، أما في الهند الصغيرة فلا نجد شيئا يزيد عن طبائع في بيع الأقمشة أو الذهب، وتحتل اللغة العربية مكانة مرموقة في ماليزيا فهي موجودة مثلا على العملات الورقية واللوحات الإرشادية. لقد كانت الأوضاع في ماليزيا أيام الاحتلال الإنجليزي مختلفة على صعيد العلاقة بين القوميات الرئيسية في البلاد، حيث لغم المحتل تركيبتهم الاجتماعية والاقتصادية بصورة تضمن انفجار الأوضاع فيما بينهم في أي وقت بعد رحيلهم، فقد أجبر الملايو وهم أغلبية السكان على السكن في الريف لزراعة الأرز، وأسكن الصينيين في المدن للعمل في التجارة، وأخيرا ترك الهنود لوظيفة جمع المطاط.

وطبقا لهذه التقسيمة أصبح الصينيون هم الأغنى والملايو المسلمون فقراء، وبعد الاستقلال توصل أصحاب القرار إلى أن الحل لا يكون بافتراس الصينيين وطردهم من البلاد بل باتباع سياسة منح الملايو فرصا كثيرة لتحقيق الثروة، والعمل على اقتسام السلطة بين جميع الأطراف، وضع نظام تعليمي يوطئ الأرض لبناء وطن يتسع للجميع، وأخيرا تجريم المساس بالعقائد المختلفة ولو على سبيل المزاح.

ولم تؤت هذه السياسة مفعولها بين يوم وليلة ولكنها أخذت وقتها الكافي حتى أثمرت في نهاية الأمر، وعادت موازين توزيع الثروة إلى الاعتدال، وفيما عدا أحداث 1969م بين الملايو والصينيين لم تسجل في ماليزيا أحداث عرقية شبيهة.

وبالرغم من جولاتنا اليومية على فسيفساء ماليزيا لم نشعر بالارتواء، واخترنا في أحد المساءات الساحرة تحسس جميع أطراف ماليزيا بصورة مختلفة، وذلك عن طريق قضاء ليلة موسيقية عامرة بالفنون الشعبية الماليزية تشتمل على كل المكونات العرقية في ماليزيا وقدم ما يقرب على الخمسة عشر راقصا وراقصة بقمصانهم المزركشة العديد من اللوحات، هندية وصينية، ومن أعجبها لوحة رجل الغابة الذي لايزال يعيش في ماليزيا بصورة بدائية. كما كان أمتعها اللوحة الهندية التي أدتها راقصتان تلبسان الساري التقليدي، حيث الموسيقى تتصاعد وتيرتها وحركة خلاخيل الراقصتين تزداد سرعتها بتناغم مع دق الطبلة، وكانت هذه اللوحة ستبدو أجمل لو أن العزف كان حيا وليس موسيقى مسجلة.

ملقا بوابة الإسلام إلى ماليزيا

هذه المرة قررنا الخروج من العاصمة كوالالمبور والذهاب إلى مدينة ملقا التي اشتهرت بأنها بوابة دخول الدين الإسلامي إلى ماليزيا، واسم المدينة ينطق باللهجة المحلية ميلاكا، استغرقت الرحلة بالسيارة نحو الساعتين وطوال تلك المدة كان المرشد يمتعنا بالمعلومات التاريخية عن مدينة ملقا.

كانت ملقا قبل دخول الإسلام إليها مركزا تجاريا مهما جلب عليها المسرات والمضرات على حد سواء، فإلى جانب دخول الإسلام احتلها القائد البرتغالي الدموي الفونسو البوركيرك عام 1511م مفتتحا بذلك عهودا متلاحقة من المستعمرين الأجانب جميعهم طمعوا بالسيطرة على طريق التوابل البحري الذي هيمن عليه التجار المسلمون لقرون طويلة.

ولا يمكن فصل قصة انتشار الإسلام في ماليزيا عن قصة انتشار الإسلام على يد التجار في أرخبيل الملايو ومن جاء بعدهم من المهاجرين العرب، الذين توزعوا في تلك المناطق وساهموا في نشر وترسيخ الدين الإسلامي هناك.

وتعد المسلة الهولندية وكنيسة سانت بولز وحصن جون فورت من أبرز مخلفات الحقب الاستعمارية، ويعيش في المدينة خليط من البشر كما في العاصمة كوالالمبور، إلا أن الحضور الصيني كان لافتا للنظر. كما توقفنا عند الكثير من المعابد البوذية القديمة جدا، ويشهد قلب المدينة حركة نشطة تؤكد على أن الطابع التجاري للمدينة التاريخية لايزال مشتعلا.

ماليزيا والأزمة المالية

ألقت الأزمة المالية العالمية بظلالها على موضوعنا، إذ طرأ سؤال مهم هو ما مصير الطموح الماليزي أمام هذا المثبط العملاق الذي ضرب أكبر الاقتصادات في العالم؟، حملنا هذا السؤال إلى الدكتور أحمد الفرا الباحث في المعهد الماليزي للدراسات الإستراتيجية، والذي أجاب مستعرضا بعض تجارب ماليزيا في مواجهة الأزمة الاقتصادية عام 1997 قائلا:

في الأزمة المالية العالمية التي أصابت اقتصادات العالم في التسعينيات كانت ماليزيا الأقل ضررا من بين جيرانها النمور الآسيوية لأنها لم تعتمد على رءوس الأموال الأجنبية، واتخذت مجموعة من الإجراءات مثل تحديد قيمة العملة الماليزية مقابل الدولار الأمريكي ثم منع تداوله، وأضاف: أعطى رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد رجال الأعمال الماليزيين مهلة لإعادة أموالهم بالدولار الماليزي من الخارج خلال ثلاثة أشهر وإلا اعتبرت تلك الأموال غير شرعية وفي الأسبوع الأول لصدور ذلك القرار دخلت ثلاثة مليارات دولار إلى ماليزيا جاءت كلها من سنغافورة.

ونظرا لانخفاض قيمة الدولار تم تقليص حجم الاستيراد إلى الحدود الدنيا إلا للحاجات الضرورية، والاكتفاء بما يوفره السوق المحلي، كما تم إعطاء البنوك الصغيرة فرصة للاندماج مع البنوك الكبرى وتم الامتناع عن أخذ قروض ورفع قيمة الفائدة على الودائع معتبرا أن هذه الوصفة قد تكون مجدية مع دول أخرى ولكن مع ماليزيا فهي ستواجه أزمتها الاقتصادية بأسلوبها الخاص. وقد واجه مهاتير انتقادات عديدة خارجية وداخلية بسبب سياسته الاقتصادية.

وتم تشكيل لجان لمحاربة الفساد الأولى كانت في حزب أمنو الذي يمثل الحزب الغالب في الائتلاف الحكومي والبرلمان، والثانية في الائتلاف الحاكم، واللجنة الثالثة لجنة عامة لها القدرة على استدعاء أكبر مسئول في الدولة بمن فيهم مهاتير نفسه. كما وضع نظام قضائي به محكمة خاصة للاختصام من الملك والسلاطين وأبناء الأسر الحاكمة.

ويختم الفرا مؤكدا أن جميع تلك الإجراءات ساهمت في تحصين الاقتصاد الماليزي من الانهيار وتخفيف آثار الأزمة المالية السابقة والحالية.

البديل السياحي

سبقت الإشارة للتحولات الكبيرة في مدينة كوالالمبور، والتي جعلت منها مدينة عصرية مثالية، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك طرحت ماليزيا نفسها أمام العالم كأنسب مكان للسياحة، ورفعت شعار ماليزيا هي حقا آسيا، في إشارة واضحة إلى أنها تختصر آسيا بأسرها.

وكانت قبل ذلك قد اتخذت قرارا مهما بإلغاء تأشيرة الدخول أمام جميع دول العالم، وإلى جانب هذه الحملة عملت الماكينة الدعائية على اجتذاب السائحين العرب، خاصة في منطقة الخليج لما يسمى بالسياحة الإسلامية التي تركز على إبراز البيئة المحافظة للماليزيين وانسجامها مع العادات الاجتماعية في منطقة الخليج فضلا عن توافر المساجد والجوامع وانتشار الحجاب بين المسلمات الماليزيات.

كما تساهم الأسعار المعقولة في ماليزيا في جعلها بديلا سياحيا للدول الأوربية التي أصابها جنون الغلاء، وقد يوحي هذا الموضوع بأن ماليزيا هي فقط كوالالمبور، ولكن توجد هناك مناطق مرغوبة من زوار ماليزيا مثل جزيرة بينانج. خاصة عندما تتجمد الكثير من مناطق أوربا.
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات