مواضيع اليوم

مالذي يبدد الغمام

مالذي يجتذ إنساناً من الإيمان ويدفعه إلى الإلحاد بينما يُبقي آخر على إيمانه ؟

تسائل قديم قدم الدين لست بصدد سرد تاريخه لأن هذا بحد ذاته لايعنيني إنما أردت أن أنوه بأنه سؤال استحوذ من تفكيري قدر امتد لسنوات طويلة لم أتوصل من مطالعاتي خلالها إلى تفسير وافي يقنعني. إليكم هذا المثال البسيط : أنظر إلى فكرة الخلق كما وردت في الكتب الإبراهيمية. تقول أن الله خلق الكون والأرض والكائنات الحية كلها في عدة أيام بكيفية كن فيكون بدون إعطائنا أي تفاصيل للتمحيص فيها للتأكد منها بل طلبت منا التسليم بها بغياب الدلائل. فإذا تمعن إثنان في هذه الفكرة البسيطة الفارغة من أي دليل ، في سياق المعلومات المفصلة المدعمة التي توصل لها العلم لمراحل تطور الكون والمخلوقات والكيفية والمدة التي استغرغت للوصول إلى ماهو عليه الآن ، لماذا يجد أحدهما صعوبة بالغة في تقبل النسخة الدينية بينما لايتزعزع إيمان الآخر حتى لو كان الإثنان من نفس الخلفية الدينية ومن نفس المحيط والميول والسن والجنس ؟ ماهي الآليات (العقلية) التي تتحكم في عملية تقييم معلومة أو دليل ما ، كآية مثلاً أو حقيقة علمية ، لتوصول إلى استنتاج يهيمن على معتقدات سابقة فيعززها أويتجاوزها ؟ ماهي طبيعة هذه "الآليات"

الردود الجاهزة الدينية لمثل هذا التساؤل كضعف الإيمان أو وسوسة إبليس أو الحكمة الإلهية تفتقر إلى الإستنادات العلمية وهي حجج دائرية ترتكز على الإيمان الأعمى بقدسية النص ولاتلزم إلا المؤمن بها أصلاً وبالتالي خارجة عن أي اعتبار. أما التفاسير المبنية على البحث العلمي فهي غالباً تدور حول محور تأثيرات المحيط والضغوط الأسرية وعمق التلقين الديني للطفل والحالة السايكولوجية للفرد والراحة والأمل والإطمئنان التي يبثها الدين في النفس وغيرها من عوامل لاأشك لوهلة في خطأها ولكنها لاتتمكن برأيي من تقديم تفسير وافي لسبب إلحاد عبدالله القصيمي مثلاً أو عباس عبدالنور وقد تربا في عقرالدين ونهلا منه وتعرضا لتأثيرات مجتمعاتهما كغيرهما ممن بقوا على إيمانهم .

مالذي مكّن القصيمي وعبدالنور من رؤية جانب خفى عن الآخرين في نفس المحيط ؟ هل من المحتمل وجود عوامل أخرى تمكن بعض الأفراد من التمييز الصحيح بين ماهو عقلي ومنطقي وماهو غير ذلك ومن التقييم المتزن للأدلة المقدمة ثيولوجية كانت أو علمية وتجاوز ماأثبتت هذه "العوامل" خطأه

فما هي هذه العوامل أو الآليات ، إن وجدت ؟

لاشك في أن أغلب القراء سوف يدرك أن حدة الذكاء وغزارة المعلومات هما عاملان رئيسيان لهما تأثير واضح على أسلوب التفكير ومستواه ومساهمة فعالة في تحديد المعتقدات التي ننموا معها أو نتبناها. فهل من الممكن لهذان العاملان أن يقودان إلى ترك الدين ؟ مع العلم أن هذين العاملين يحتج بهما كلا الطرفين ، المؤمن والملحد على حد سواء ، في تقييم الأدلة للدفاع عن موقفهما. فهل يوجد إثبات يحسم هذه التساؤلات ؟

توجد سلسلة من الإستفساءات الهامة نشرت في جورنال Nature (الطبيعة) امتدت من بداية القرن الماضي إلى بحث نشر في جورنال Intelligence (الذكاء) هذا العام وعلقت عليه وكالات الإعلام في بريطانيا بسبب زوبعة المعارضة والرفض التي شنتها بعض الهيئات الدينية لما تضمنه من استنتاجات لم تستسغها. وقد وجدت في هذه الأبحاث أقرب تفسير لملاحظات وتجارب وتساؤلات شخصية امتدت لعدة سنوات كما نوهت سابقاً. ولندخل في صلب الموضوع بهذه المقدمة القصيرة:
.
إستناداً إلى ويكيبيديا تبلغ نسبة الغير مؤمنين في العالم non-believers (وهذا يشمل الملحدين واللادينين والذين لاينتمون إلى أي ديانة) مابين 12 و 15% أي أن النسبة الباقية التي تصنف كمنتسبة إلى ديانة ما (ولنسميها للسهولة بالمتدينة) هي الأغلبية الساحقة ونسبتها 85 إلى 88%. على افتراض أن متوسط مستوى التعليم في العالم ككل هو (اعتباطاً) أقل من المعدل في الدول المتقدمة (مع العلم أن 20% من سكان العالم أميّين وفقاً ليونيسكو وأن نسبة الذكاء IQ هي 100 وهو المتوسط في الدول المتقدمة. أي أن خلاصة الكلام وتفادياً للخوض في إحصائات ليست من صلب الموضوع أن الغالبية العظمى التي تصل إلى 85% من سكان العالم تنتمي إلى دين (المتدينون) وهي على مستوى فلنفترض" متوسط" من الثقافة والذكاء.

الآن كمقارنة ، ماهية نسبة الأفراد المتدينيين إذا كانت ثقاتهم وذكائهم ، فوق المعدل الدولي ؟
وهل تقدُم العلم ، وخصوصاً خلال القرن الماضي ، أثر على هذه النسب ؟
وإن كان له تأثير ، مامدى هذا التأثير ؟

أليكم هذا البحث القيم:

في عام 1914 ، قام العالم النفسي الأمريكي جيمز لوبا James Leuba باستفتاء وجد فيه أن 58% من عينة مكونة من 1000 عالم أمريكي - Scientist - تم إختيارهم عشوائياً ، إما أنهم لايؤمنون أو أنهم يشكون بوجود إله God وأن هذه النسبة ترتفع إلى مايقارب 70% بين الأربعمئة عالم الأعلى مستوى منهم (المتفوقيين والبارزين منهم في نفس العينة). أي أن عدد المتدينيين في هذه العينة في تلك السنة كانت 42% وأن هذه النسبة تنخفض إلى 30% مع ارتفاع المستوى الأكاديمي للعلماء في ذلك الإستفتاء.

كرر لوبا ذلك الإستفتاء بعدها بعشرين سنة ، أي عام 1934 ، ووجد أن نسبة الغير مؤمنين أو المشككين بوجود إله قد ارتفعت في الإستفساء الجديد من 58 إلى 67% وبين المتفوقين من هؤلاء العلماء في نفس العينة وجد أن النسبة قد ارتفعت بفارق أكبر من 70 إلى 85%.

وفي عام 1996 ، قام البروفيسور إدوارد لارسون Edward Larson باستفتاء مماثل وجد فيه أن نسبة العلماء الغير مؤمنين أو المشككين بوجود إله مماثلة (بل انخفضت قليلاً) لنسبة عام 1914 إذ بلغت 60.7% ولكنه عندما أعاد هذا الإستفتاء سنة 1998 واقتصره على المتفوقين (أو النابغين) فقط من العلماء - وهم أعضاء الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة National Academy of Sciences - للحصول على تفاصيل أدق وجد الآتي :

المؤمنين باإله : 7%
الغير مؤمنين باله : 72.2%
اللاأدري والمشككين : 20.8%
•مجموع الغير مؤمنين واللاأدري والمشككين 93%

المؤمنين بالخلود (بعد الموت) : ؟
الغير مؤمنين بالخلود : 76.7%
اللاأدري والمشككين : 23.3%
مجموع الغير مؤمنين واللاأدري والمشككين 100% ؟

 

ملاحظة : سبب وضعي لعلامة الإستفهام مقابل بعض النتائج أعلاه أني وجدت أن نسب الردود على سؤال موضوع الخلود في الجدول المنشور في المقالة لاتستقيم إلاّ بإعطاء هذه القيمة صفر - للأمانة ، هناك غلطة في هذا القسم من الجدول ولكن باقي البيانات صحيحة).

فالنرجع أولاً إلى نسبة المتدينيين من سكان العالم ككل التي ذكرناها في أوائل هذا الشريط والتي قلنا أنها تبلغ حالياً 85% بافتراض أن مستوى الثقافة والتعليم كمعدل في العالم لايتعدى المتوسط. قارن هذه النسبة الآن بنسبة المتدينيين بين العلماء scientists بشكل عام في إستفتاء سنة 1996 والتي بلغت 40% وقارن الإثنان بنسبة المتدينيين بين العلماء المتفوقين لاستفتاء سنة 1998 وهي 7% فقط. تجد أن الإستنتاجات التي لايستطيع أن ينكرها المؤمن أو الملحد على حد سواء هي أولاً وجود علاقة طردية بين المستوى الثقافي العلمي وبين الإيمان بالدين (بالله) - لاحظ التدرج التصاعدي في نسبة الإلحاد مع ارتفاع المستوى الثقافي أو بعبارة أخرى : إرتفاع المستوى الأكاديمي العلمي يؤدي إما إلى التشكك أو اللاأدري أو الإلحاد - وثانياً أن نسبة الإلحاد (أو الشك واللاأدرية) بين العلماء المتفوقين تصاعدت بشكل بارز بمرور الوقت ، أي من 70% لاستفتاء سنة 1914 إلى 85% لسنة 1934 إلى 93% لسنة 1998. وهذه الملاحظة ممكن أن تعزى إلى ازدياد الإستكشافات العلمية ووفرة المعلومات التي قفزت أبواعاً خلال العقود القليلة الماضية وكان تأثيرها الأبلغ على هذه الشريحة من العلماء.

لماذا يتركز الإلحاد واللاأدرية في الطبقة الأكاديمية النابغة بالذات ؟

ماهي العوامل الأساسية التي تمكّن الإنسان من النبوغ في حقله العلمي أو الأكاديمي بالإضافة طبعاً إلى العوامل الخارجية كالمحيط الذي يشجع ويسهل على المثابرة في الدراسة والبحث وعزم تصميم الطالب وغيرها من الخواص المتكسبة ؟ أليس عامل الذكاء هو البنية الأساسية ومنبع النبوغ ؟ هل من الممكن تحقيق إنجاز علمي يستحق جائزة نوبل مثلاً إذا كان مستوى ذكاء IQ الباحث منخفض - 90 مثلاً ؟ وإن كان مستوى الذكاء عند العلماء البارزين أعلى بكثير من المعدل ، هل لنا أن نستنتج أن مستوى الذكاء له تأثير مباشر على التدين أو الإلحاد ؟

هذا بحث آخر يرد على هذا السؤال:

في مقابلة أجرتها النشرة الثقافية التابعة لصحيفة التايمز اللندنية مع ريشارد لين Richard Lynn بخصوص بحث نشر له في جورنال Intgelligence وجد ريتشارد لين في بحثه هذا علاقة قوية بين إرتفاع مستوى الذكاء high IQ وانعدام الإعتقاد الديني كما وجد أن متوسط معدل الذكاء يعتبر مؤشر ينبئ بالإلحاد عبر 137 دولة.

وأضيف إلى هذه البحوث إستفتاء آخر قام به و نشره نفس الجورنال Intelligence عن نسبة الأعضاء الذين يؤمنون بإله God في الجمعية الملكية البريطانية The Royal Society فوجد أن هذه النسبة هي 3.3% فقط أي أن نسبة الذين لايؤمنون بإله هي 96.7%. ولمن لايعرف ماهي هذه الجمعية فهي باختصار هيئة للحث على التقدم العلمي تتركب من أنبغ العلماء scientists في المملكة المتحدة (5). فإذا عرفنا أن عدد أعضاء هذه الجمعية يقدر بحوالي 1000 عالم وعدد علماء الأكاديمية الوطنية للعلوم التي استفتاها إدوارد لارسون يبلغ حوالي 2000 عالم نجد أن من 3000 أنبغ علماء بريطانيا والولايات المتحدة عدد الملحدين واللاأدري والمشككين منهم يبلغ 2830 في حين أن عدد المتدينين هو 170 فقط !!! قارن هذا الفارق الهائل مع عينة من نفس العدد من سكان العالم تجد أن من كل 3000 فرد عدد المتدينين 2550 والغير متدينين 450 فقط .

وللكاتب مقالات أخرى تجدونها على هذا الرابط:   basees.blogspot.com/




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !