ماضى الأمة
ماضيك هو ذاكرتك ...هو المخزن الذى تستمد منه زادك اليومى فى حاضرك ...وهو الأساس الذى تبنى عليه مستقبلك ....
يولد الواحد منا صحيفة بيضاء ...ثم تنقل العينان الصور إلى الذاكرة بلا معنى وبالتكرار تضاف المعانى إلى الصور وهكذا تفعل الآذان و كلما تقدم العمر كلما كبرت الذاكرة ونضجت حتى مرحلة البلوغ والتكليف ويبدأ الإنسان فى استثمار هذا المخزون للتخطيط لمستقبله ...
وهذا يعنى أن من فقد ذاكرته قد فقد ماضيه وأن عليه أن يبدأ من جديد ليصنع له ماضيا يتكىء عليه ...
وما يجرى على الأفراد يجرى على الأمم ...
فأمة لاماضى لها لامستقبل لها وشخصيتها تنماع فى شخصيات الأمم الأخرى
ولذلك حرصت الأمم الحديثة النشأة كالولايات المتحدة المتحدة الأمريكية مثلا على تلميع أبنائها لأدنى سبب وتحيطهم بهالات تجعلهم أبطالا ورموزا وكثيرا ما تلجأ إلى استيراد عقوق نابغة عن طريق المغريات المادية وتعطيهم جنسيتها ...وكل ذلك لتصنع لها ذاكرة تستطيع بها أن تتقدم ....
وبالنسبة لأمتنا الإسلامية ....لها ماض عريق ضارب فى أعماق الزمان لاأقول إلى مدى ألف وخمس مئة عام بداية من عهد محمد صلى الله عليه وسلم ولكن أقول إلى بدء العهد بالبشرية منذ /آدم عليه السلام باعتباره نبيا فنحن أمة نؤمن بجميع الأنبياء ومن هنا كانت سلسلة الأنبياء والمرسلين حلقات مضيئة على صفحات ماضى الأمة الإسلامية ...
وهذا الماضى العريق الذى يشمل التاريخ الإنسانى كله يجعل الحضارات البشرية جزءا من ذاكرة الأمة الإسلامية ...ولذلك حث القرآن على تجلية هذه الذاكرة "أو لم يسيروا فى الأرض فينظوا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم "؟الروم 9 بل حرض القرآن على نبش الماضى الكونى "قل سيروا فى الأرض فانظوا كيف بدأ الخلق "العنكبوت 20
.............
ولكن لماذا هذا الاحتفاء الكبير بالماضى ؟
كما قلنا آنفا للاستمداد منه والبناء عليه لتسير الحياة فى ركب النماء والتطور
وهنا آن لنا أن نتساءل عن موقفنا -نحن مسلمى اليوم -من الماضى ...
هل قمنا بتوظيف ماضينا العظيم لصناعة حاضر عظيم ؟
الجواب معروف ...
نسيان تام للماضى ....
أو جهل تام به
أو توقف مريض عنده...
وكل ذلك يمثل خطا داهما على الأمة أوصلها إلى ماهى فيه الآن
لقد وعى سلفنا الصالح ذلك الماضى فأحسنوا قراءته ثم أحسنوا نقده ثم أحسنوا البناء عليه فكانت حضارتهم همزة الوصل بين ماقبلهم إلى من بعدهم ...
أما نحن فجئنا نتقوقع حول ما أنجزوه لنضيع ماأفنوا فيه أعمارهم بمجرد الأفتخار بماضينا المجيد ناسين قول الشاعر الحكيم :
ليس الفتى من يقول كان أبى لكن الفتى من يقول هاأنذا
وهذا الإهمال الفاضح لماضينا العظيم نقل الراية من أيدينا إلى أيدى أعدائنا الذين يستعبدوننا ثقافيا واقتصاديا ...
وهذا الإهمال الشائن لماضينا العظيم جعلنا نقين ذاكرة جديدة للأجيال القادمة تقوم على الإعلام الفاسد الذى يحشو أدمغة الناشئة بالمواد الفاسدة التى تنسف كل معنى نبيل وقيمة عالية لتقوم شخصية مائعة تائهة عن ماضيها المجيد إلى أوحال مهلكة ...
إن سدنة الإعلام يقومون بمذبحة كبرى لشخصية أمتنا وعلى المخلصين أن يقاوموا هذا الإجرام بكل قوة وأن يحشدوا لذلك جماهير الأمة المنكوبة بهذا الإعلام ليصنعوا حاجزا عقليا ضد هذا الطوفان الهدام بمقاطعته وإظهار البراءة منه والتحذير من عواقبه الكارثية
التعليقات (0)