اللهم قد بلغت
مازلنا نتوق للكرامة وللعيش الكريم
مهما قيل ويقال مازال المغاربة تواقين للكرامة وشروط العيش الكريم والعدالة الاجتماعية والمساواة والاستفادة الشفافة من الثروات الوطنية. كما أنهم مازالوا تواقين لإسقاط الفساد المستطير الذي شكل ولازال العقبة الأساسية أمام تكريس ديمقراطية حق وعدالة اجتماعية فعلية والحالة هاته، فمازال العدل هدفاً والتنمية أملاً والمساواة في فرص الاستفادة الطبيعية من الثروات الوطنية حلماً. فإذا ظلت هذا المرامي غاية، فإن الأغلبية الساحقة من المغاربة لم تحصد إلا الجور القانوني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وتقعيد كل ما من شأنه نسف أسس تنمية مواطنة حقيقية تعود نتائجها، أولا وأخيراً، على السواد الأعظم من الشعب وتكريس حرمان الأغلبية الساحقة من المغاربة من حقها وحظها الأكيد والمشروع في الثروات الوطنية، وإثقال ظهرها، إلى حد لم يعد محتملاً، بضرائب لا حول ولا قوة لهم بها، أضحت اليوم تقتطع من جوعهم، وهذا التوفير شروط مريحة –تفوق إمكانيات البلد- لكمشة من الأشخاص مازال بعض أفرادها يعيثون فساداً محميين بمختلف الحمايات الممكنة ومحتكرين لمصادر الثروة الوطنية "ولّي دوا يرعف" أو تُلفق له تهمة تقسم ظهره وتحطم مشواره وحياته. وربما هذه من العوامل التي شجعت على استمرار الفساد المستطير. ويبدو أن الفاسدين المفسدين لم يعدوا يتوفرون على سلاح الآن، ما عدا سلاح التلويح بورقة "عاش الملك" عند كشف أمرهم.
ومن الملاحظ أن حركة مناهضة الفساد والتصدي له أضحت تتوسع في النسيج المجتمعي أكثر من أي عمل حزبي سواء من اليسار أو اليمين. وقد أضحت هذه الحركة تتمحور اليوم حول شعاري: "جميعاً من أجل المطالبة بمحاكمة رموز الفساد وناهبي المال العام واسترجاع الأموال المنهوبة" و "الشعب يريد إسقاط اللصوص".
وفي المجال السياسي أضحى يسود غموضاً على امتداد كل ألوان الطيف السياسي من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
لقد حدثت "شقلبة" في مختلف الأحزاب السياسية التي تلقت ضربة موجعة بخصوص ثقة المغاربة فيها.
والآن أصبح السائد هو العزوف، إذ أن لا أحد بالبلاد يعلم اليوم موقف الأغلبية الساحقة الصامتة من الشعب المغربي. فحتى حزب "المصباح" –الذي استفاد من واقع حال خاص جداً، كما أنه شكّل قشّة أمل- أصبح الآن يبدو في عيون الكثيرين أنه تنازل على الكثير مما سبق وأن التزم به، وبالتالي ولج مضمار اللعبة القائمة وخضع لقواعدها ممّا قد يخلف خيبة في صفوف الكثير من "الإسلاميين".
ويبدو أن السلفيين انقضّوا على هذه الفرصة قصد محاولة خلق كائن سياسي يعتمد على استقطاب هؤلاء الذين خيب حزب العدالة والتنمية آمالهم. هذا ما صرّح به مؤخراً، محمد الفيزازي- أحد القادة السلفيين المعتقلين في نطاق ملف 16 مايو 2003 والمعفى عنه في أبريل 2011- وهو الطامح بقوّة في خلق حزب سياسي سلفي.
لكن لماذا توسعت دائرة الاحتجاجات على امتداد البلاد؟
إنه سؤال جوابه واضح للعيان، ماعدا عيون الوزير الأول الذي يشكك بشدة في دوافع هذه الاحتجاجات، وذلك رغم أن الأوضاع متردية جداً إذ صرح أنه لا يتفهم تلك الاحتجاجات لأنها اندلعت غداة تعيين حكومته. علماً أنه يعلم، علم اليقين، أن "الشوكة وصلت العظم" وأن كافة المطالب التي برفعها المحتجون، كلها مطالب مشروعة مرفوعة منذ عقود، والعديد منها لم تعد تتحمل أي انتظار. يساءل عبدالإله بنكيران عن توقيت الاحتجاجات الاجتماعية، لكنه لم يكلّف نفسه عناء التساؤل عن توقيت حضور صهيوني في برلمان المملكة في نطاق الدورة الثامنة للجمعية البرلمانية للإتحاد من أجل المتوسط، هذا في وقت يتزامن مع تصاعد الجرائم الصهيونية الشنيعة ضد الشعب الفلسطيني.
من زاوية، فعلاً صدق الوزير الأولـ إن الاحتجاجات تتناسل اليوم بالمغرب أكثر من أي وقت مضى، وأضحت تهم كل المجالات، بدون استثناء. وأغلب هذه الاحتجاجات هي في واقع الأمر، من أجل التعبير عن الغضب المستطير تجاه تدهور الاجتماعية والاقتصادية في وقت مازالت تشتد فيه الأزمة الاقتصادية التي ما فتئت تتعمق وتؤدي إلى المزيد من تشديد استغلال الفئات المستضعفة وتكريس المزيد من الفقر والبطالة والتهميش.
ومهما يكن في أمر، مازال العديد من المغاربة يتوقون للكرامة وللعيش الكريم، وهي أدنى المطالب الاجتماعية والاقتصادية في عصرنا الحالي.
التعليقات (0)