إن نسبة الفقر بين سكان جهتنا قد يصل في بعض الجماعات إلى 30 في المائة بشهادة أكثر من جهة تأكدت مصداقيتها.
مع العلم أن الناتج الداخلي الفردي للقاطنين بجهتنا لا يتعدى 30الف درهم سنويا.
بل و أن متوسط الدخل بجهة الغرب الشراردة بني احسن يقل عن نظيره في جهات و مدن كانت تُعتبر أفقر منها. وبالتالي فإن ضعف الدخل الفردي و انتشار الفقر في منطقة كانت تعتبر موجوداتها المالية من الأكبر في المغرب لكنها ظلت تغادر الجهة ليستفيد منها آخرون، وهذا من بين الأسباب التي ساهمت بشكل قوي في وجود فوارق طبقية رهيبة بين شريحة فاحشة الغنى و قاعدة هرم واسعة و فقيرة.
عموما فهذه الأرقام لا تملك الدلالة التي يمنحها مقياس عدم المساواة في الدخل بالمغرب و الذي نشرته المندوبية السامية للتخطيط، و الذي يعطي أرقاما مرعبة عن حجم الفوارق في الدخل في مختلف جماعات جهة الغرب.
فبخصوص نسبة اللامساواة في الدخل، و التي تحسب لنا الفوارق بين مدا خيل الأفراد في مجتمع واحد تصل 42 في المائة بالجهة و هو معدل مرتفع يؤكد أن هناك مساحة شاسعة بين الفئات الغنية والفئات الفقيرة بالجهة والمدينة، و قس على ذلك الجماعات الأخرى من الإقليم والتي تصل فيها الفروق نسبا أكبر. إن الواقع المعيش التباين الخطير في مستوى دخل المواطنين بالمنطقة.
وهاته الفوارق المهولة، شئنا أم أبينا، هي الأسباب الأصلية في عدد من الأوبئة الاجتماعية التي تنخر مجتمعنا، من قبيل الإجرام والإدمان على المخدرات و الخمر إلى انحدار السلوك الاجتماعي و تفكك البنية الأخلاقية.
ويبدو أن معالجة هذه الفوارق أول ما تستلزمه مخططا جهويا ووطنيا متوسط و بعيد المدى، يستنبط بعض مرتكزاته من مفهوم بالمعنى "التويزة" للمشاركة ومفهوم التكافل الاجتماعي والتضامن الاجتماعي.
وإن تركنا للدولة ما عليها من مسؤوليات و سألنا نحن أنفسنا كمواطنين عن واجباتنا الأخلاقية و الدينية اتجاه هذه المعضلة، فإننا نجد أن علينا كلنا الانخراط كل حسب إمكانياته في دورة التضامن الاجتماعي بما يكفل الحد المعقول من المعيشة الكريمة لأغلبية المواطنين. ونتحدث هنا عن إحياء قيم، و إيجاد آليات محلية لتسييرها و إيصال الدعم لمن يستحقه عبر دفعه ممن يجب عليه.
نعاين اليوم بقوة انتشار حالات النصب و الاحتيال باسم الفقر، كما أصبحنا نعاين ظواهر غريبة من قبيل دفع الزكاة للأبناء أو توزيع الخرفان على بعض الفئات من موظفي الدولة أو تجميع كل الجهود في تمويل المساجد، في حين تئن آلاف العائلات تحت خط الفقر.
ومهما يكن من أمر، فالدولة مطالبة بتفعيل برامجها الاجتماعية لدعم الفئات الهشة، عبر برنامج المساعدة الطبية وبرامج دعم الأرامل و الأسر الفقيرة. كما أن على جمعياتنا، التوقف عن خرجاتها السنوية المبهرجة و ابتكار أساليب لضخ المزيد من الدعم في الجزء الفقير من مجتمعنا و الابتعاد عن أعمال الإحسان السياسي الذي أصبح للأسف السمة الغالبة للعمل الحساني.
و لكن أليست المعركة الحقيقية، هي المبادرة و العمل و النجاح وسط كل هذه الإكراهات.
في الوقت الذي أضحت الدولة عن القيام بدورها الاجتماعي أصبح من الضروري أن يضطلع المجتمع المدني بهذا الدور، لأنه ليس هناك خيار ولا أمل في تغيير واقع حال الضمان اعتمادا على الحكومة ذات العين البصيرة واليد القصيرة.
علما، من المفروض أن تغطي الحماية الاجتماعية الرسمية مجموعة واسعة من السياسات والقضايا التي تهدف إلى تحسين إدارة المخاطر. ومن المفروض أن تشتمل على إستراتيجيات الوقاية(إستراتيجيات التوظيف الرامية إلى الحد من تفتّت أسواق العمل من خلال إصلاح هذه الأسواق، بما في ذلك إجراءات معينة لتقليص القطاع غير الرسمي، والتشجيع على الانتقال من مرحلة التمدرس إلى مرحلة العمل، وزيادة كفاءة السياسات النشيطة لسوق العمل...)، وإستراتيجيات التخفيف من الآثار (التي ترتكز على التغطية التي تتيحها مظلة التأمينات الاجتماعية من خلال معاشات التقاعد، واستحقاقات معاشات العجز والإعاقة)، وإستراتيجيات التكيف (شبكات الأمان الاجتماعي، وبرامج مختصة بالشباب، وحماية الأطفال، والرعاية الاجتماعية). و من المفروض أن تتصدى هذه الأولويات الإستراتيجية للتحديات في المنطقة. لكن أين هي حكومتنا من كل هذا؟
ليس هناك أدنى شك ، أن صناع السياسات ببلادنا فشلوا بامتياز في مجال التشغيل. فهناك استمرار ضعف توفير فرص العمل، وتدني نسبة المشاركة في قوة العمل، وارتفاع معدلات البطالة. فالافتقار إلى فرص العمل، والأهم من ذلك، إلى فرص عمل ذات نوعية جيدة يحد من إمكانية المشاركة على نطاق واسع في منافع النمو الاقتصادي المستدام ، بما يكفل في نهاية الأمر الحد من الفقر. ومازالت تتصف أسواق العمل عندنا بضخامة حجم القطاع العام (على الرغم من أن النمو السنوي للقطاع العام تراجع عموما من نحو 12 بالمائة في التسعينات إلى نحو 3 بالمائة في بداية العقد الحالي)، وضخامة حجم الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية وتنامي هذه الأنشطة التي تتيح فرص عمل ذات نوعية منخفضة وتتسم بتدني قيمتها المضافة (تشير التقديرات إلى أن أكثر من 60 بالمائة من قوة العمل تعمل في القطاع غير الرسمي وتسهم بنسبة أكثر من 27 بالمائة فحسب من إجمالي الناتج المحلي)، وضعف توفير فرص عمل جيدة وذات قيمة مضافة عالية . ولازالت معدلات البطالة مرتفعة الأمر الذي يؤثر بشكل غير متناسب على الوافدين إلى سوق العمل من الشباب وحاملي الشهادات. ويشكل انخفاض نوعية الوظائف وعدم كفايتها أيضا خطرا على الانسجام والأمن الاجتماعي، وخاصة في وقت قد تشعر فيها شريحة كبيرة من الشباب العاطلين ومن هم خارج قوة العمل بخيبة الأمل لعجزهم عن المشاركة المنتجة في الحياة الاقتصادية.
إذن لا بصيص أمل الآن إلا في المجتمع المدني على علته.
إن ضمان حد آدمي و إنساني من العيش لفئات المجتمع الفقيرة واجب أخلاقي و إنساني و ديني يقع على عاتق كل منا، كل حسب استطاعته… فمن اعتقد منا أن المال الذي بين يديه هو ملك له فلا حاجة للمجتمع به و لا بماله، أما المتيقن من أن المال الذي بين يديه هو مال الله و أنه مستخلف فيه، فليقم ليفعل ما أمر به.
التعليقات (0)