يبدو أنه كلّما مرّ الوقت يزداد وضع حكومة "المصباح" غموضا، خصوصا وأنها مازالت لا تريد الإقرار بأنها عاجزة عن الفعل في اتجاه ما وعدت به، ولو في حده الأدنى. والحالة هذه، تحاول حكومة ابن كيران التملص من فشلها مدّعية أنها لا تملك القرار السياسي.
ويزداد الغموض أكثر ظل الجمود والفراغ السياسي الكبير، الذي تعرفه بلادنا منذ مدة، هذا علاوة على غياب قوة معارضة حقيقية تحافظ على التوازن وقادرة على التأثير في الوضع السياسي الراهن. وهذا وضع إن طال أكثر من شأنه أن يُنتج لدى العديد من المغاربة – لا سيما الشباب الغاضب- يأسا عميقا في أي تغيير حقيقي يمكن أن يعيد لهم كرامتهم و اعتزازهم بالانتماء لهذا الوطن.
في هذه الظرفية بالذات، مازال عمل الحكومة لم يقو بعد على إيقاف سيرورة التهميش الاجتماعي، ويُخيّل للكثير من المواطنين، أن ابن كيران وفريقه يتفرجون على تدهور الأوضاع المعيشية لأغلب المغاربة وضرب القدرة الشرائية للمواطنين، كأن لسان حاله يقول : " العين بصيرة واليد قصيرة".
وعلى القيّمين على الأمور أن يعلموا - علم اليقين – أنهم لم ولن يكسبوا ثقة أوسع الفئات ومؤازرتهم إلا بإعادة الشعور- ولو في حدّه الأدنى - بالاطمئنان عن الغد القريب. ولن يتأتى هذا إلا بإعادة النظر في مختلف القضايا المطروحة التي لا محيد عنها، أراد من أراد وكره من كره، لقد أضحى ذلك الآن، مطلبا حيويا وضرورة تاريخية عليها تتأسس المرحلة القادمة وإلا وجب على هؤلاء القيّمين على الأمور اللجوء إلى كسب ود الشعب قسرا وربما تسفيها، وإن تم هذا علينا انتظار كل الاحتمالات، بما في ذلك إعادة إنتاج بعض تداعيات الماضي، وإن حصل – لا قذّر الله - فهذه المرة سيكون وقع ردة الفعل أقوى وأعنف من السابق. و اعتبارا لأن الأزمة الاقتصادية قائمة، والأوضاع المعيشية سائرة نحو المزيد من التدهور فلا مندوحة من إعادة النظر في سياسة التوزيع في أقرب الآجال ما دامت الفوارق الاجتماعية ناتجة عن النهب وسوء التوزيع والاستفادة من الامتيازات ، وهنا تكمن الأسباب الحقيقية للوضعية التي تعيش فيها البلاد الآن.
لا نكاد نخرج من أزمة حتى نسقط في أخرى جديدة، لا أدري هل السبب هو الوهم الذي يسيطر على القائمين على الأمور من أن هناك إمكانية للتصدي للمعضلات الكبرى دون إلزامية المرور عبر إعادة النظر في السياسة المجحفة لتوزيع الثروة والدخل دون طمر الهوة الكبيرة بين أغنى المغاربة وأفقرهم، فلن تستقيم مقومات النمو إلا بقبول النظر بجدية في هذه الإشكالية التي أصرّت كل الحكومات على تجاهلها بالرغم من أن كل مكوّنات الركح السياسي المناضلة والصادقة والمخلصة للشعب ظلت ترفع مطلب إعادة النظر في سياسة توزيع الثروات منذ أن حصلت بلادنا على استقلالها، ولم تخل يوما تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من إثارة هذا المشكل رغم أنهما مؤسستين موكلتين للدفاع عن الرأسمالية والامبريالية، وهذه مفارقة غريبة حقا.
ويبدو أنه لا زال هناك هاجس حدوث توترات اجتماعية بفعل استمرار تدهور الأوضاع المعيشية وتفاقم مظاهر الأزمة، لاسيما وأن جملة من القطاعات بدأت تدخل في ساحة النضال، بما في ذلك سكان البوادي الذين بدأوا يلجأون إلى التنديد والاحتجاج بوسائل لم تكن ممارسة من قبل، بفعل المراقبة اللصيقة لهم من طرف الدرك الملكي ورجال السلطة عندما كان الهاجس الأمني هو سيد الموقف، وإذا كان في السابق يتم إخماد الحركات الاحتجاجية بتنفيذ المجازر الجماعية والاعتقالات الكثيفة وإصدار الأحكام الظالمة والمجحفة، فإنه اليوم أضحى من الصعب بمكان اعتماد هذه الأساليب، علما أن الأوضاع لا زالت سائرة نحو التردي وبوتيرة مستدامة تنسف مختلف الانتظارات المتراكمة منذ منتصف الخمسينيات، وهذا وضع لا يدعو إلى الاطمئنان.
لكن الأهم من هذا وذاك أن مشاكلنا كثرت، والحكمة الشعبية تقول "للي تلف يشد الأرض" .
لازال الكثير من المغاربة يحلمون حلما مشتركا منذ سنة 1956، إنهم يحلمون – حلم يقظة مشترك - أن ناهبي الثروات وممتلكات وأموال الدولة قاموا بتخصيص جزء مما نهبوه لإقامة مشاريع سكنية اجتماعية والمساهمة في إعادة هيكلة الأحياء الهامشية وفضاءات السكن غير اللائق وفي تجهيز مدارس وثانويات وكليات وتشييد مستشفيات وكليات وملاعب رياضية ومساحات خضراء تكفيرا - ولو جزئيا- عما اقترفوه من جرائم، اجتماعية واقتصادية وبيئية، في حق أبناء أوسع فئات الشعب المغربي، الذين عاشوا وماتوا تحت عتبة الفقر وتمرغوا في الجهل ومرارة العيش يوما بيوم.
كما يحلمون أن الديمقراطية التي عُذب ونُفي واختطف أو أُستشهد من أجلها الكثير من المغاربة قد بدأت تتحقق فعلا وتكرس على أرض الواقع المعيش. ويحلمون أن المحاسبة والمساءلة أضحيتا قاعدة لا ينجو أو يفلت منهما أحد مهما كان موقعه أو حسبه ونسبه أو قربه من هذا أو ذاك. وعاينوا في حلمهم المشترك هذا، بالألوان الطبيعية، محاسبة ومساءلة الوزير والقاضي والسفير والجنيرال والوالي والمستشار على " الشاذة والفادة" .
ويحلمون بجرد حصيلة نهب الماضي القريب، من أموال وعقارات وأراضي وضيعات وشركات لاسترجاع ولو جزء منها وإعادة استثماره في مشاريع تنموية حقيقية تعود بالنفع الأكيد على العباد والبلاد. يحلمون أن كل برلماني ومستشار قام بتوظيف شاب معطل ككاتب خاص وخصص له 2000 أو 3000 درهم شهريا مما يتقاضاه كأجر أو تعويض على قيامه بمهمة الدفاع على من يمثلهم، وذلك كشكل من أشكال التضامن والتآزر الوطني وكتفعيل لروح المواطنة مساهمة منه في التخفيف من وطأة بطالة الشباب، رجال الغد القريب، في انتظار إيجاد فرصة عمل.
يحلمون بتخفيض الرواتب "الطيطانيكية" والامتيازات المرتبطة بها للرفع من الرواتب الهزيلة، وبإعفائها من الضرائب لأن المحدود.
يحلمون كذلك بمشاركة المنتخب الوطني لكرة القدم في نهائيات كأس العالم وبصعود الأبطال المغاربة على "البوديوم" في الألعاب الأولمبية والتظاهرات العالمية.
لكن سرعان ما يستيقظ يحلمون وتصفعهم مظاهر الواقع .
التعليقات (0)