مواضيع اليوم

مازالـت صـامــدة

 



حين وقف كل منا ليعرف عن نفسه وما هو هدفه في الحياة وليلقي بيت الشعر الذي يحضره في هذه اللحظة.. دار الميكروفون علينا جميعا وكل شخص يحاول التخلص من حرجه ويفتش داخل ذاكرته عن ذلك البيت الذي يطلبونه ويحاول حصر أهدافه في الحياة في كلمة واحدة براقة تثير الإهتمام.. جاء الدور عليها فوقفت.. بزيها زاهي الألوان.. أمسكت الميكروفون واتسعت ابتسامتها وانطلقت لتغني مقطع من أغنية سودانية معروفة
"إزياكم.. . كيفنّاكم"
تساءلت بسخرية بيني وبين نفسي: إيه الناس الرايقة دي.. الناس دي بتجيب البهجة دي ع الصبح منين؟
و حينما قدموها في جلسة لاحقة من جلسات المؤتمر.. لم أخجل من نفسي قط قدر خجلي منها في تلك اللحظة
"عائشة.. متعايشة مع فيروس نقص المناعة" -

يا لهوي -
هكذا انطلقت الفكرة بداخلي.. إذن فهذه المرأة التي كنت أحسدها على تفاؤلها هي مريضة بالإيدز
هكذا قلتها قبل أن أعرف أن المرض يسمى بنقص المناعة وأن الإيدز هو فقط المرحلة الأخيرة التي تسبق النهاية
جلست لتتحدث عن يوم اكتشافها للمرض.. بدأت بقولها: من 10 سنين
"عشرة؟" -
تساءلت.. كانت فكرتي المغلوطة السابقة هي أن مرض نقص المناعة هو حكم مستعجل بالإعدام.. لم أسمع يوما عن شخص استطاع التعايش مع المرض كل هذا العدد من السنوات
حكت لنا عائشة عن يوم إكتشافها لحملها للمرض.. عن الطبيب الذي وصمها في نفس لحظة اكتشافه لمرضها
"إسألي نفسك جبتيه منين" -
سألها بغلظة واتهام وبكت وهي تحلف لتقنعه بإخلاصها لزوجها.. فانتقل الإتهام في لحظتها إلى الزوج البريء الذي لم تتأكد هي شخصيا من برائته إلا بعد قيامه بالتحاليل اللازمة
إذا فهو ذلك الكيس من الدماء الذي تلقته في إحدى المستشفيات
لم يخطر ببالي أن أتساءل عن مصير ذلك الزواج.. بالطبع فقد تركها الزوج ومضى في طريقه.. فالندالة في مثل تلك المواقف هي السمة الغالبة على رجال شرقنا التعيس.. إلا أنها فاجأتني حين أعلنت أنه مازال بجانبها.. شادا من أزرها.. استأنفا علاقتهما الزوجية الحميمية بعد 5 سنوات من إصابتها بالمرض حين أكد لهما الأطباء أنه لا داعي لقتل العلاقة الزوجية طالما إستخدما الإجراءات الوقائية المناسبة
تفاجأت بالرجل.. و شعرت ناحيته بإحترام عظيم

"وفي يوم الواقي اتقطع.. فحصل حمل" -
قالتها ببساطة لا تتناسب مع وقع الخبر المرعب عليّ.. وضربات قلبي التي تسارعت فزعا من تخيلي لذلك الأمر
وسرحت لأتخيلها.. تكتشف حملها.. ماذا تفعل.. وهل هذا سؤال؟.. بالطبع عليها الإجهاض.. و ماذا فعل الزوج يومها؟.. بالتأكيد أصيب بالمرض ولعن اليوم الذي قرر فيه مواصلة هذا الزواج
إلا أنها أكملت.. لتخبرنا كيف طمأنها الطبيب.. فنسبة إنتقال المرض من الأم للطفل والتي يظنها البعض 100% لا تتعدى 40% وإذا تم إتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة أثناء الحمل.. ربما قلت تلك النسبة إلى أقل من 2%.. لم اكن أعلم ذلك.. و لكني إرتحت له كثيرا
و جاءت المولودة الجميلة سليمة معافاة ونجا الزوج من فكي المرض
واصلت عائشة كلامها لتحكي عن معاناة توقعتها.. منازل طردها أصحابها هي وعائلتها فور معرفتهم بمرضها.. جيران يحرقون أثاثها حين ترفض التنازل والخروج بأطفالها للعراء.. أساتذه وتلاميذ يلوكون سيرتها أمام اطفالها ويدفعونهم لترك الدراسة هربا من الوصم والإهانات
إلا انها مازالت صامدة.. و مازالت إبتسامتها تملأ وجهها.. ليست حالة فردية.. ويمكن بسهولة أن تتكرر

فكر جيدا بالأمر.. مجرد عملية بسيطة.. قد يكون ضرسا فاسدا تقتلعه عند طبيب أسنان.. أو عبوة دم فاسدة تنقل لك في إحدى المستشفيات.. فتتحول فورا لعائشة
هل تراها إهانة؟.. أن تكون يوما عائشة؟.. أقولها لنفسي كما أقولها لك.. ليتنا جميعا عند وقت الشدائد وعندما يختفي الأمل في الغد وعندما ينبذنا جميع من نحب وينتهك الكل حقوقنا
يا ليتنا وقتها جميعا.. نستطيع أن نكون.. عائشة

حقائق وأرقام
يوجد في العالم العربي حالة إصابة جديدة بفيروس نقص المناعة.. كل 10 دقائق
عدد المرضى الذين "يتعايشون" مع المرض في العالم العربي 1720000 حسب آخر إحصاء في عام 2008
عدد الذين يحصلون على أدوية لعلاج أعراض المرض 5%من عدد المصابين
خمسة وتسعون في المائة من عدد المصابين لا يحصلون على العلاج اللازم
الفيروس ينتقل عن طريق: نقل الدم.. مشاركة الحقن الملوثة.. الجنس الغير آمن.. عن طريق لبن الأم ومن الأم الحامل للجنين
الفيروس لا ينتقل عن طريق الهواء ولا الطعام ولا الشراب ولا التلامس الخارجي مع حامل المرض
نسبة انتقال المرض من الأم للجنين لا تتعدى نسبة 40% وقد لا تزيد عن 2% مع اتخاذ الإجراءات الطبية اللازمة
الوصم الإعلامي والديني للمرض بأنه عقاب من الله ولا يصاب به إلا الزناة والخطاة.. يمنع الكثيرين من القيام بالتحليلات اللازمة للكشف عن الإصابة بالمرض خوفا من "الفضيحة" والوصم والتمييز
فيروس نقص المناعة.. من الفيروسات الضعيفة.. يمكن القضاء عليها بالقليل من التعقيم للأدوات الملوثة بالفيروس.. على عكس فيروس الإلتهاب الكبدي الوبائي "سي".. لا يمانع الكثيرين في مشاركة حامل فيروس سي حياته.. إلا أن الشحن الإعلامي والصورة المفزعة التي يرسمها الإعلام لمرض نقص المناعة مسئولة إلى حد كبير عن حالة التمييز ضد المريض ونبذه من أقرب الأقربين إليه
مريض الإيدز.. هي تسمية خاطئة لمريض نقص المناعة حيث أن الإيدز هو المرحلة الأخيرة من المرض التي تسبق النهاية
يمكن للمريض الذي يحمل فيروس الـ "إتش.آي.في " أو "فيروس نقص المناعة" أن يتعايش معه لمدة تصل أحيانا إلى 25 عام وذلك باستخدام الأدوية والمحافظة على الإجراءات الصحية الصحيحة




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !