ماذا يريد اليسار واليمين الاسرائيلي؟
بدا المدون محمد شحاتة وكأنه وجد صيدا ثمينا حين نقل على صفحة مدونته مقالا مترجما عن موقع هآرتس للكاتب الاسرائيلي يتسحاق لأور بعنوان (اطول احتلال في العالم) في اشارة الى الوجود الاسرائيلي العسكري في الضفة الغربية منذ حرب عام 67 .. وقد بلغ تهليل المدون وتكبيره اقاصي النيل وهو يرقص فرحا وطربا بعد ان نسف موقع هآرتس كل اباطيلنا واقاويلنا وكشف تخرصاتنا ومراوغاتنا وعرّى مزاعمنا وادعاءاتنا مذ بدأنا التدوين على صفحة ايلاف..
الحقيقة انني اشارك المدون فرحه وسروره.. فموقع هآرتس يستحق منا وقفة اجلال واحترام تقديرا لجهوده الكبيرة ورفعه راية الجهاد لحماية الديمقراطية والعلمانية والتعددية والحقوق المدنية في دولة اسرائيل.. والحقيقة ايضا انني كنت لا اخفي ابتسامتي وانا اطالع تعقيب المدون ابو شحاتة على مقال هآرتس وكأنها المرة الاولى التي يطالع صاحبنا مقالا على موقع هآرتس.. وكأنه يسمع لاول مرة عن اليسار الاسرائيلي.. وكأنه يألف التهليل والتزمير والتطبيل وكيل المديح للسلطان ولا يألف ما هو سواه.. وكأنه يظن او يتوقع بان المجتمع الاسرائيلي قاطبة يصفق لبقاء الوجود الاسرائيلي العسكري في اراضي الضفة الغربية... وكأن الكاتب والمثقف الاسرائيلي لا يجب ان يقول كلمة حق في حضرة السلطان.. وكأن الشارع الاسرائيلي ليس الا مجموعة من الخراف تسير خلف قائدها.. وكأنه لم يسمع عن دور المعارضة في مجتمع ديمقراطي... وكأن حرية التعبير والرأي تنحصر في اسماع صوت من يلف لف النظام ويسير في ركابه.. وكأن الاحزاب لا يجب ان تخرج عن طور الحاكم ودور الابواق المطبلة للنظام والمعجبة حد الهيام بحكمة الملك...
هي فرصة اذن لنقر ونشهد بان اليسار الاسرائيلي هو يسار محارب.. نعم اليسار الاسرائيلي يطالب بالانسحاب من اراضي الضفة الغربية.. اليسار الاسرائيلي يطالب باقامة دولة فلسطينية بحدود 67 اليوم قبل الغد.. ويقف سدا منيعا امام سطوة الحاخامات وتأثيرهم في مجريات السياسة الاسرائيلية وفي الحياة العامة.. ويطالب بمنح اعلى حد من حرية الرأي.. ويدعو الى رفع الحصار الجوي والبحري عن قطاع غزة... ويحارب من اجل ارساء ركائز المساواة والعدل الاجتماعي لكافة مكونات المجتمع الاسرائيلي... ويجاهد ضد كافة مظاهر التمييز بحق العرب في اسرائيل.. ويحذر من تزايد مظاهر التطرف والتعصب الديني والهوس المسيحاني والاستيطاني وتفاقم بوادر القومية الدينية في اسرائيل..
ويقود اليسار الاسرائيلي هذه الايام حملة هي الاضخم منذ عام 67 لمقاطعة بضائع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية ذاك لزيادة الضغط على الحكومة اليمينية في اسرائيل وارغامها على قبول تنازلات في موضوع الضفة، وعزل المستوطنات وتحجيم قدرتها على الاتساع ومن ثم تسريع ازالتها.. وينشط اليسار الاسرائيلي خلال السنوات الاخيرة بشكل محموم وغير مسبوق لكبح جماح كل بادرة من شأنها ان تقوض دعائم الديمقراطية في دولة اسرائيل.. ويهب اليسار الاسرائيلي فزعا كلما اقدمت الدولة على مصادرة ارض فلسطينية خصوصا في مناطق الضفة الغربية.. ويشارك نشطاء اليسار في المظاهرات اليهودية الفلسطينية ضد الجدار العازل وضد هدم البيوت الفلسطينية وفي مواجهة عمليات الاستيلاء على الممتلكات الفلسطينية يفعل ذلك في قرية بلعين ونعلين والشيخ جراح وسلوان وفي كل مكان... ويطلق اليسار هذه الايام حملة شعواء سنامها مسيرة جماهيرية ضخمة ستنطلق لدعم القرار الفلسطيني والدولي للاعتراف بدولة فلسطينية في ايلول المقبل...
وتنشط مجموعة كبيرة من الكتاب (المقاتلين) اليساريين على عدة مواقع الكترونية منها موقع هآرتس حيث تنشر يوميا عشرات المقالات التي تدعو جهرا وبعبارات نابية ولاذعة الى كبح سياسة الحكومة اليمينية ودعوة الجمهور الاسرائيلي بان لا يقف مكتوف الايدي ازاء ممارسات الحكومة وان يقول كلمته حتى لو كلف الامر النزول الى الشارع والميادين ليقول لا للاستيطان لا للاحتلال نعم لدولة فلسطينية نعم لمقاطعة المستوطنات نعم للانسحاب من اراضي الضفة الغربية نعم للقدس عاصمة لدولتين لا للمارسات الفاشية والعنصرية لا للتطرف الديني والعرقي والقومي نعم لحقوق متساوية للعرب لا لفتاوى الحاخامات العنصرية نعم لفصل الدين عن الدولة لا للممارسات التي تهدد الديمقراطية نعم لدعم الحكومة الفلسطينية في الضفة نعم لمنح سيادة للفلسطينيين نعم لمزيد من الثقة بحكومة ابو مازن بوصفها شريكا حقيقيا للسلام نعم لايجاد حل مرضي ومنصف للطرفين...
طيب ماذا يريد اليمين الاسرائيلي الذي يشكل الغالبية في الكنيست الاسرائيلي وفي المجتمع الاسرائيلي اليوم لماذا كل هذا التصلب والتعنت لماذا يرفض الحلول المطروحة ولا يثق بحكومة ابو مازن ويعرقل كل بادرة للتقدم باتجاه حل الدولتين ويمضي في توسيع المستوطنات ويضرب عرض الحائط كل مبادرة لتجديد المفاوضات ويرفض الانسحاب من غور الاردن ويؤيد المستوطنات ويريد الابقاء على الوجود اليهودي في الضفة الغربية ويسن القوانين العنصرية والجائرة ويمنع دخول الاساطيل الى غزة ويرفض انهاء الحصار...
في الحقيقة ان ممارسات اليمين لا تخلو من نزعات ايديولوجية دينية قومية من جهة، ومن نظرة واقعية موضوعية من جهة اخرى.. فالاولى لها علاقة بالايمان العميق بنصاعة الحق اليهودي في ارض اسرائيل، كل ارض اسرائيل، وتستند الى مواقف فكرية راسخة وثابتة بان الله حق وان وعد الله حق وان ارض اسرائيل انتزعت بالقوة من الشعب اليهودي وان الشعب اليهودي سلخ بالقوة عن ارضه ولا بد من اعادة الحق كامل الحق الى اصحابه الشرعيين.. وتستمد زخمها من الايمان العميق بوحدة المصير لشعب اسرائيل في كل مواقعه واماكن تواجده وان ارض اسرائيل كلها محط انظار اليهود في كل مكان والوطن الوحيد لليهود الذي لا وطن لهم سواه وان بيت المقدس اليهودي درة ارض اسرائيل وذروة سنامها وان أورشليم عاصمة اسرائيل التاريخية والابدية تم خطفها من بني اسرائيل في ليل وان الضفة الغربية تحتضن اماكن مقدسة لليهود وتحتفظ بمجد مملكة يهودا الغابر وتجسد احلام الشعب اليهودي وآماله وآلامه ومعاناته وطموحاته وذكرياته وهي مهبط الوحي ومنزل أنبياء اسرائيل وفيها مراقد الاباء والاجداد والامهات ومقامات الصديقين والاولياء... ولا يجوز شرعا او اخلاقيا ان يتنازل الشعب اليهودي عن ذرة تراب واحدة من ارض اسرائيل...
اما الثانية فتندرج ضمن اطار الصراع السياسي والعسكري والاستراتيجي بين اسرائيل وجيرانها.. وتعاظم قوة الفصائل والتيارات والحركات الفلسطينية والعربية والاسلامية التي ترفض الحوار والتطبيع مع اسرائيل.. ويتسائل اليمين الاسرائيلي ما فائدة الحوار والمفاوضات والتنازلات اذا كانت الغالبية من الشعب الفلسطيني والعربي لا تعترف باسرائيل وتتطلع الى تحرير فلسطين كل فلسطين من النهر الى البحر وتصر على حق العودة الى الداخل الاسرائيلي.. ماذا سيتبقى اذن من اسرائيل.. كيف واين ستستقبل اسرائيل جموع وملايين اللاجئين الفلسطينيين العائدين الى قراهم ومدنهم في الداخل الاسرائيلي... وما جدوى هذا السلام الذي لا يتضمن اعترافا صريحا بحق اسرائيل في الوجود.. وكيف نتفاوض مع حماس التي تتطلع وتسعى من خلال ميثاقها وممارساتها على الارض الى محو اسرائيل عن الخارطة... وماذا لو فازت حماس في الانتخابات القادمة في اراضي الضفة الغربية ونصبت صواريخها على مرمى حجر من التجمعات الاسرائيلية الرئيسية وتصبح اسرائيل كلها تحت رحمة صواريخ حماس وتقيم حماس قاعدة ايرانية في الضفة والقطاع وتصبح الجبهة الاسرائيلية الداخلية كلها مهددة ومكشوفة امام القذائف الحمساوية وتكون المنشئات الاسرائيلية الحيوية كلها على مرمى قوس من الصواريخ الفلسطينية ويكشف الالتحام الفلسطيني الفلسطيني على ضفتي النهر ظهر اسرائيل ويعرضها الى خطر وجودي ماحق وحقيقي...
حينذاك ستكون اسرائيل مضطرة بان تعطي بيد وتأخذ باليد الاخرى.. فبعد الانسحاب من قطاع غزة وجدت اسرائيل نفسها مكرهة على ضرب حصار من جديد على غزة لمنع تدفق الاسلحة والصواريخ الى القطاع، هذه الصواريخ التي يتم تحسين مداها كل يوم حتى باتت تهدد تل ابيب وضواحيها...
ولماذا تتحمل اسرائيل لوحدها كامل المسؤولية تجاه الفلسطينيين فيما الدول العربية التي لعبت دورا رئيسا وشاركت بشكل فعال في الصراع الذي افضى الى نكبة الشعب الفلسطيني تتجرد من أي نوع من المسؤولية... لماذا يتم توجيه الغضب العربي الفلسطيني تجاه اسرائيل فيما تنعم الاردن مثلا بغنيمتها باستيلاءها على شرق الاردن دون ان تتعرض لاي مسائلة فلسطينية او عربية... لماذا لم ينتفض المجتمع الفلسطيني خلال فترة الاحتلال الاردني للضفة الغربية... لماذا لم نسمع عن مقاومة في الضفة والقطاع خلال الاحتلال المصري والهاشمي قبل عام 67 رغم ما تعرض له المجتمع الفلسطيني من صنوف القمع والاضطهاد خلال تلك الفترة... لماذا يسكت العرب عن الاضطهاد والتمييز الذي تمارسه الدول العربية "المضيفة" بحق اللاجئين الفلسطينيين وتمنع التوطين على اراضيها لمن شاء منهم ذلك... أي سلام هذا واسرائيل لا تظهر على صفحات الخرائط العربية وفي مناهج التعليم في الدول العربية ولا تتوقف الشعوب العربية عن التحريض ضد اسرائيل... يعني باختصار ماذا بعد الانسحاب من الضفة الغربية... ها قد حصلت الحكومة الفلسطينية في الضفة على ما يشبه الحكم الذاتي فماذا بعد؟؟ وما الذي تغير؟؟ هل تحسنت صورة اسرائيل بنظر المواطن الفلسطيني والعربي... هل تراجعت حماس وايران وحزب الله ومعظم الشعوب العربية عن هدفها المعلن وعن حلمها في ازالة اسرائيل عن الوجود... هل نسيت الدول العربية ثاراتها مع اسرائيل، كما حصل في اوروبا مثلا بعد الحروب الكونية... هل ثمة بصيص من الامل لفتح صفحة جديدة... هل تلاشت الضغائن والكراهية والحقد والنوايا المبيتة بعد انسحاب اسرائيل من القطاع وقسم من اراضي الضفة الغربية...
اسرائيل اذن امام شرين كلاهما مر.. واحلاهما علقم... إما الانسحاب من الضفة وافساح المجال امام قيام دولة فلسطينية معادية لاسرائيل تتخذ من الضفة الغربية كما القطاع قاعدة لمحاربة اسرائيل واضعافها وزعزعة استقرارها وتقويض دعامئها وكيانها.. او الاحتفاظ باراضي الضفة الغربية الى حين ينجلي الامر وهو ما قد يطيل امد الاحتلال البغيض والمبغوض من قبل الاسرائيليين والمجحف بحق الفلسطينيين، الى اجل غير مسمى .. وبذلك يوفر الذرائع والحجج لاعداء اسرائيل لمهاجمتها وتحويل الغضب باتجاهها بل وتوجيه السهام الى الحكومة الاسرائيلية والجيش الاسرائيلي من الشارع الاسرائيلي ذاك الذي ما فتئ يتسائل كيف يستوي الاحتلال والديمقراطية.... كيف تستوي الديمقراطية ومنع شعب من تقرير مصيره....
بانتظار نصائحكم ومقترحاتكم السديدة... كيف هو السبيل للخروج من هذا المأزق الشائك بما يرضي الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي .........
التعليقات (0)