نظرا لأهمية قضية فلسطين المقدسة فهي تستحق الإطالة والإسهاب وأنقل بعض المقالات ليعلم الجيل الحالي ماذا يريد العالم وخاصة العربي من فلسطين وأين يذهب بها عباس وإلى حضراتكم بعضها:
سوف يسجل التاريخ أن تبني برنامج النقاط العشر لم يكن برنامجًا للحد الأدنى، كما أعلن، وسُوّغ، ومُرّر، بمعنى أن ثمة برنامجا معه للحد الأعلى، وهو تحرير كامل التراب الفلسطيني وإنما كان تمهيدا لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية التي احتلت في يونيو/حزيران 1967، أو في الأدق إقامة دولة للفلسطينيين على أي جزء من الأراضي.
فقرار المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر عام 1988، بإعلان الدولة الفلسطينية وفقا لقرار مجلس الأمن 242 أي على الأراضي التي احتلت عام 1967، أكد أن برنامج النقاط العشر لم يكن برنامج الحد الأدنى وإنما التمهيد لإقامة الدولة الفلسطينية على جزء من أرض فلسطين التاريخية.
ثم أصبحت هذه الدولة الفلسطينية التي هي الدويلة الفلسطينية في واقع الأمر توصف بالحلم الفلسطيني والأمل الفلسطيني تماما كما لو أنها الهدف الأعلى أو برنامج الحد الأعلى.
"
وكان هذا بدوره تمهيدا ليتطور إلى ما يسمى الآن حل الدولتين أي حل القضية الفلسطينية حلا نهائيا على أساس قيام الدولتين، لو قيل في عام 1973/1974 إن برنامج النقاط العشر سينتهي إلى مشروع حل الدولتين لما رأى النور ولقوبل بالرفض بإجماع فلسطيني حتى من قبل الذين وافقوا عليه وكانوا قلة في ذلك الحين، وبالمناسبة لم توافق حركة فتح التي كانت قيادتها وراء طرح مشروع النقاط العشر على هذا البرنامج إلا بعد سبع سنوات في مؤتمرها الرابع لأن الانتقال من برنامج التحرير الكامل إلى برنامج النقاط العشر كان يتطلب قرارا من المؤتمر.
عندما يقال مشروع حل الدولتين لم نعد أمام موضوع مجرد إقامة دولة فلسطينية على الأرض التي احتلت عام 1967 بعد تحريرها، وإنما أصبح الحل النهائي للقضية بما يعني التنازل عن 80% من فلسطين هذا إذا لم تبتلع المفاوضات التي ستصل إلى اتفاق الدولتين أغلب القدس وجزءا مقدرا من الـ20% العتيدة.
وعندما قدم الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش مشروع حل الدولتين بالاتفاق المسبق مع أرييل شارون في حينه أردفه بعد مؤتمر أنا بوليس بـ"إيجاد آلية دولية للتعويض للاجئين"، أي أن حل الدولتين من وجهة نظر أميركا وشارون وليفني وأولمرت يعني التنازل عن حق العودة ليحل محله التعويض والتوطين والوطن البديل، ومن ثم يكذب من يذهب إلى المفاوضات حين يقول إنه متمسك بحق العودة.
إن كل من يظن أن حل الدولتين الذي يطرح اليوم باعتباره الحل النهائي لا يتضمن إلغاء حق العودة، أو التنازل الفلسطيني والعربي عن حق العودة يكون واهما ويحاول ذر الرماد في العيون من أجل تمرير حل الدولتين كم مُرّر من قبل مشروع النقاط العشر باعتباره مرحلة على طريق التحرير الكامل أو كما مرر مشروع الدولة الفلسطينية عام 1988 باعتباره الهدف الفلسطيني الذي يقوم على الأراضي المحتلة عام 1967 ومن ثم لا يعني التخلي عن حق العودة ولا الأراضي التي احتلت فوق تلك التي قررها قرار التقسيم 181 لعام 1947.
فالحديث الآن لا يدور حول سلطة وطنية تحولت إلى الدولة الفلسطينية التي تقوم بعد انسحاب العدو من الأراضي التي احتلت عام 1967، وإنما عن حل نهائي للقضية الفلسطينية برمتها بما يتضمن الشطب النهائي للحق الفلسطيني والعربي والإسلامي في كل فلسطين، كما شطب حق العودة، وحق تقرير المصير وحق تحرير فلسطين من الاغتصاب الذي تعرضت له في عام 1948/1949 بإقامة دولة الكيان الصهيوني وبالمناسبة فالذين يتحدثون عن حل عادل لقضية اللاجئين يلتفون على حق العودة باستخدام عبارة حل عادل.
ومن ثم لا يصبح من حق أحد أن يتحدث عن النكبة التي وقعت عام 1948، والتي يُحتفى هذا الشهر بذكراها الواحدة والستين لأن حل الدولتين باعتباره الحل النهائي يسقط كل ما قبله من حقوق فلسطينية أو عربية أو إسلامية في فلسطين وفي القدس وهو ما يعنيه شعار حل الدولتين.
إن الخلل الأساسي التاريخي الذي ارتكب عندما طرح برنامج النقاط العشر وبالتحديد هدف إقامة سلطة وطنية فوق الأراضي التي ينسحب منها الاحتلال كان يراد منه أن يصبح هدفا ليحل لاحقا، وتدريجيا مكان هدف تحرير الأراضي التي احتلت عام 1967 من خلال العودة إلى خطوط الهدنة السابقة للخامس من يونيو/حزيران، لأن وضع السلطة الوطنية هدفا أو وضع الدولة الفلسطينية هدفا سيجر فورا إلى المساومة على الأراضي والتفاوض حول إقامة السلطة أو إقامة الدولة.
فهدف دحر الاحتلال عن الأرض وبعد ذلك يتقرر الوضع السياسي للأراضي المحررة يحصر الموضوع في الاحتلال ودحره وليس في موضوع ما سيحل مكانه بعد ذلك ويغلق أية مساومة حوله كما يضع الاعتراف بالدولة القضية الفلسطينية كلها تحت المساومة.
وبعبارة أخرى فإن الخلل في طرح هدف الدولة قبل تحرير الأرض قاد منظمة التحرير -كما عبر عن ذلك حتى في قرار المجلس الوطني بإعلان الدولة عام 1988- إلى اتفاق أوسلو والآن إلى "حل الدولتين"، وذلك لمساومة الفلسطينيين على الدولة أو السلطة.
أما لو حصر الهدف في دحر الاحتلال من الأراضي المحتلة عام 1967 وترك ما سيحل بعده إلى ما يقرره الشعب الفلسطيني وهنا أيضا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن القضية الفلسطينية ليست قضيته وحده يقرر فيها كما يشاء، وإنما هي قضية عربية وقضية إسلامية وقضية إنسانية أيضا.
هذا الخلل الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن ليصبح حل الدولتين هدفا تتبناه سلطة رام الله وعدد من حكومات الدول العربية باعتباره الحل النهائي للقضية الفلسطينية الأمر الذي يجعله حل تصفية القضية الفلسطينية بامتياز حتى لو افترضنا جدلا أن الدولة الفلسطينية ستقوم على كل الأراضي التي احتلت في يونيو/حزيران 1967 بما يتضمن تفكيك المستوطنات التي كان مستوطنوها قبل اتفاق أوسلو 190 ألفا وأصبحوا الآن أكثر من 590 ألفا، وبما يضمن هدم الدار واستعادة القدس الشرقية والمسجد الأقصى بالكامل.
علما بأن الرئيس محمود عباس أقر بمبدأ تبادل الأراضي مع المستوطنات وباقتسام القدس وإيجاد حل للأماكن المقدسة ودخل عبر المفاوضات الثنائية المباشرة في تفاصيل حل قضية اللاجئين وتبادل الأراضي وحالة الأغوار والحدود وتعثرت المفاوضات عند أجزاء من القدس الشرقية أصر على جعلها العاصمة للدولة الفلسطينية في الحل النهائي "حل الدولتين"، وقد عجز أولمرت برغم اقتناعه عن تلبية ذلك فلم تتم التسوية قبل نهاية 2008، كما أراد جورج دبيلو بوش.
مع مجيء نتنياهو وحكومته الائتلافية اشترط في أي حل الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية وعدم الاكتفاء بـ"إسرائيليتها" والقصد اعتبار من تبقى من الفلسطينيين بعد إقامة دولة الكيان الصهيوني بلا حقوق فيها ما دامت دولة لليهود فقط، وبهذا تسقط حقوقهم باعتبارهم أصحاب الأرض الأصليين ومن ثم يتضمن الاعتراف بيهودية الدولة التمهيد لتهجير بعضهم ومبادلة بعض آخر.
وبهذا انتقلت المعركة الآن لإقناع نتنياهو بإعلان القبول بـ"حل الدولتين" ضمن الحدود التي وافق عليها شارون وأولمرت وليفني وباراك، وهذا يقتضي من الضاغطين عليه أن يقدموا له شيئا مقابل ذلك ولو كان وعودا.
فيا للوطنية الفلسطينية حين يصبح همها إقناع إدارة أوباما بالضغط على نتنياهو لقبول مبدأ حل الدولتين وهو المشروع الإسرائيلي الأميركي (بوش- شارون) أصلا علما بأنه سيوافق عليه بل هو موافق عليه عمليا، لأن كل ما عداه في غير مصلحة الكيان الصهيوني ولا بديل لهم عنه.
فنتنياهو يرفض الاعتراف المسبق بحل الدولتين ليبتز إدارة أوباما أولا فيما يتعلق بالموضوع الإيراني وليدفع ثانيا إلى ممارسة الضغوط على الدول العربية لتقديم تنازلات تطبيعية وإجراء تغيير على المبادرة العربية بالرغم مما قدمته من تنازلات مجانية مسبقا وذلك بإعلان الاستعداد العربي الجماعي بالاعتراف بدولة الكيان الصهيوني في حالة تمام حل الدولتين، أما ثالثا فاستدراج المزيد من التنازلات الفلسطينية عبر الرئيس محمود عباس وحكومته سلام فياض.
وبكلمة واحدة إنها قصة تنازل أو تدحرج بدأ مع برنامج النقاط العشر وتحويل الدولة الفلسطينية إلى الحلم الفلسطيني وليس تحرير فلسطين وانتهى الآن إلى مشروع حل الدولتين ولم نصل قاع التنازلات المطلوبة بعد.
كتب توماس فريدمان بصحيفة نيويورك تايمز يوم 17 من سبتمبر/أيلول الجاري: "لم أقلق قط على مستقبل إسرائيل مثلما أنا قلق عليه اليوم. فانهيار الدعائم الأساسية لأمن إسرائيل –السلام مع مصر، والاستقرار في سوريا، والصداقة مع تركيا والأردن- مع وجود حكومة هي أقل الحكومات حنكة دبلوماسية وخبرة إستراتيجية في تاريخ إسرائيل، قد وضعا إسرائيل في وضعية خطيرة للغاية".
وليس من ريب أن هذا تقييم دقيق للميزان الإستراتيجي المتبدل في المنطقة، بقلم رجل غير متهم في محبة إسرائيل، بل هو يفاخر -في كتابه "من بيروت إلى القدس"- بأنه "عاشق لإسرائيل رغم مساوئها".
بيد أن الذين يسعون إلى الحصول على اعتراف من الأمم المتحدة بدولة فلسطين اليوم لا يبدو أنهم مدركون لهذا التبدل في الميزان الإستراتيجي لصالح قضية فلسطين. فرغم حسن النيات وراء المبادرة الفلسطينية والعربية للحصول على هذا الاعتراف، فإن المبادرة تبدو لي في الزمان الخطأ تماما، وهي تخدم بقاء الدولة الصهيونية أكثر مما تخدم القضية الفلسطينية التي أصبح الوقت في صالحها لأول مرة منذ نكبة 1948. فقد تكشف الربيع العربي عن تحوير للمحيط الإستراتيجي تحويرا عميقا لصالح الفلسطينيين. وما على الفلسطينيين اليوم سوى الصبر بضع سنين أخرى –ستكون أخف وطأة من سابقاتها- لكي يرتفع عنهم الظلم التاريخي الذي حاق بهم.
إن بقاء إسرائيل بتركيبتها الاستعمارية الشوفينية الحالية ارتكز على ركيزتين: الدعم الأميركي الأعمى، وتواطؤ القادة المستبدين في الجوار العربي والإسلامي، أو عدم فاعليتهم. بيد أن الربيع العربي قد وضع هذه المعادلة على أبواب التغيير الحتمي. فثمن إسرائيل يتراكم يوميا على الكاهل الأميركي، وسيصل قريبا إلى مستوى لا يستطيع الأميركيون أن ينوؤوا به. والمحيط الإقليمي قد بدأ تحولا عميقا يخدم القضية الفلسطينية ويسحب البساط من تحت العنجهية الإسرائيلية.
لقد فقدت إسرائيل خلال الشهور الماضية أهم ركائز دعمها الإقليمي. فقد طردت القيادةُ التركية السفيرَ الإسرائيلي من أرضها بعد أن كانت تركيا أهم حليف إستراتيجي للدولة اليهودية طيلة نصف قرن، وطرد الشعب المصري السفير الإسرائيلي من أرضه بعد ثلاثة عقود من إخضاع مصر للأهواء الإسرائيلية، وهرب السفير الإسرائيلي من الأردن صاغرا وقد كان يصول في عمَّان صولة الملوك.
وحينما ينظر المؤرخون بأثر رجعي إلى هذه الأعوام بعد عقدين من الآن -حينما لا يكون في العالم دولة اسمها إسرائيل- فسيجدون أن الجشع الصهيوني الذي لا حدود له، والدعم الأميركي الأعمى الذي لا رادع له، هما السببان في هلاك مشروع الدولة الصهيونية غير المأسوف عليها، وفي إنقاذ فلسطين من الضياع الأبدي. وكأني بأحد أولئك المؤرخين وقد كتب في حدود عام 2030 يقول: "لقد رفض المستعمرون اليهود بكل جشع تقاسم الأرض مع أهل الأرض حينما كان ذلك ممكنا، كما فعل إخوانهم في العنصرية بجنوب أفريقيا، واستمرؤوا الظلم الفادح في وضح النهار، وأعانهم على ذلك ظهير دولي غربي أعماه الميراث الاستعماري والتحيز ضد العرب، والحقد على الإسلام. ثم جاء الربيع العربي مع مطلع عام 2011 فقلب المعادلات وبدَّل الموازين، فرفض الفلسطينيون بعد ذلك تقاسم الأرض أو قبول الذل، وكانت تلك نهاية دولة إسرائيل" (انتهى الاستشهاد).
الحلول المتصورة للقضية الفلسطينية
إن الحلول المتصورة للقضية الفلسطينية تنحصر اليوم في خيارات أربعة:
أولها: خيار التقسيم الجغرافي لفلسطين، وهو حيف في حق الفلسطينيين والعرب، حيث سيحصلون على مناطق جرداء أو مكتظة تستحيل الحياة الكريمة فيها، وتحرمهم من مقدساتهم وآثارهم التاريخية، وتحرم ملايين اللاجئين منهم حق العودة إلى أرضهم. فغاية ما سيؤدي إليه هذا التقسيم هو بلدية فلسطينية (تتسمى باسم دولة) منزوعة السلاح، تدور في الفلك الصهيوني وتعيش في ظلال بطشه. فليس التقسيم الجغرافي لفلسطين خيارا مناسبا على الإطلاق.
ثانيها: خيار المصادمة، من خلال حرب عسكرية نظامية شاملة، وهذا غير ممكن في ظل اختلال ميزان القوة العسكرية، وامتلاك الدولة الصهيونية ترسانة نووية. فثمن هزيمة إسرائيل هزيمةً ماحقة –على افتراض إمكانه عمليا- سيؤدي إلى نشوب حرب نووية، وهو ما سيجعل ثمن تحرير فلسطين أكبر مما يمكن القبول به. فلا أحد يريد تحرير القدس أو حيفا بتدمير القاهرة أو دمشق أو طهران أو إسطنبول.
ثالثها: خيار الاستنزاف من خلال حركة مقاومة شعبية صبورة، وهذا كان ممكنا في الماضي لمّا كانت روح حركات التحرر في عنفوانها منتصف القرن العشرين، وكانت الحاضنة الإقليمية والدولية مواتية. لكن تواطؤ بعض الحكام، وضعف آخرين، حال دون نجاح هذا الخيار في حينه. ولا يزال هذا الخيار مفيدا إذا جاء ضمن إستراتيجية رحبة تشمل عناصر أخرى. فحروب الاستنزاف هي سلاح الضعيف عسكريا، ووسيلته في إضعاف ثقة القوي بنفسه وإزعاجه حتى يقبل التنازل.
رابعها: خيار الامتصاص، والمقصود به امتصاص اليهود الراغبين في العيش في فلسطين ضمن دولة واحدة يتمتع فيها العرب واليهود بحقوق المواطنة المتساوية، ويرجع إليها كافة الفلسطينيين المشردين في أرجاء الدنيا معزَّزين مكرَّمين. وهذا هو الخيار الإستراتيجي الذي ينبغي التركيز عليه، وعدم القبول بغيره في اعتقادي. فهذا الحل -الذي يشبه ما تم اعتماده لتفكيك دولة العنصرية في جنوب أفريقيا- سيكون أفضل الحلول على المدى البعيد، وأقربها إلى تحقيق المصلحة الفلسطينية، وأخفها ثمنا من الدماء.
أهم ميزات خيار الامتصاص
ولعل أهم ميزات حل الامتصاص هذا، هو الآتي:
أولا: أنه يضمن للفلسطينيين العودة إلى أي مكان من فلسطين التاريخية، وإحياء رابطتهم بأرضهم التي ولدوا عليها أو ولد عليها آباؤهم. وهذا حل جذري لمشكلة ملايين اللاجئين الفلسطينيين.
ثانيا: أنه سيقلب المعادلة الديمغرافية لصالح الفلسطينيين، وهو ما سيجعل الوجود البشري الصهيوني غير ذي خطر، بل سيضعه على طريق الاندماج في الثقافة العربية الإسلامية، كما اندمج فيها اليهود في سالف الأيام.
ثالثا: أنه يجرِّد الصهاينة من قوتهم العسكرية المسلطة على رقاب أمتنا منذ ستين عاما بكل عنجهية وابتزاز. وهذه مصلحة تتجاوز حدود فلسطين إلى الأمة العربية والإسلامية برمتها.
رابعا: أنه سيفجّر هجرة يهودية معاكسة من فلسطين. فالعديد من الإسرائيليين الذين يحمل العديد منهم جنسية مزدوجة سيفضلون الهجرة إلى الغرب. وفي ذلك فرز مفيد بين اليهودي ذي الجذور الشرقية والآخر الآتي من وراء البحار.
قد يقول قائل: هذه مجرد أحلام شاعر، لن يرضى بها الإسرائيليون ولا ظهيرهم الدولي. وهي أحلام حقا، لكنها أحلام تتأسس على قراءة واقعية للتحولات الاجتماعية والسياسية في المنطقة. لقد خلع الشباب العربي ربقة الخنوع، وأمسك الشعب العربي زمام أمره بيده، ولا تستطيع قوة أن تقف في وجه التحول التاريخي الذي ندعوه اليوم باسم الربيع العربي، وهو تحول سيغير المنطق الإستراتيجي برمته في المنطقة. فالاستبداد كان أهم رأسمال ضامن لبقاء الدولة الصهيونية وأكبر ضامن للنفوذ الغربي، لكنه اليوم يتهاوى أمام شجاعة الشباب العربي الثائر.
أما قبول الصهاينة وظهيرهم الدولي بهذا الحل فهو لن يكون عن طيب خاطر بطبيعة الحال، ومتى تحررت الشعوب بمنّة من مستعمريها؟ وإنما سيكون قبولهم بذلك خوفا من خسارة أكبر، بعد تحرر الشعوب العربية وأخذها بزمام أمرها. فلن تكون علاقات الغرب –خصوصا الولايات المتحدة- بالشعوب العربية مستقبلا علاقة تبعية من خلال حاكم مستبد وسيط يمثل الأميركيين لدى شعبه، بدلا من العكس المفترض، وإنما ستكون علاقات ندية مع شعوب عزيزة مستقلة القرار. ويومها سيرتفع ثمن إسرائيل إلى حد يرغم الأميركيين على الاختيار بين أميركا وإسرائيل.
لقد صبر الشعب الفلسطيني ستة عقود من الاحتلال والتشرد، ولم يبق أمامه سوى بضعة أعوام من المصابرة والمنازلة مع دويلة تتآكل قاعدة وجودها يوما بعد يوم. وستكون الشعوب العربية والإسلامية مع هذا الشعب الأبيّ في معركته الفاصلة. وقد انتهى الزمن الذي كان فيه قائد أكبر دولة عربية مجرد "شاويش" لدى إسرائيل، وكان فيه أكبر رافع لشعار المقاومة والممانعة مجرد حام لحدود إسرائيل. وبدأت الدولة الصهيونية تواجه الشعوب العربية وجها لوجه في وضح النهار.
تحر الشعوب وتحرير فلسطين
إن تحرير فلسطين ما كان ليتم دون تحرر الشعوب العربية التي ظلت ترسف في الأغلال مدة مديدة. وليس من ريب أن الشعوب التي انتفضت في تونس والقاهرة وطرابلس وصنعاء ودمشق -وهي اليوم تتحفز في حواضر عربية أخرى..- قد شقت طريقا رحبا إلى القدس.
ويبقى التساؤل الكبير: هل من العدل المساواة بين صاحب الأرض ومن جاءها مستعمرا صائلا؟ وكيف يرضى الفلسطينيون بمنح حقوق المواطنة على أرضهم لمن ذبحوهم وشردوهم في أرجاء الدنيا؟، لست أدعي أن حل الدولة الواحدة حل عادل، فهو لن يحقق العدل بطبيعة الحال، لكني أزعم أنه حل إستراتيجي حكيم، يرفع بعض الظلم بأقل ثمن ممكن، ويفتح الباب لاندمال جرح تاريخي يضغط على الضمير العربي والمسلم منذ قرن من الزمان.
فالتقاسم الديمغرافي لفلسطين خير من التقسيم الجغرافي لها، والميزان الديمغرافي يميل لصالح الفلسطينيين والعرب في الأمد البعيد. أما حل الدولتين الذي يتوسل العربُ العالمَ في سبيله اليوم فهو إنقاذ لمستقبل إسرائيل من العاصفة التي تتجمع في الأفق، وتوشك أن تضرب الوهم الصهيوني في صميم وجوده. فلا تنقذوا مستقبل إسرائيل أيها السادة، ودعوها سادرة في غيها حتى تحين لحظة المفاصلة.
المصدر....الجزيرة الفضائية
التعليقات (0)