ماذا يراد لنا أن نقرأ؟؟ لا شك في أن الإقبال على القراءة في مجموع المنطقة التي تسمى " عالما عربيا " بلغ مستويات قياسية من التراجع. وأصبح الكتاب سلعة كاسدة لا تجد من يقتنيها. و في إطار التشجيع على نشر ثقافة القراءة و حث الناس عليها، أصبحنا نشاهد في كل مكان معارض للكتاب على الأرصفة و في الساحات العامة في محاولة للفت الانتباه و تقريب هذا المنتوج إلى كل الفئات الإجتماعية القادرة على القراءة.
هذه المعارض الصغيرة التي يفترض فيها أن ترفع من نسبة الإقبال على الكتاب تنجح فعلا في استقطاب فئة معينة من القراء. وهي بذلك تساهم و لو بقدر يسير في الدعوة إلى اتخاذ الكتاب " خير جليس ". غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أي كتاب هذا؟.و ما نوعية المنتوج الذي تقدمه هذه المعارض للقراء؟. و الإجابة على هذا السؤال أمر ضروري لفهم الخطر المحدق الذي يتهدد العقول، و يضفي مزيدا من القتامة على الواقع الثقافي في حياتنا.
إذا أمعنا النظر في العناوين المعروضة، نستشعر بالتأكيد خطورة مستقبل القراءة الذي يمثل مستقبل القيم الثقافية للمجتمع. فالقاسم المشترك بين الكتب التي تعج بها هذه المعارض هو تخدير العقول. و في هذا الصدد يبرز اتجاهان يبدوان نظريا متناقضين، لكنهما على المستوى العملي يؤديان نفس الدور. إنهما يجهزان على ملكة النقد و التفكير لدى القارئ بشكل تصبح معه القراءة و سيلة للتغيير نحو مزيد من السلبية و التخلف. و هكذا تقتسم الساحة إيديولوجيتان تتنافسان على استقطاب الأنصار، لكنهما تلتقيان في الأهداف. الأولى توزع " صكوك الغفران " على المسلمين، و تغرق السوق بكتب رخيصة تصور هذه الحياة كمتاع للغرور، وتوجه الأنظار نحو عذاب الآخرة و أهوال القبور و يوم القيامة، وتستعمل في ذلك لغة الوعد و الوعيد التي تنهل خطاباتها من معين الوهابية... و نجحت في التكريس لإسلام تكفيري منغلق و مستعد للتضحية بكل شيء من أجل جنات النعيم... أما الثانية فهي تخاطب الجانب الغريزي في القارئ، وتستعمل الصورة كعنصر مهم للتأثير من خلال المجلات التي تعرض صور الفتيات الجميلات و أشكال التحرر في الثقافة الغربية، وهي تخاطب فئة الشباب تحديدا و تطير بالعقول بعيدا إلى آفاق تحكمها اللذة. حيث تتعطل معها كل إمكانية للنقد أو التفكير السليم في الواقع المعيش، وتختزل الحياة كلها في المتعة.
هكذا يفرض التطرف نفسه كعنوان أساسي في الحالتين معا. لكن الأمر ليس بغريب ما دام الإبداع الفكري قد بلغ الحضيض. و عندما لا يؤدي المثقفون دورهم التنويري في المجتمع فإن المجال يكون مفتوحا أمام كل أشكال التخدير التي تنجح في تكبيل العقول بسلاسل اللاشعور. محمد مغوتي.24/07/2010.
التعليقات (0)