ماذا لو كان الإحساس مجرد فكرة؟ إعتقدها كائن ما أو مخلوق ما؟ وانتشرت تلك الفكرة في عقول البشر عبر مورثاتها الجينية، وتطور انتشار تلك الفكرة إلى أن أصبحت مترسخة في العقل وذائبة في الوجدان .. وربما يكون الوجدان أيضاً مجرد فكرة، إستمرت بالتطور والانتشار إلى أن وصل إلى ما وصل عليه الوجدان الآن ..
ثمة حقيقة واقعية تتحدث عن أن الإحساس البشري يأخذ بالضمور، وهي حقيقة علمية أثبتتها مجموعة من الدراسات الإنسانية في هذا الشأن، فلم يعد الإنسان قادراً على الإحساس بالأشياء كالسابق نتيجة عوامل كثيرة أبرزها هذا الكم الكبير من الوسائط التي صنعت وابتكرت من أجل مساعدة الإنسان في حياته اليومية.
لقد كثرت تلك المنتجات المساعدة أو عليماً "اللوجيا"، وأصبحت كما يعتقد بعض العلماء تسيطر على الإنسان لا بالعكس، ومع تزايد اللوجيا أصبح الإنسان يفكر بمتابعة مستجداتها وتطوراتها لمواكبة العصر، ولم يعد المجال واسعاً في أن تأخذ موعداً شخصياً لك مع الذات .. لتراجع مشاعرك أو لتلهب أحاسيسك أو تسترجع ذكرياتك الحزينة كانت أم السعيدة.
ربما الأمر ليس كذلك، ولكن عندما يتعلق بموت المشاعر فهنا يتكون السؤال عن الأحاسيس الحقيقية للبشر، فلماذا نحن البشر نرى فوهات الموت قابعة في أرجاء متعددة من العالم ولا تكون ردة أفعالنا كافية لحجم هذا الموت الظالم الذي يروح ضحيته أطفالاً ومسنين وحوامل وأبرياء شفافين ومرهفي الحس كما نعتقد، وكما نعتقد بأنهم مرهفي الحس لأنهم مثلنا بشر، لكنهم مظلومون، ماذا لو وقع الأمر علينا، كيف ستكون مشاعرنا.
وماذا تفعل أحاسيسنا أما المجاعات والفقر المؤلم والعوز الشديد لمئات الآلاف من البشر أمثالنا كما نفترض، ماذا لو كنا عندهم هناك، ولا نجد طعاماً يسد رمقنا، كيف ستكون أحاسيسنا؟.
ثم ماذا نفعل بهذا الذي يختلجنا من أحاسيس التي مر بنا لحظات ثم كأننا نهرب منها ونختبيء في مكان يبعد عن تلك الأحاسيس مسافة بعيدة لا نستطيع بتلك المساحة تحديد معالم الأشياء، وربما في تلك الأوقات نشعر بالعودة الحقيقية إلى استصراخ ما بداخلنا، يؤرقنا، ونتابع الهروب.
نحن نتابع الهروب لسبب ما نستطيع توضيحه بشكل علمي ومنطقي وحقيقي كما ندعي، والسبب هو أن "الهروب" مجرد فكرة جينية متوارثة، هكذا نعلل أسبابنا ونكتفي بالقول "حسبنا الله ونعم الوكيل".
mgnaim@yahoo.com
التعليقات (0)