قد يعجب المراقب مما آل اليه الوضع الأمني الباكستاني اليوم . فالأرهاب يضرب في جميع مناطق هذا البلد بلا هوادة والقتلى والجرحى من المدنيين والعسكريين بالمئات يوميا . حتى بات الوضع الأمني العراقي المتردي جيدا أذا ما قورن بالوضع الأمني الباكستاني . وقد وصل التهديد الأرهابي الى درجة أحتلال مجموعة من طالبان لمقر قيادة الجيش الباكستاني ذاته ، وبالرغم من أن الجيش أستعاد مقر قيادته بعد معركة دامية ألا أن هذه العملية كانت مذلة للباكستانيين ومدلولاتها خطيرة جدا .
قالت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون اللتي زارت باكستان منذ ايام "إن من الصعب" تصديق أنه لا يوجد أحد في الحكومة الباكستانية يعلم مكان اختباء زعماء القاعدة .
وأضافت كلينتون، في لقاء مع محرري احدى الصحف الباكستانية في لاهور خلال ثاني أيام زيارتها إلى باكستان ، "أجد من الصعب تصديق أنه لم يكن هناك أحد في حكومتكم يعرف أين هم ولم يكن قادرا على الامساك بهم لو أنهم أرادوا ذلك حقا ".
هذا الكلام الخالي من الدوبلوماسية والصادر من وزيرة الدوبلوماسية الأمريكية ينم ليس فقط عن أنعدام ثقة كبير بين الحكومة الأمريكية وحليفتها الكبرى باكستان ، بل وعن عصبية واضحة أصبحت سمة ملازمة لأعضاء الأدارة الأمريكية وقادة الجيش الأمريكي عند الكلام عن الوضع في أفغانستان .
هذه العصبية الأمريكية لها ما يشرحها . فالزيادة الكبيرة في خسائر الجيش على الجبهة الأفغانية ، وتململ الحلفاء وتقاعسهم عن الدعم بالقوات والأموال ، وتصريحات القادة الميدانيين اللتي لا تبشر بخير واللتي تربك الأدارة وتستفز الرأي العام الأمريكي ، وغيرها من الأسباب . كل ذلك يشكل عبئا كبيرا على الرئيس أوباما وأعضاء أدارته . خاصة وأن الحرب الامريكية على العراق وأفغانستان كانتا السببين المباشرين وغير المباشرين"الأنهيار الأقتصادي" لخسارة الجمهوريين وفوز الديموقراطيين في الأنتخابات الرئاسية والتشريعية السابقة .
ومن ملامح التأثير السلبي للحرب الأفعانية ، أستقالة الدبلوماسي "ماثيو هوه" منذ ايام واللذي كان موظفا في الهيئة الدبلوماسية الأمريكية بإقليم زابول . حيث قال بعد ان رفض منصبا بديلا في العاصمة كابول " لم أعد أفهم الأهداف الاستراتجية لبقاء الولايات المتحدة في أفغانستان وفقدت الثقة فيها... إن استقالتي ليست بسبب الطريقة المعتمدة في قيادة هذه الحرب، بل لدوافعها ومراميها".
وتشير تقديرات إلى أن العام الحالي هو الأكثر دموية بالنسبة للقوات الأمريكية في أفغانستان منذ الغزو نهاية عام 2001.
كتب الأعلامي الأمريكي المعروف فريد زكريا عن مسألة الزيادة المضطردة للقوات الأمريكية المرسلة الى أفغانستان في مجلة " النيوزويك " :
في الواقع، فإن التركيز على عدد الجنود الإضافيين الضروريين "يغفل النقطة الأساسية"، كما يقول مسؤول عسكري رفيع المستوى درس الوضع في أفغانستان عن كثب . الخلاصة الأساسية لتقييمه هي الحاجة الماسة إلى تغيير كبير في استراتيجيتنا وطريقة تفكيرنا وعملنا . هذا المسؤول هو الجنرال ستانلي ماكريستال، وهذا التقييم هو مذكرته الشهيرة المؤلفة من 66 صفحة إلى وزير الدفاع. والكلام المقتبس مأخوذ من الفقرة الثالثة . هذه التغييرات في الاستراتيجية قد بدأت للتو.
بل أن الجنرال ماكريستال هذا وهو قائد عمليات حلف الأطلسي في افغانستان قد صرح بتصريح مفاجيء ، حيث قال " إن لم نتمكن من تحقيق الانتصار في أفغانستان خلال سنة واحدة فمن المتوقع تجريد الحكومة الأمريكية عن تأييد شعبها " . والعبارة الأخيرة هي تعبير مخفف لعبارة سنخسر الحرب .
ادت سلسلة من الاشتباكات بين القوات الروسية ومقاتلين متسللين من افغانستان في آسيا الوسطى خلال العام الجاري الى الحديث عن تسلل طالبان الى المنطقة المضطربة والفقيرة التي تستغلها الولايات المتحدة لنقل الامدادات الى قواتها التى تحتل أفغانستان. وقال زامير كابولوف سفير روسيا فى افغانستان المنتهية ولايته انه يجب على الغرب ان يركز على التصدي لمحاولات طالبان لمد نفوذها في شمال افغانستان حيث توجد حدود البلاد مع اوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان معبرا عن قلقه الشديد بشأن هذا الامر.
وحتى الأنتخابات الرئاسية الأفغانية الأخيرة واللتي حملت كرزاي الى الرئاسة لفترة جديدة بطريقة الغش والتلاعب بشهادة الأمم المتحدة دلالة واضحة على تخبط السياسة الأمريكية في أفغانستان .
كل هذه التطورات في أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى ، أضافة الى العمليات الأرهابية اللتي ضربت في أيران ولازالت تضرب في العراق . وازدياد عمليات الكشف عن خلايا أرهابية في اوربا وامريكا في الشهرين الأخيرين تعطي أمثلة على ما ستؤول اليه الأمور في العالم ، والأهم في منطقتنا العربية أذا ما قررت الولايات المتحدة الخروج من أفغانستان بنفس الطريقة اللتي خرجت بها من فيتنام .
سيناريو سيجعل من نموذج القاعدة وطالبان مثالا يحتذى لشبابنا . وعندها يجب أن نستعد لموجة من الأرهاب والفوضى مشابهة لما يحدث في باكستان حاليا .
ربما تكون هيلاري كلنتون محقة في شكوكها حول معرفة الباكستانيين بمكان بن لادن والظواهري ، وربما هي تتكلم أعتمادا على معلومات أستخبارية لديها . وأذا ما صدقت شكوكها فأن هذا معناه شيء واحد هو .
أن باكستان اصبحت شبه متأكدة من أن الأمريكان سيتركون أفغانستان في النهاية ، مما يعني عودة باكستان لتصبح جارا لدولة طالبان الثانية . وعندها ستطالبها بدفع ثمن حمايتها لقادتها من الأمريكان بكف يدها وشرها عن باكستان وترك اراضيها وبناء علاقات حسن جوار حتى ولو بطريقة سرية لاتحرجها مع الولايات المتحدة .
كنا سنتمنى ان يضرب الله الظالمين بالظالمين وأن يخرجنا منهم سالمين . ولكن أذا ما أخرجت طالبان الولايات المتحدة وحلفائها من أفغانستان فسيخسر حلفاء امريكا وأعدائها على السواء . ولن ينتصر ألا الأرهاب والصهيونية اللتي ستحمل الأسلام والمسلمين كل المسؤولية . بينما المسؤولية كلها تقع على سياسة الغرب الرعناء اللتي خلقت هؤلاء الأرهابيين قبل ثلاثة عقود ،وها هي تجر العالم الى الخراب بسياساتها الطائشة مرة أخرى .
www.bbc.co.uk/arabic/middleeast/2009/10/091029_wb_holary_afghanistan_tc2.shtml
newsweek.alwatan.com.kw/Default.aspx
www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2009/10/091027_mek_us_afghanistan_diplo_tc2.shtml
www.bbc.co.uk/arabic/worldnews/2009/10/091026_mek_afghanistan_us_casualties_tc2.shtml
التعليقات (0)