المواقف الاخيرة المتشددة للسيد حسن نصرالله من المحکمة الدولية الخاصة بإغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري، أضفت من جديد مزيدا من التوتر على المشهد اللبناني الذي هو بالاساس يشهد نوعا من التوجس و الوجوم بسبب مايمکن تشبيهه بحالة مد و جزر من جراء الصراع و التنافس العربي ـ الايراني لإستقطاب لبنان.
دعوة الامين العام لحزب الله اللبناني للشعب اللبناني لمقاطعة المحکمة، هو موقف خاص يمکن إستخلاص الحدية و الحسم من المحکمة و إعلان القطيعة و الطلاق معها منه، بل وان السيد نصرالله عندما يطلق دعوة أخرى بإحياء(اللائات الثلاث) ضد اسرائيل، يمکن أن يکشف عن الخط الاساسي للسيناريو الذي وضعه الحزب بصدد رد فعله من الوضع في لبنان بشکل خاص و المنطقة بشکل عام في حالة الضي قدما بسيناريو المحکمة الدولية ضد الحزب للنهاية، ذلك ان السيد نصرالله يعي جيدا أهمية و حيوية الجمع بين الموقف من المحکمة الدولية و الموقف المتشدد الرافض للدولة العبرية والذي أکسب و يکسب الحزب و أمينه العام تعاطفا و تإييدا إستثانئيين من جانب الشارع العربي و الاسلامي مما يحرج الدول العربية و يجعل موقفها صعبا و غير سهل في التجاذبات الدولية و الاقليمية.
وإذا ماکانت الاستراتيجية الايرانية ـ السورية مبنية اساسا على دعم حذر و مشروط و متلبد بالغيوم من بقاء السيد سعد الحريري في منصب رئيس الوزراء، فإن السيد نصرالله أيضا يتحرك وفق هذا السياق وهو يمثل الداينمو الايراني ـ السوري لتحريك و تحديد مسار الاحداث و نهاياتها وفق رٶية کل من طهران و دمشق، لکن، وفي نفس الوقت، لايمکن أبدا عزل حالة التصعيد على صعيد الملف النووي الايراني مع مسألتين مهمتين مطروحتين في الساحة بالوقت الحاضر وهما مسألة المحکمة الدولية و مايشاع بصدد سيناريو لفلفة قضية الاغتيال بعناصر تابعة للحزب، وکذلك مسألة الوثائق المعلنة من قبل موقع ويکليکس بشأن تورط رئيس وزراء العراق المنتهية ولايته السيد نوري المالکي في عمليات تعذيب بالسجون العراقية والتي أحرجت و تحرج المالکي"المحسوب على طهران" کثيرا، إذ أن کلتا المسألتين تکشفان بشکل او بآخر عن حالة من الضرب تحت الحزام ضد النفوذ الايراني بأقوى حالاته في المنطقة کما ان هناك مواقف أخرى لدول خليجية لايمکن أيضا إعتبارها او تصورها خارج هذا المسار، ويقينا فإن جدية الضغط الدولي و النسق البطئ لکن المثمر الذي يسير عليه، قد بات يزعج کلا من طهران و دمشق على حد سواء، ولاسيما طهران التي باتت ترى أن الحرب الناعمة للغرب ضدها بأيادي غير مباشرة، قد يفضي الى حالة من الخلخلة في معادلة القوة على الصعيد الاقليمي وقد يلحق بها أضرارا بالغة لايمکن تعويضها بسهولة، کما ان دمشق التي لم تکسب لحد الان شيئا على الارض من الوعود التي أغدقت عليها مقابل إبتعادها عن محور إيران ـ حزب الله، بل وانها وجدت أنها أعطت الکثير ولم تتلقى إلا النزر اليسير، ومن هنا، فإن المصلحة الايرانية ـ السورية تکمن في التصعيد و المزيد من توتير الاوضاع ولاسيما في إدخال حزب الله اللبناني بقوة في الصورة، خصوصا وانهما يجدان الظرف مناسبا جدا لمحاصرة الرئيس الامريکي باراك اوباما و دول الاتحاد الاوربي جعلهما في موقف حرج و صعب قد يدفعهما في النهاية لسلوك نهج او نسق جديد في التعامل السياسي مع الملفين الايراني و السوري على حد سواء.
جعبة السيد حسن نصرالله التي لاتخلو مطلقا من المفاجئات و غرائب الامور، سوف لن يکون إعلان الموقف الرافض من المحکمة الدولية و الدعوة لإحياء اللائات الثلاث، معناه خلو جعبة السيد من المزيد من المسائل الاخرى، ذلك أن الاوضاع الصعبة و المعقدة و الدقيقة جدا للبنان و المنطقة تحتم على السيد أن يحتفظ في جعبته بالکثير من المفاجئات خصوصا فيما لو سارت الامور بإتجاه الحسم المبين.
التعليقات (0)