اليهود ما دخلوا بلدا إلا وخربوه وما خرجوا من بلد إلا ونهبوه قبل خروجهم منه، وقد قال الله تعالى في يهود بني النضير { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار } [الحشر : 2 ].
فمنذ أن اغتصب اليهود الأرض الفلسطينية وهم يحاولون جاهدين طرد كل سكان هذه الأرض من الفلسطينيين وجعل هذه الأرض خالصة لهم لا يشاركهم فيها أحد وبخاصة مدينة القدس الشريف , فمنذ احتلالها عام 1967 ومحاولات تهويد المدينة وطرد سكانها العرب لا تتوقف بل إنهم وضعوا خطة طويلة الأمد وراحوا ينفذونها بكل دقة وبسرعة شديدة.
لقد فشل اليهود في إثبات وجود الهيكل المزعوم تحت المسجد الأقصى المبارك برغم كثرة الحفريات التي بدأت منذ احتلال مدينة القدس الشريف أي منذ أكثر من اثنين وأربعين عاما، فعمل اليهود على خلق واقع جديد من خلال خلق ما يسمى " أورشليم المقدسة".
ولأجل إيجاد " أورشليم المقدسة "فإن اليهود يعملون الآن على محورين أساسيين[1] لتحقيق هذا الحلم الذي ما فتئوا يحلمون به.
المحور الأول: تغيير الهوية الدينية والثقافية للمدينة، فالاحتلال الصهيوني يعمل على طمس الهوية الإسلامية للمدينة وإصباغها بالصبغة اليهودية من خلال تحقيق وجود مستمر لليهود داخل المسجد الأقصى ومحيطه من خلال الاقتحامات المستمرة من قوات الاحتلال الصهيوني وعصابات المتطرفين الصهاينة وكذلك حاخامات اليهود أنفسهم وقد توسعت جبهة المتطرفين الذين يطالبون بمنح الحق لليهود في الصلاة بالمسجد الأقصى المبارك.
كذلك فالاحتلال الصهيوني يعمل على تفريغ كافة الأحياء المحيطة بالمسجد الأقصى المبارك من سكانه الفلسطينيين وقد كثرت في الآونة الأخيرة قرارات هدم منازل الفلسطينيين في القدس خاصة في المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى , والاحتلال أيضا هو الذي يتحكم في كم المصلين الذين يصلون في المجد الأقصى المبارك وهو وحده الذي يحدد من يصلى ومن لا يصلى فيه , بل ذكر تقرير ( عين على الأقصى ) الذي تصدره مؤسسة القدس الدولية فإن الاحتلال قام بإبعاد الشيخ على العباسي وهو إمام المسجد الأقصى منذ سنوات وكذلك فهو يقوم أيضا باعتقال أو توقيف أي من حراس المسجد الأقصى إذا تدخل لمنع المتطرفين الصهاينة من اقتحام المسجد.
ومن خلال تنظيم الجولات السياحية للمدينة وإقامة مهرجانات واحتفالات صاخبة في المدينة بل وفى المسجد الأقصى ذاته فإن العدو يروج فكرة يهودية المدينة عالميا ومحليا.
أما المحور الثاني فهو تغيير ديموغرافيا المدينة فالعدو الصهيوني يسعى في الوقت ذاته إلى جعل اليهود هم الأغلبية وجعل المسلمين أقلية صغيرة حتى يتسنى له طردهم متى يقرر ذلك ومتى تكن الظروف مواتية له وقد حاول العدو تحديد نسبة الفلسطينيين في المدينة بـ 22% من خلال قانون سنه عام 1973، ولكنه لم ينجح في ذلك خلال الفترة الماضية لذا فهو يعمل على تكثيف الاستيطان في المدينة وجعلها مركزا لجذب المستوطنين اليهود وكذلك من خلال تهجير السكان الفلسطينيين وقد مال العدو إلى اتباع هذه السياسة في العامين الآخرين وذلك وفق ما ذكر التقدير الاستراتيجي ( 16 ) الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات.
إن العدو الصهيوني إذ يفعل كل هذا من أجل تهويد المدينة فهذا يعنى أن العدو لن يتراجع عن هذا الأمر بالطرق السلمية ولن يجدي مع العدو دعوات السلام والاستسلام أو الوعد بالتطبيع شرط إيقاف تهويد المدينة – إن وضع هذا شرطا للتطبيع وما أظنهم يفعلون - أو أي من هذه الدعوات التي إن دلت على شيء فهي تدل أولا على عجز صاحبها وضعفه وذله.
والعدو الصهيوني إذ يفعل كل هذا يعمل على خلق رأى عام دولي مؤيدا لوجهة النظر الصهيونية حول المدينة خاصة في ظل تخاذل عربي رسمي في كافة المسارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية عموما والقدس خصوصا , وقد تزايد هذا التخاذل بعد طرح ما يسمى مبادرة السلام العربية التي أكدت فيها الأنظمة العربية ضمنيا أنهم يؤيدون أي حل يؤدى لوقف إطلاق النار من أجل حفظ ماء وجههم أمام شعوبهم حتى وإن كان الثمن هو التضحية بمدينة القدس الشريف وبالمسجد الأقصى نفسه.
في ظل هذا التخاذل العربي فإننا لا نعول على هذه الأنظمة في دفع الضرر عن المدينة ولا في اتخاذ موقف حازم من الكيان الصهيوني، وكذلك لا نعول أيضا على السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس المنتهية ولايته ولا منظمة التحرير التي تحتاج إلى تحرير، وفى ظل ما تتعرض له المقاومة المسلحة في الضفة الغربية وقواها من عمليات تصفية ومطاردة يومية من قبل أجهزة أمن عباس دايتون ومن قبل قوات الاحتلال الصهيوني، ويبقى المقدسيون وحدهم هم من يقف في وجه هذه الحملة الصهيونية المستمرة على المدينة.
يعمل المقدسيون على تثبيت الهوية الإسلامية للمدينة ولكنهم يحتاجون إلى مزيد من الدعم المالي والجماهيري ليتمكنوا من الصمود في وجه الحملة الصهيونية المدعومة ماديا وسياسيا وعسكريا وأمميا.
ماديا لا يتلقى المقدسيون أي دعم، ذلك أن السلطة الفلسطينية المنوط بها دعم المدينة ماديا تتعامل مع المدينة على أنها عبء يجب التخلص منه في ظل وجود قيادة لديها استعداد للتنازل عن كل شيء من أجل البقاء على الكراسي.
لذا ينبغي على الأمة كلها أن تدعم المقدسيون بما يحتاجون، وعلى علماء الأمة الكرام أن يدعوا المسلمين إلى التبرع من أجل مدينة القدس وإيجاد وسائل آمنة لإيصال هذه التبرعات إلى سكان المدينة.
أما العمل الجماهيري فهو يربك العدو الصهيوني،, فبينما العدو يعمل على تقليل عدد المصلين في المسجد الأقصى حتى وصل إلى 3000 مصل في يوم الجمعة 9/1/2009 فإن الزحف الجماهيري الذي حدث في ليلة السابع والعشرين من رمضان العام الماضي أدى إلى إجبار العدو بالسماح لـ 500 ألف مصل من الصلاة بالمسجد الأقصى المبارك[2].
إن العمل الجماهيري يجب ألا يكون داخليا فقط بل يجب أن يكون هذا العمل خارجيا أيضا أي أن يكون هناك تحرك وتفاعل جماهيري عربي وإسلامي مع مدينة القدس وما يحدث بها، فالعدو الصهيوني يراقب كل تحركات الشارع العربي وتفاعلاته مع القضية الفلسطينية ويقوم بدراسة هذه التحركات والتفاعلات من حيث ما إذا كانت جادة أو غير جادة وما إذا كانت تحركات مؤقتة سرعان ما تتوقف أم أنها تحركات مستمرة حتى يوقف العدو حماقته، فإن رأى فينا ضعفا وتخاذلا سار وفق خططه التي وضعها بل لربما زاد من سرعتها ولكن إن وجد فينا تفاعلا وحركة فهذا يؤدى إلى شعور العدو وإدراكه أن الأمور لن تسير دائما وفق هواه وأن هناك ثمنا غاليا عليه أن يدفعه إذ هو قرر أن يرتكب أي حماقة من أي نوع كانت.
وتستطيع القوى الشعبية الحقيقة وهى في أغلبها إن لم تكن كلها قوى وحركات إسلامية أن تبدأ هي بالتحرك الشعبي والجماهيري والتفاعل الحقيقي مع قضية القدس ودعم المقدسيين ماديا ومعنويا ولا شك أن الشارع العربي والجماهير سيتفاعلان مع هذه التحركات، وقد خرجت الجماهير أثناء العدوان على غزة إلى الشارع من أول يوم ولو تفاعلت معها الحركات الإسلامية بجدية لاستمرت هذه التحركات الشعبية حتى انتهاء المعركة.
بهذا الدعم المادي والجماهيري يمكن أن يبطئ اليهود من سرعة تنفيذ خططهم الرامية إلى إحكام السيطرة الكاملة على المدينة , ولكن وقف عملية التهويد نهائيا يحتاج إلى دعم سياسي كبير وهذا غير موجود الآن، وأخيرا ندعو الله أن يحفظ مدينة القدس وأن يبطل خطط اليهود.
كاتب مصري إسلامي.
"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"
--------------------------------------------------------------------------------
[1]) التقرير الاستيراتيجى ( 16 ) الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات.
[2]) تقرير عين على الأقصى الثالث الصادر عن مؤسسة القدس الدولية.
التعليقات (0)