ماذا سيُقدَم الصادق المهدي للسودان إذا إنتُخب رئيساً ؟
بقلم / الزبير محمد علي
صوت الأمة
منذ أن تشكلت النوايا حول ترشيح الإمام الصادق المهدي لمنصب رئاسة الجمهورية ، ألزمت قلمي الصوم عن الخوض في مثل هذا الحديث تأييداً أو رفضاً ؛ بإعتبار أنني أقف بشدة ضد إختيار السيد الإمام لهذا المنصب .
وحُجتي في الرفض هي أن المخزون السياسي والفكرى لهذا الرجل أوسع بكثير من أن يُختزل في إدارة دفة دولة قطرية متل السودان .
وبجانب هذه الحجة فإنني أري أن الساحة الإسلامية تحتاج إلي الصادق بفكره المعتدل ورؤآه المستنيرية ؛ حيث تُمَثل أطروحاته الفكرية في مجال الإسلام حلاً وسطاً بين دعاة تعليب الفكر وفقاً لأنماط ماضوية ، وبين القائلين بحتمية التقدم عبر البوابة السامية . وعلاوةً علي ذلك فإن للصادق قدرة هائلة علي التحرك في الأوساط السنية والشيعية معاً ؛ هذا القبول يؤهله الي السعي وراء تقريب وجهات النظر بين السنة والشيعة ، وإحتواء الخلافات الحادة بينهما نسبياً .
وفي المجال الإنساني ؛ فإن فكره يُوفق بين جدل الناسوت واللاهوت . كما أن لديه أطروحة فكرية أعتبرها خلاصاً للكون من دمار قادم ؛ وهي أن الأديان الإبراهيمية الثلاثة بها عقائد تُبشَر بمعركة فاصلة بين الخير والشر ( أرمجدون ) . هذه المعركة – بحسب حديث الصادق – إذا قامت في ظل وجود الترسانات النووية فإنها لا تُميز بين مسلم أو مسيحي ، وليس فيها منتصر أو مهزوم ؛ وهذا يهدم فكرة أن معركة أرمجدون سوف ينتصر فيها الحق ويُزهق فيها الباطل .
ولا حل للأديان هنا سوي خيارين :
إما التخلص من الرؤوس النووية في العالم كشرط لقيام المعركة ، أو التخلي عن هذه المفاهيم ؛ وفي الحالتين فإن البشرية سوف تستفيد فائدة كبري من هذه الأطروحة الصادقية .
أما في المجال الإقليمي الإفريقي والعربي فإن رؤي الصادق تُشكل توفيقاً بين الأفرقة الجيوسياسية ، والأفرقة النيجرتيودية ، بين العروبة الثقافية ، والعروبة اللونية .
ولا شك لدي ابداً أن للصادق رسالة عالمية لا تحدها الأقطار والأمصار ، لذلك كنت وما زلت أرفض توظيف طاقات الإمام الصادق في هذا النطاق الضيق ، ولكن ربما يخالفني الآخرون في أن ( الزاد كان ما كفي أهل البيت يحرم علي الجيران ).
ولكن لندع ما ينبغي أن يكون جانباً لننتقل إلي ما هو كائن . إن السؤال المحوري هنا هو ؛ ماذا سيقَدم الصادق المهدي للسودان إذا أنتُخب رئيساً للجمهورية ؟
بالطبع لا يمتلك الرجل عصا موسي التي تلقف ما يأفكون ، وليس لديه مصباح علاء الدين السحري كما في الأسطورة الطفولية .
ولكنني أري أن هناك ثمة حلول يمتلكها الصادق يمكن أن تُساهم في الآتي :
أولاً : إبعاد شبح الإنفصال ، وتحويل مفهوم الوحدة الجاذبة من مُستحيل إلي مُمكن ، وأظن أنه قادر علي ذلك لأنه :
الأقدر علي التفاهم مع القوي الجنوبية .
أصغر سياسي في ستينيات القرن الماضي يكتب كتاباً عن مشكلة جنوب السودان ؛ حيث أعترف فيه بالبعد الثقافي والسياسي والتنموي للمشكلة ؛ في وقت غابت فيه مثل هذه الرؤي عن أذهان النُخبة المنضوية تحت لواء الهوية الإسلاموعروبية .
هو الوحيد الذي سعي لعلاج جدلية الأسلمة والسلام في السودان بإعطاء الجنوب خصوصيته الثقافية .
هو السابق في أطروحة الإعتذار عن المظالم الثقافية والتنموية التي لحقت بإخوتنا في جنوب السودان في الحقب السابقة . كما أنه الوحيد الذي قدم فكرة الميثاقين الديني والثقافي كعلاجاً للتباين الديني والثقافي والإثني في السودان .
ثانياً : يستطيع أن يحُل مشكلة دارفور لأنه :
يتمتع بعلاقات صحية مع القوي المسلحة في دارفور يمتلك الحزب الذي يرأسه الصادق نفوذاً شعبياً كبيراً في دارفور .
هو الرجل الأكثر إستجابةً لمطالب أهل دارفورالمشروعة .
سجله في الحكم كان منصفاً لأهل دارفور بشهادة الكتاب الأسود الذي أدان حكومات السودان المتعاقبة منذ الإستقلال مع إستثناء فترة الديمقراطية الثالثة .
ثالثاً : هو يستطيع أن يقطع شوطاً لا بأس به في إيجاد علاقة كونفدرالية بين السودان ودول الجوار لا سيما في إطار التكتلات الإقليمية التي يشهدها العالم الآن . كما أنه الأوفر حظاً في تحقيق أطروحة الأمن الإقليمي بين السودان وجيرانه ، لا جرم أن السودان في عهده كان محترماً من كل دول الجوار الإقليمي بإستثناء حادثة الطائرة الأفريقو وسطوية التي أدت الي حنبكة جارتنا الشقيقة إفريقيا الوسطي .
رابعا ً : سجل الصادق في التعامل مع القوي الدولية واضح جداً يقوم علي :
تحقيق المصالح المشتركة .
لا عداء ولا تبعية . وهذا نهج يختلف عن الإسلوب الذي درجت علي إستخدامه الإنقاذ ؛ حيث أنها ترفع عصا المعصية بالنهار ، وترفع عصا الطاعة باليل! .
خامساً : نهج الصادق في التعامل مع دول الجوار لا يقوم علي المجاملة والمساومة علي الثوابت الوطنية كما تفعل الإنقاذ الآن مع ملفي حلايب والفشقة ؛ إذ أن نهجه من خلال تجاربه في الحكم والمعارضة إلتزم بالأتي :
إحترام دول الجوار وعدم التدخل في شئونها الداخلية .
تجربة الجبهة الوطنية التي إتخذت من ليبيا مقراً لقاعدتها العسكرية أثبتت أن الصادق لا يرهن قراراته المصيرية لقوي خارجية . فعندما قرر المصالحة مع النظام المايوي لم يلتفت الي غضب النظام الليبي الذي كانت بينه وبين نظام مايو خلافات كبيرة بعد وقوع النميري في أحضان المعسكر الغربي ؛ وهذه الميزة التي تحلي بها الصادق مفقودة في أضابير الحركات المسلحة التي تكون تحت ضيافة دولة أجنبية .
تجربته مع النظام المصري تؤكد ذات المعني ؛ حيث ألغي عندما كان حاكماً إتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والسودان والتي أعطت إمتيازات إستخباراتية لحلف شمال الأطلسي ( نيتو ) في البحر الأحمر .
هذا يعني أن الصادق يستطيع أن يُوقف عبث التنازلات التي يسلكها نظام الإنقاذ في تعامله مع دول الجوار الإقليمي ( حلايب – الفشقة ) نموذجاً .
سادساً : الصادق يصلُح أن يكون جسراً للتواصل بين قوي الممانعة وقوي المولاة في الشرق الأوسط بحسابات القاعدة الثابتة في تعاملاته الدولية ( لاعداء ولا تبعية ) .
سابعاً : إنتخاب الصادق هو نهاية لعهد الفساد الذي إستشري بصورة غير مسبوقة في تاريخ السودان في عهد الإنقاذ . كما أن إعطاء الثقة للصادق يعني إحلال القومية الحميدة مكان الحزبية والجهوية الذميمة القائمة الآن لأنه :
عندما كان حاكماً لم يُميز بين أنصاره وخصومه ، وعندما أتي إليه نفر من أهلنا في منطقة الهدي ، وطلبوا منه أن يُصدَق لهم شبكة كهرباء بإعتبار أنهم أنصار قال لهم : ( أنا جيت أحكم السودان ما جيت أحكم الانصار ) .
عندما كان حاكماً أعطي مناصب دستورية في غاية الأهمية لأشخاص لا ينتمون لكياننا الديني والسياسي .
الصادق يتعامل مع الملفات الحساسة بصورة قومية . ففي حقبة الديمقراطية الثالثة وافق الصادق علي إتفاقية ( الميرغني – قرنق ) مع التطلع الي نقلها من الثُنائية إلي القومية ؛ هذا الموقف إتخذه رُغم تحفظ بعض أعضاء الهيئة البرلمانية لحزب الأمة .
ثامناً : لا يتعامل مع خصومه بمبدأ الإنتقام . إن الحكومات التي إستبدت بالشعب السوداني حيناً من الدهر ما برحت تاريخياً تزج به في السجون ، وتبعده إلي المنافي ، وتُصادر أمواله . وعندما يأتي الحكم لا ينتصر لنفسه ؛ بل يمتثل سلوك النبي صلي الله عليه وسلم مع المشركين . ما تروني فاعلٌ بكم قالوا : أخٌ كريمٌ إبن أخٍ كريم قال : إذهبوا فأنتم الطُلقاء .
التعليقات (0)