مواضيع اليوم

ماذا خسرت فلسطين باقصاء الاسلاميين

د. رمضان رمضان

2012-10-15 09:29:20

0

 

ماذا خسرت فلسطين بإقصاء الإسلاميين؟؟ البريد الإلكتروني
كتب د. رمضان عمر  
15/10/2012

Image

"قاوم" خاص - لست منتميًا -على المستوى السياسي الفعلي- إلى أي من التنظيمات الفلسطينية المعروفة في الضفة (حماس أو الجهاد الإسلامي أو فتح أو...)، وربما كانت لي آراء تختلف مع ما ذهبت إليه حماس في تجربتها السياسية؛ فقد كنت وما زلت ضد موقف الحركة من المشاركة في العملية السياسية قبل إنجاز مهمة التحرير، وأن تبقى مشاركتها على المستوى الشعبي والاجتماعي وتترجم افكارها عبر الفعل المقاوم.

 

ومع هذا؛ فان حديثي عن تغييب الإسلاميين في الضفة وإخلاء الساحة من هذا اللاعب المهم، ينطلق من إدراكي الواعي لما يمثله ذلك التغييب من كارثة لا أدري كيف سكت عنها المراقبون؛ فتغييب الإسلاميين لا تقع آثاره على مفاصل الفعل السياسي فقط؛ فينفرد بالساحة طرف دون آخر ، بل إن آثاره تعدت هذا الحد لتصل إلى حد محاولات هدم الإسلام، والسماح بتهويد السياسة، والعمل على تهديد الأخلاق، وسحق الهوية الإسلامية، وتعريضها لخطر لا تحمد عواقبه.

 

ذلك أن تغييب الإسلاميين -بقصد سياسي أو قصد أمني- تبعه تغييب مريع للفكر الإسلامي، وللتصور الإسلامي، وللبعد الإسلامي في منطقة لا تعيش إلا بدفء الإسلام وفي ظلال عقيدة الإسلام.

 

والحقيقة أن محاولات تغييب الفكر الإسلامي عن ساحة الفعل السياسي الفلسطيني ليست وليدة اللحظة، بل إن تاريخ إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية، وبدايات تكون حركات التحرر الفلسطيني شهدت بذور ذلك التغييب، حينما تحلل خطابهم الثوري الفلسطيني من أدبيات التصور الإسلامي، وتبنى خيارات علمانية كما عند فتح، وخيارات ماركسية كما لدى الجبهتين (الشعبية والديمقراطية).

 

وقد احتفظت الذاكرة التاريخية الفلسطينية الحديثة بنمط من العلاقة التناقضية بين تيارين لم يستطيعا أن يتعايشا أبدًا، بل عاشت فلسطين حقبة تصادمية بين الفكرين (الإسلامي وما تبنته منظمة التحرير الفلسطينية طوال العقود الماضية).

 

إلا أن التحول الجديد في طبيعة هذا الصدام حمل مخاطر تجاوزت كافة الخطوط والتوقعات؛ إذ أصبح الخطاب الإسلامي -بالنسبة لمنظومة القيم التي تحكم الضفة الغربية من خلال السلطة الوطنية- كيانًا معاديًا يجب اجتثاثه وسحقه وتجفيف منابعه، ومن هنا  بدأت سياسة اجتثاث البنية التحتية للحركة، لكن هذا الاجتثاث مس جوهر الإسلام ومكوناته التي هي ملك أمة لا  لحركة، والتعرض لها يمثل استهدافًا لهوية الأمة؛ فأكثر المساجد تعاني من عدم وجود أئمة موظفين؛ حيث يؤم الناس متطوعون، وفي أكثر الأحيان يكونون من العامة المفتقرة للعلم.

 

وعلى مستوى المدارس، فإن أقل الخريجين حظًا في عملية التوظيف هم حملة الشهادات الشرعية، إذ ينوب عنهم في التدريس مدرسو اللغة العربية أو الاجتماعيات. أما عن الاستدعاءات المتكررة لكثير من معلمي التربية اإسلامية فحدث ولا حرج. والجانب الوعظي ودروس العلم خاضع لرقابة حرمت المصلين من تلقي العلم على يد المشاهير الأكفاء.

 

وقد كان بالإمكان تفهم تلك الخطوات الأمنية في مراقبة المساجد لو كانت غايتها  حصار (الحركات الإسلامية) كمنافس لحركة فتح مثلًا، فهذا نمط من التضييق المعتاد، وإن كان جزء من الفساد السياسي الذي يناقض  حرية التعبير  والشراكة والمنافسة النزيهة؛  إلا  أن استيعابه ممكن لو كان شكلًا من أشكال المرحلة الماضية؛ إلا أن المسألة تحولت من حصار لتنظيم بعينه إلى حصار الخطاب كله، وتنفير الناس من التدين، وتذليل مسالك الضياع والسفور والفساد.

 

فالمؤسسة الدينية التابعة للسلطة لم تقدم بدائل تسد الفراغ القائم، بل أخلت الساحة من الخطاب الديني لتصبح المساجد خاوية على عروشها لا يؤمها إلا الشيوخ الركع، الطاعنون في السن، الزاهدون في الفكر والسياسة والعمل الفاعل.

 

ولعل قراءة المشهد السياسي في الضفة الغربية، وما آل اليه هذا الواقع من انسداد الأفق وتراجع في الحريات يجعلنا ننظر بعين الخطورة إلى هذا العالم المتشرذم، ونصر على كشف المستور، وأسباب ذلك التدهور المريع الذي أصاب جوهر قضيتنا.

 

وإن انطلاقنا في هذه المقالة من فكرة افتراضية تدور حول إقصاء الخطاب الإسلامي عن ساحة الفعل لا يقع ضمن دائرة المناكفة والتجريم، بل هو-في اعتقادنا- جوهر المشكلة، والسبب الأساس في عملية التدهور الذي تعيشه الضفة.

 

ومن هنا؛ فإننا نزعم أن جملة من الانتكاسات حصلت جراء هذا التغيب القسري للإسلاميين عن ساحة الفعل في فلسطين المحتلة. ولعلنا نوجز  تلك التداعيات في  المحاور التالية:

 

على المستوى السياسي:

 

إن سلخ هذه القضية الفلسطينية عن جوهرها العقدي، وتحويلها إلى قضية خاضعة لخيارات المجتمع الأوروبي وتصوراته، فرغها من ذلك البعد القوي الذي تتكئ عليه، ليصبح جوهر هذه القضية في خطر، فلم يعد-مثلًا- في خطاب المفاوضين (العلمانيين) أدنى اهتمام بمسرى الحبيب-صلى الله عليه وسلم- ومدينته التي دخلها عمر، وتوج فتحها بوثيقته المعروفة لتصبح فلسطين منذ ذلك التاريخ وقفًا إسلاميًا لا يجوز بيعها لكافر أو التفريط بها لعدو.

 

أما من حيث الفهم السياسي لموضوع الدولة؛ فقد تجاوز المفاوضون كافة الأبجديات الإسلامية التي ترى في فلسطين جزءًا من كل لدولة الإسلام، بل على العكس، فقد تعامل معها المفاوض الفلسطيني باعتبارها كيانًا مستقلًا، حينما أعلن أن منظمة التحرير الفلسطيني هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فخاض مغامراته وحيدًا، مفرطًا بوحدة العقيدة ووحدة الهم، وقد أعطى ذلك فرصة لأعداء الأمة كي تبتز هذا المفاوض وترغمه على التنازل تلو التنازل، والتفريط تلو التفريط حتى غدا مستسلمًا لا حول له ولا قوة.

 

أما الذهاب إلى الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، أو الرجوع إلى الرباعية، أو الاتحاد الأوروبي من أجل حلحلة قضايا الحل النهائي والوصول إلى مشروع الدولة دون التسلح بمصادر القوة الكامنة في أسلمة القضية وربطها ببعديها القومي والإسلامي؛ فهو انتحار سياسي، وعبث لا تحسب عواقبه،  فالدولة في عرف  القانون  شعب وهوية  ونظام وجغرافية وحدود مستقلة، وأي انتقاص في  واحد من هذه المعايير يحطم الفكرة من أصلها، فلا دولة بلا  تحرير ولا دولة بلا شعب ولا دولة بلا حدود، ولا دولة بلا مؤسسات تمثل الكل الفلسطينية بصورة مستقلة وقوية.

 

أما الذين يعتقدون أن تحرير الأرض قد يتحقق قبل تحرير الإنسان فهم الأكثر وهمًا، والأكثر ضلالًا، وكذا الذين يعتقدون أن بناء الدولة قد يقع دون تبن لمشروع حضاري يعكس ثوابت الأمة ويجسد معالم هويتها؛ فأولئك هم المفرطون حقًا.

 

ومن هنا؛ فإن الحديث عن خيارات التحرر الوطني وبناء الدولة، وتحقيق الحقوق، وتقرير المصائر لشعب شرد وهجر وأوذي إيذاءًا بليغًا، يستدعي طرح موضوع الانقسام الفلسطيني-مثلًا- في مكاشفة علنية؛ لأن سؤال الهوية في اعتقادنا هو السبب المباشر لحقيقة ذلك الانقسام، وأعني بسؤال الهوية -هنا- سؤال المشاريع وسؤال الرؤى واستراتيجيات التمثيل السياسي.

 

فالتفسير المباشر البسيط  لموضوع الانقسام: أن طرفًا ما ارتبطت أهواؤه ومشاعره بالغرب فلم يستطع أن يحتمل وجود خطاب إسلامي ثوري سياسي، مصر على الثوابت ينطلق في رؤيته للآخر (العدو) من منطلق عقدي، ويرى في الحلول السياسية المطروحة دوليًا إجحافًا وإذلالًا، وإعادة ترسيم العلاقة بين الشعب المحتل والغاصب المحتل وفق منطق التعايش والقبول والخضوع والتبعية.

 

ومن هنا-أيضًا- فإننا نرى أن الأسباب الحقيقية للانقسام تكمن في ذلك التمادي المريع للتساوق مع الضغط الأوروبي دون الرجوع إلى المربع الشعبي؛ مما أحدث فجوة بين خيار النخبة "السلطة" وخيار الشعب.

 

وبدل أن تقوم السلطة بإصلاحات داخل المجتمع ركزت على ترسيخ سلطتها من خلال قوى الأمن وقمع الخطاب الآخر وتجريمه؛ فتفشى الخوف والشك، والهروب حتى غدا الأخ يهرب من أخيه، والابن يخاف من أبيه، والأب لا يأمن على بيته من زوجته أو ابنه .

 

هكذا أصيب الوعي الاجتماعي، وفتتت طاقاته وحيل بينها وبين الاندماج والتراكم لتتربع الفئوية الضيقة على برامج المتنافسين، وتصبح الاستراتيجية الفاعلة في أي نشاط مفترض لدى الحركات المنضوية  تحت  مظلة منظمة التحرير الفلسطينية هي تهميش الآخر أو إقصاءه، أو تجريمه .

 

على المستوى الثقافي:

 

الثقافة عنوان جامع، وأصل من أصول الوحدة؛ فهي جدار الأمة الأخير الذي تتكئ عليه عند الشدائد، وإذا تعرض الجدار الثقافي لهزة؛ فإن ذلك يعني أن أساسات الأمة قد اهتزت، والبعد الثقافي لأي أمة من الأمم يحدد استراتيجياتها الفاعلة في شتى المناحي السياسية والاقتصادية والمعرفية، وقد كان الجامع الأكبر للفكر الثقافي في فلسطين يتمثل في ثقافة المقاومة، وما تحويه هذه الكلمة من دلالات وإشعاعات، لكن جانبًا من الرؤية الضبابية مست جوهر هذا المصطلح، وذلك بعد أن دخل جمع من مشاهير "المثقفين" دهليز السياسية الانزلاقية؛ فكانوا أبواق شؤم لمشاريع التنازل، وأقلام عجز لمفاوضات التفريط، هؤلاء وأمثالهم ممن ربطوا أنفسهم بخيارات السلطة حاولوا أن ينحرفوا بثوابت الثقافة الفلسطينية انحرافات تدعو إلى التعايش السلمي مع الجزار القاتل، تعايش الضحية مع جلادها، وكأني بهم يقولون: نحن شعب قبل الدنية في أرضه فلم لا نقبل الدنية في كل شيء؟!!!

 

فنشطت حركات التطبيع مع العدو الغاشم، ونما الخطاب المهادن، ودقت طبول الترحيب والقبول بالآخر باعتباره شريكًا في السلام وشريكًا في الأرض، بل إن الخطاب السياسي الفلسطيني الرسمي غاص في أعماق الثقافة التكوينية الفلسطينية؛ فزعم أن فلسطين هي أرض الديانات الثلاث، على اعتبار أن ابراهيم أبو للديانة اليهودية، وهذا تفتيت صريح لمبدأ الثقافة الإسلامية التي تعلن بكل صراحة أنه "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين"[آل عمران:67]

 

غياب الإسلاميين ومستقبل القضية:

 

أورد الحاكم في مستدركه عن طارق بن شهاب قال: "خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له، فنزل عنها و خلع خفيه، فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا تخلع خفيك و تضعهما على عاتقك و تأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟! ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك. فقال عمر: "أوه لم يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالًا لأمة -محمد صلى الله عليه وسلم- أنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله".

 

فلسطين لا يمكن أن تعيش في ظل غياب الإسلام؛ ولا يمكن أن تحرر تحت راية غير راية الإسلام، والإسلام وفلسطين كلان لا يفترقان، وأي رؤية سياسية لمشروع متكامل يغفل دور الإسلام التفصيلي في هذه القضية سيكون إلى زوال، وأي تحرك على الأرض يسعى لتغييب الإسلام وأهله هو تحرك مشكوك فيه، لا بد أن يوقف.

 

وحينما ندخل إلى تفصيل الحكاية نقول: إن الإسلام ضرورة من ضرورات العمل السياسي؛ فمشروع المقاومة يعتمد كلًا وتفصيلًا على مفهوم الجهاد. وموضوع الدولة لا ينسلخ عن الفقه السياسي، وأي بتر لمفهوم الإسلام السياسي يدين من تخلى عنه،  ذلك أن من أنكر شيئًا من الدين بالضرورة فقد دخل في محظروات العقيدة، فكيف من قلب ظهر المجن لمنهج الله وحاربه وعاداه.

 

إن تعطيل التصور الإسلامي للفكر والسياسة والجهاد في فلسطين يعد من كوارث العصر التي مكنت منا الأعداء، ومن هنا؛ فإن هذه الأمة لن تنصر على عدوها حتى تعيد القيادة للمنهج الرباني في التحرير، وتصطف تحت راية محمد-صلى الله عليه وسلم- وتبرأ من كل شعار زائف لا ينتمي لفلسفة العقيدة وطهر التصور الإسلامي الحنيف؛ فكل راية سوى راية الحق باطلة؛ وكل سبيل سوى سبيل الجهاد خاسرة.

 

وفلسطين جربت طريق التنازل فلم تحصد إلا مزيدًا من التوسع الاستيطاني، والغطرسة الصهيونية، وهي مطالبة اليوم بالعودة السريعة لراية الحق؛ لأنها الراية الوحيدة التي تعيد العزة للفرد والحرية للأمة، والسعادة للبشرية. ولن ينتصر أهل فلسطين في فلسطين إلا  تحت لوائها، وإذا أصر أهل فلسطين على قبول رايات التبعية ومناهج التفريط فلن ينالوا إلا بعدًا، وإذا أعادوا للإسلام هيبته، وللحق رايته تنزل عليهم نصر الله كما قرر في كتابه : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد:7)

 

كاتب وباحث فلسطيني.

"حقوق النشر محفوظة لموقع "قاوم"، ويسمح بالنسخ بشرط ذكر المصدر"




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !