2005 / 4 / 13
كانت البداية بملعب ثانوية الخامس بالدار البيضاء. وكان يوماً ربيعياً لم يكن تصور أحد أن يكون يوماً دموياً بامتياز.
40 سنة مرّت ولازالت الحقيقة، كل الحقيقة عن أحداث 23 مارس 1965 لم تكشف بعد. لازالت هناك جملة من التساؤلات بدون أجوبة واضحة: كم هو عدد الضحايا؟ كيف تصرفت الجماهير الشعبية بالدار البيضاء؟ ما هو دور الأحزاب ودرجة مسؤولية الفاعلين السياسيين آنذاك؟
لكن الأكيد هو أن يوم 23 مارس 1965 أضحى محطة تاريخية ومرجعاً كرونولوجي بالنسبة لتاريخ المغرب المعاصر. ففي يوم 23 مارس 1965 من المحطات التي طبعت مرحلة حكم الملك الحسن الثاني.
ولفهم ماذا حدث ذلك اليوم وجب الرجوع إلى بداية شهر مارس 1965، عندما أقدم وزير التعليم آنذاك، يوسف بلعباس، على إصدار مذكرة وزارية تقضي بمنع التلاميذ الذين بلغ سنهم 16 سنة من تكرار قسم البروفي (السنة الثالث ثانوي آنذاك). وفي تلك المرحلة كانت الشبيبة المدرسية مسيسة حتى النخاع. وكان نشاطها مؤطر من طرف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب العتيد آنذاك ( أ.و.ط.م)، الواقع تحت تأثير حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
في منتصف شهر مارس 1965 اتصل وفد من أ.و.ط.م بالتلاميذ لتشجيعهم على التصدي للمذكرة الوزارية ومواجهتها.
فلما أنه آنذاك رغم الروابط بين حركة الشبيبة المدرسية والحركة الطلابية، فإن الأولى كانت عادة تتحرك بكل استقلالية في مسار النضالي. فآنذاك كانت الشبيبة المدرسية تتوقف على درجة كبيرة من التنظيم ودرجة مهمة من النضج السياسي عبر الوداديات أو تنظيمات النقابة الوطنية للتلاميذ.
وفي يوم 22 مارس 1965 تجمع التلاميذ بملعب ثانوية محمد الخامس. كانت الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً وكان الملعب غاصاً بجماهير التلاميذ (ما يناهز 15 ألف تلميذ أتوا من جميع أنحاء المدينة ومؤسساتها حسب بعض شهود عيان)، التنديد بالمذكرة الوزارية. ثم قرر التلاميذ الخروج في مسيرة في اتجاه مندوبية التعليم بالدار البيضاء.
وكان هدفهم هو إثارة انتباه القائمين على الأمور إلى ما يعتبرونه انتهاكا لحق وطني أكيد: الحق في التعليم العمومي.
خرجت المسيرة وقبل وصولها إلى المركز الثقافي الفرنسي، تدخلت قوات الأمن لتفريق المتظاهرين. وكان تدخلها عنيفاً جداً، الشيء الذي دفع المتظاهرين إلى التوجه نحو الأحياء الشعبية لاستقطاب سكانها لدعم المظاهرة. في ذلك اليوم ثم الاتفاق بين التلاميذ والعاطلين وشباب الأحياء الشعبية وسكانها على الالتقاء بملعب ثانوية محمد الخامس صباح يوم غد.
وفي يوم 23 مارس 1965 كان التجمع بالثانوية وانطلق المتظاهرون في اتجاه درب السلطان، معقل الطبقة العاملة آنذاك بالدار البيضاء)، ثم إلى باب مراكش ومنه إلى المدينة القديمة. إلا أنه هذه المرّة لم يقتصر المتظاهرون على رفع الشعارات والتنديد، وإنما حجم البعض على بعض المجلات التجارية، ورشقوا الحافلات بالحجارة وأشعلوا النار في بعض السيارات. وما هي إلا لحظة حتى وجد المتظاهرون أنفسهم وجهاً لوجه أمام الجيش والدبابات الآتية من مديونة والتي انتشرت في مختلف الشوارع الكبرى للمدينة التي ظلت تعرف فوراناً جماهيرياً.
وفي الساعة الثالثة زوالاً تلقى الجيش أوامر لإطلاق النار على المتظاهرين وبدأ بعضهم يتساقطون على الأرض.
وقال شاهد عيان: " سمعت الطلقة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة... ظننت أنها طلقات الكاواتشو وليس رصاصات حقيقية... لكن بعد لحظة تأكدت أنها طلقات رصاص حقيقية عندما شاهدت بعض رفاقي يتساقطون الواحد تلو الآخر.
وقال آخر: " ما حدث يوم 23 مارس 1965 لم تكن ثورة بالمعنى الثقافي للكلمة، إنها انتفاضة اجتماعية، سببها شعور عميق باليأس والإحباط... هجمت جموع الجماهير على بعض المحلات وعلى البنايات العمومية... لكن قمع الجيش كان بدون حدود"
عم عدد الضحايا؟ إلى حد الآن ظل مجهولا، بلغ العشرة حسب تصريح السلطات. ففي أعلن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب عن أكثر من 1000 قتيل، دفنوا بقبور جماعية بأمر من الجنرال محمد أفقير الذي قاد شخصياً عمليات قمع المتظاهرين.
وبعد هذه الأحداث أصدر الملك الحسن الثاني العفو عن كل من مومن الديوري والفقيه البصري اللذين أفرجا عنهما في أبريل. وفي ذات الوقت تم إعدام عناصر كومندو حاولوا التسلل إلى المغرب عبر الجزائر.
وفي خضم هذه الأحداث التقى الملك بمدينة إفران بوفد عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كان من ضمنه عبد الرحيم بوعبيد وعبد الحميد الزموري وعبد الرحمان اليوسفي واقترح عليهم تشكيل الحكومة.
وقد قيل أن عبد الرحيم بوعبيد أخبر المهدي بنبركة بالأمر، والذي قبله معلقاً " سنعمل معه كما فعلنا مع والده".
وبعد ذلك بعث الملك مبعوثه إلى المهدي بنبركة لعرض عليه العودة إلى البلاد. آنذاك كان المهدي بنبركة منهمكاً في الإعداد لمؤتمر القارات الثلاث الذي كان مقرراً عقده بلاها فان بكوبا.
وفي يونيو 1965 كان الإعلان عن حالة الطوارئ وفي 29 أكتوبر من نفس السنة كان اختطافه المهدي بنبركة واغتياله بباريس.
التعليقات (0)