بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم الإخوة الأفاضل رغم أننا جميعا نعلم أن الظلم حرام وأن عواقبه وخيمة سواء فى الدنيا أو فى الآخرة 0إلا إننا للأسف كثيرا ما نقع تحت طائلة الظلم سواء بعلم أو على جهل وتناسينا قول الحق سبحانه وتعالى(إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) الكهف ) وقوله تعالى: " لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار، مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هــواء" ) إبراهيم 43،42) ومن الأحاديث النبوية نذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " الظلم ظلمات يوم القيامة)رواه البخاري
وثبت في الحديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - - بعث معاذاً إلى اليمن وقال له : ( اتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ) رواه البخاري و مسلم.
والظلم من الصفات الدنيئة والأخلاق الرذيلة ، ولهذا نزّه الله سبحانه وتعالى نفسه عنه ، فقال : { إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون } ( يونس:44( ، بل وحرمه تعالى على نفسه ، كما في الحديث القدسي : ( يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ) رواه مسلم ، ثم إن الظلم من أعظم البلايا التي ابتُليت بها البشرية ، وهو شقاء على الفرد والمجتمع معاً ، وما من مصيبة تقع على مستوى الأفراد والشعوب إلا وكان الظلم سببها ، وقد قرر القرآن هذه الحقيقة وبيّن أن سبب هلاك القرى والأمم ظلم أهلها ، : { وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون } ( القصص:59 ) ، وقال أيضاً : {وما كان ربك ليُهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون } ( هود:117(.
وكان من سنن الله الكونية - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - خذلان الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ، و نصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ؛ فالعدل والحق هو الأساس الذي قامت عليه السموات والأرض ، يقول الله عزوجل : { ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى( الأحقاف:3 ) والمتدبر لكتاب الله تعالى وسنة نبيه - - يجد نصوصاً كثيرةً قد ذمّت الظلم وأهله وحذّرت العباد منه ، وقد ذكر الله تعالى الظلم في أكثر من مائتين وأربعين موضعاً ، محذرًا منه بأساليب مختلفة واشتقاقات متنوعة ، فتارةً بتنـزيه الله تعالى نفسه عن هذه الصفة ، قال تعالى : { وما ربك بظلام للعبيد ( فصلت:46 ) ، وتارة بالأمر بالعدل مع الناس كلهم حتى مع غير المسلمين ، قال عزوجل : ) إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى } ( النحل:90 ) وقال : { ولا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى } ( المائدة:8 ) ، وأحيانا يأتي ذم الظلم بذم أهله مقروناً بمقت الله لهم ، كقوله تعالى : { وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما } ( طه:111 ) ، ووصف سبحانه ما دون الشرك من المعاصي بالظلم فقال سبحانه : { قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين } ( الأعراف:23أنواع الظلم
تتعدد لفظة الظلم في القرآن الكريم، فهي ترد في كثير من الأحيان بحق من ظلم نفسه، كما ترد بحق من ظلم الآخرين واعتدى عليهم.
وقد اعتبر الراغب الأصفهاني أن ظلم النفس يدخل تحته كل أنواع الظلم، لأن الظالم أول ما يهمّ بالظلم يكون قد ظلم نفسه.
فالظلم إذاً متعدد، فقد يكون في أغلب الأحيان ظلم للنفس، عن طريق بُعد الإنسان عن الالتزام بمنهج الله واتباعه لمنهج الشيطان، فيخسر بذلك الدنيا والآخرة، وقد ورد ذكر هذا النوع من الظلم في القرآن الكريم بقوله عز وجل: " إن الشرك لظلم عظيم)لقمان 13) وقوله تعالى: "والكافرون هم الظالمون ) البقرة 254)ويدخل في هذا النوع أيضاً الظلم الذي ينال الأمة بأسرها حين تبتعد عن منهج الله، وعن العمل على رفع راية " لا إله إلا الله " عبر إقامة منهج الله، فتظلم نفسها ويتكالب الأعداء عليها، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى لم يَعِدْ الأمة الإسلامية بالنصر إلا في حال الالتزام بالمنهج الرباني، فقال عز وجل: "ولينصرن الله من ينصره( الحج 40).
وقد يأتي الظلم من قبل الآخرين، حيث يقومون بنهب الأموال وانتهاك الأعراض والمشي بين الناس بالنميمة بغية تخريب البيوت وإشباع نزعات الحسد والحقد التي تملأ قلوب بعض من فقد الإيمان بالقضاء والقدر.
وقد وصف الراغب الأصفهاني الظالم بأنه "يتعطل عن المكاسب والأعمال، فيأخذ منافع الناس ولا يعطيهم منفعة، ومن خرج عن تقاضي العدالة بالطبع والخُلُق والتخلق والتصنع والرياء والرغبة والرهبة، فقد انسلخ من الإنسانية" خطورة الظلم
تعتبر معصية الظلم أشد المعاصي لما فيها من "مبارزة الرب بالمخالفة، والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالباً إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار "
لذلك فقد قرن الله سبحانه وتعالى العفو عن هذه المعصية بعفو المظلوم وطلب المغفرة منه، وإلا أخذ الله من حسنات الظالم وجعلها في ميزان حسنات من ظلمه، وقد حذر العلماء رضوان الله عليهم من خطورة الظلم فقال سفيان الثوري رحمة الله عليه: "إن لقيت الله تعالى بسبعين ذنباً فيما بينك وبين الله، أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد (السمرقندى _تنبيه الغافلين ).
ومن هنا تأتي أهمية علاج موضوع مثل موضوع الظلم، وتبيان عقوبة الله للظالم، ونصرة الله للمظلوم .عقوبة الله للظالم
لا بد للظالم في البدء من أن يعرف من الذي يبارزه بالمخالفة، فهو يبارز الله عز وجل، وهو إذا أفلح في الانتصار على المظلوم، فإنه لن ينجو من الذي لا يسهو ولا ينام، وقال تعالى في وصف تصرفات هؤلاء الظالمين يوم القيامة بقوله: "ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة " (الزمر 47 ) .
والله سبحانه وتعالى، وإن أمهله، إلا أنه لن يتركه بدون عقاب، وذلك لأسباب عديدة منها: أولاً: تحريم رب العالمين للظلم، فقد قال تعالى في الحديث القدسي: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا ")رواه مسلمثانياً: اتصاف رب العالمين بصفات كثيرة ذكرها لعباده وحذرهم منها، ومن هذه الصفات أنه المنتقم، الشديد العقاب، وقد عرف الغزالي المنتقم بأنه " الذي يقصم العتــاة، ويُنَكِّل بالجناة، ويشدد العقاب على الطغاة، وذلك بعد الإعذار والإنذار، وبعد التمكين والإمهال " )ثالثاً: أمر الله عباده بنصرة المظلوم والابتعاد عن الظالم: فقال تعالى: " ولا تركنوا إلى الذين ظلموا، فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون " (هود 113) رابعاً: إنزال الله سبحانه وتعالى العذاب بالظالم في الدنيا قبل الآخرة، فقال عز وجل "وإن للذين ظلموا عذاباً دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون"
الطور 45 )
ومن العذاب الدنيوي أيضاً موت الولد والإبادة الجماعية، وهذه العقوبة جاءت بها كل الشرائع السماوية إلا أن أبناء هذه الشرائع قاموا بتبديل ما أتاهم خدمة لأهوائهم، فقد ذكر سبط ابن الجوزي أن الله أوحى " إلى موسى عليه السلام: قل لبني إسرائيل يجتنبوا الظلم، فوعرتي وجلالي إن له عندي مغبة سوء، قال موسى: رب وما مغبته؟ قال: أَثْكُلُ فيه الولد، وأُبيد فيه العشيرة، وأُقَصِّر فيه الأجل ثم الثَّواءُ بعد ذلك النار "
وقد جاء القرآن الكريم ليؤكد على هذه العقوبة، حيث جاء في مجلس ابن عباس، " قال كعب الأحبار: إني لأجد في كتاب الله المنزل ( أي التوراة ) " إن الظلم يخرب البيوت "، وقال ابن عباس:" قد أوجدك الله في القرآن: " فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا " (النمل 152) خامساً: تأخير الله سبحانه وتعالى العقاب الأكبر لليوم الآخر، فقال عز وجل: "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"(الشعراء 227)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضَرَبَ ضرباً ظُلماً اقْتُصَّ منه يوم القيامة" (البخاري)سادساً: جعل الله للمظلوم سبيلاً على الظالم، وجعل دعوة المظلوم لا ترد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اتق دعوة المظلوم، فإنها ليست بينها وبين الله حجاب " (البخاري)
وأنشد أبو طاهر الخز يمي شعراً فقال:
لا تظلمن إذا ما كــــنت مقتدراً... فالظلــــم آخره يأتيك بالنــدم
نامت جفونك والمظلوم منتصب... يدعو عليك وعين الله لم تنمنصرة المظلوم
وعد الله سبحانه وتعالى المظلوم بالنصر ولو بعد حين، وقد فتح له أبواباً عديدة وأمكنه من الاستعانة بها في حال تعرضه للظلم، منها:أولاً: فتح باب الشكوى والتظلم، فقال تعالى: "لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً عليماً " (النساء 148)
قال الطبري من طريق السدي: قال في قوله: "إلا من ظُلم " أي فانتصر بمثل ما ظُلم به فليس عليه مَلام.ثانياً: الرضا بالقضاء لأن ما حصل، وإن كان على يد ظالم، إلا أنه حصل بقضاء الله وقدره.
وقد قال ابن قيم الجوزية: "فكل ما تراه في الوجود ـ من شر وألم وعقوبة وجدب، ونقص في نفسك ومن غيركـ فهو من قيام الرب تعالى بالقسط، وهو عدل الله وقسطه، وإن أجراه على يد ظالم، فالمسلِّط له أعدل العادلين (22)، كما قال تعالى لمن أفسد في الأرض: "بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار" (الاسرار 5)ثالثاً: الثقة بحكمة رب العالمين بأفعاله، فقصة الخضر مع موسى عليهما السلام ماثلة للعيان حيث قام بخرق سفينة المساكين الذين كانوا يعيشون منها، لغاية أسمى جهلها موسى لعدم علمه بالغيب. رابعاً: الالتجاء إلى الدعاء مع الوعد بالإجابة، وقد قال أحد الصالحين في دعاءه على من ظلمه : "يا رب خلقتني وخلقته، وجعلته قوياً وجعلتني ضعيفاً، ثم سَلَّطْتَهُ عليَّ فلا أنا منعته من ظلمي ولا أنت جعلتني قويا أمتنع من ظلمه فأسألك بالقدرة التي بها خلقته وجعلته قويا وجعلتني ضعيفا أن تجعله عبرة لخلقك) .
والدعاء هنا لا يختص بالمظلوم فقط، إذ على كل مؤمن أن يحصِّن نفسه من الظلم وأن يستعذ بالله منه كما أمر الله تعالى عباده بقوله "ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين"يونس 85)
لذلك على المظلوم أن يتذكر نعمة الله عليه أن جعله مظلوماً ولم يجعله ظالماً، فإذا جاءه الظالم نادماً يطلب منه المغفرة والصفح، فليتذكر قول الله تعالى "وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم" (النور 122)وفي الختام لابد من التأكيد على أن معركة الظالم هي معركة خاسرة، لكون المظلوم متمتعاً بالحصانة والدعم من رب العالمين وفي هذا المعنى يقول سبط ابن الجوزي " انقسمت كلمة (لا اله إلا الله) بين الظالم والمظلوم فمع الظالم لا إله، وليس مع المظلوم إلا الله"
التعليقات (0)