وأمرُ الصّوتِ عجيبٌ، فمنه ما يَقتل كصوت الصّاعقةِ، ومنه ما يَسُرّ النّفوسَ حتّى يَفرُطَ عليها السّرورُ فتقلَقَ حتّى ترقصَ وحتّى رُبّما رمى الرّجلُ بنفسِه من الحالِق، وذلك مِثلُ هذه الأغاني المُطربةِ. ومنه ما يَكمِدُ. ومنه ما يُزيل العقلَ حتّى يُغشَى على صاحبه نحوَ هذه الأصواتِ الشّجيّةِ والقراءاتِ المُلحَّنةِ. وليس يعتريهم ذلك مِن قِبل المعاني لأنّهم في كثير من ذلك لا يفهمون معانِيَ كلامهم. وقد بكى بعضُهم وهو يستمِعُ إلى التّرتيل فقيل له:" كيف بكَيْتَ من كتابِ الله وأنت لا تُصدّقُ به؟" قال:" أبْكاني الشّجَا!"
وزعَم أهلُ الطّبّ أنّ الصّوتَ الحَسن يجري في الدّم مَجرَى الدّم في العروق، فيصفو له الدّمُ وتنمو له النّفسُ ويرتاح له القلبُ وتهتزّ له الجوارحُ. ولا ينامُ الطّفلُ الباكي إلاّ بعد أن يطرَبَ. أوَ لا ترى إلى أهل الصّناعاتِ كلِّها إذا ﭐعتراهم الفتورُ والمَلالةُ ترنّموا الألحانَ فـﭑستراحتْ إليها أنفسُهم؟
وقد يُتوصَّل بالألحان الحِسان إلى خير الدّنيا والآخرةِ، إذ تَبعَث على مَكارم الأخلاق(...)
وزعَموا أنّ في البحر دوابّ قد تزمّر أصواتا مُطربة ولحونا مُستلَذّة يأخذ السّامعين الغَشْيُ من حلاوتها، فـﭑعتنى بها وَضَعةُ الألحان بأن شبّهوا بها أغانِيَهم فلمّا يبلغوا. وزعَموا أنّ السّمّاكين بنواحي العراق يَبنُون في جوفِ الماء حفائرَ ثمّ يضربون عندها بأصواتٍ شَجيّةٍ، فيجتمع السّمكُ في الحفائر فيصيدونه. وإنّ الإبلَ أيضا تزداد نشاطا وقوّة وهي تُصغي إلى الحِداء، فترتفع آذانُها وتلتفت يمنةً ويسرة وتـتبختر في مِشيَتِها(...)
التعليقات (0)