ربما لم تكن نتيجة الأستفتاء حول حظر المآذن في سويسرا مفاجئة للمسلمين ، فهي بالتأكيد طبيعية في ظل التعصب المتصاعد ضد الأسلام والمسلمين في أوربا والغرب عموما . وأذا صوت 57,5 % من السويسريين ضد المآذن وهم أكثر شعوب أوربا تعددية عرقية وثقافة سلمية، فماذا ستكون نتيجة أستفتاء مماثل في باقي أوربا ؟.
كانت ستكون نتيجة الأستفتاء السويسري طبيعية لو أنها جائت ضمن أستفتاء علماني على منع جميع الرموز الدينية لدور العبادة لتشمل ابراج الكنائس المسيحية واليهودية وغيرها من الأديان، ألا أن الرسالة الشعبية السويسرية كانت واضحة . وهذا ما أكده أكثر من مسؤول أوربي أولهم القيادي في حزب المستشارة الالمانية انغيلا ميركل (الاتحاد المسيحي الديموقراطي) فولفغانغ بوسباخ واللذي رأى ان التصويت يعكس خشية من اسلمة المجتمع ينبغي "التعامل معها بجدية".
هذه العبارة بالذات أستوقفتني كثيرا . أذ أن كثيرين كانوا يعتقدون أن المحرك الأول لمثل هذه الأستفتائات والتهجمات على الأسلام والمسلمين " الرسومات المسيئة للرسول صلوات الله عليه وعلى آله مثلا " سببها الرئيس هو أرهاب بن لادن والقاعدة اللذي اعطى أنطباعا خاطئا ومشوها عن الأسلام .
ألا أن عبارة فولفغانغ اثبتت ما ذهب اليه كثيرون آخرون من أن ما نشهده من قوانين ضد الحجاب والنقاب وأخيرا المآذن ما هي ألا أنعكاس لحالة الأسلام فوبيا اللتي تجتاح أوربا هذه الأيام . ومقدمة لقوانين أخرى ستجبر المسلمين هناك على التخلي عن جوهر الأسلام لكي يصبح دين ديكور خالي من الروح مشابه للمسيحية الأوربية المختلفة تماما عن المسيحية الحقة واللتي نعرفها عن أخواننا المسيحيين في بلادنا .
والحقيقة أن هذا الخوف من الأسلام ومن أسلمة المجتمع الأوربي ليست وليدة اللحظة . فصراع الحضارات يظهر بقوة في هذه الأحداث . كما أن هناك أيادي ظاهرة وخفية تنمي هذا الصراع وتنفخ في ناره منذ عقود . فمن الواضح وضوح الشمس أن الوصول الى السلطة في الدول الأوربية مستقبلا سيكون عبر طريق وحيد هو طريق التشدد ضد الأسلام ومحاربته بكل الطرق .
كما أن الضرب على وتر الخطر الأسلامي أصبح المادة المفضلة للأعلام الأوربي . حتى أن الأمر أصبح صناعة كما صرح الكاتب البلجيكي ايكو مالي المتخصص في الثقافات المقارنة في كتابه الصادر حديثا المسمى: ماكينة الحضارة – نحن والاسلام. واللذي يتناول فيه منشأ وتطور ظاهرة النظرة الثقافية واستخدامها كأداة لتعليل كل ما له علاقة بالأحداث التي يكون المسلمون طرفا فيها.
ففي لقاء مع هذا الكاتب أجراه القسم العربي لاذاعة هولندا العالمية ، سأل إن كان حديثه يعني تبرئة المسلمين من كل مسئولية في ما يجري؟ .حيث كان مدخل الحديث مقولته التي اوردها في الكتاب بأن الاسلام اصبح بمثابة (الطريدة) هنا في الغرب ليتكالب عليه الجميع كل حسب غرضه . فأجاب الكاتب:
"هناك بالتأكيد الكثير من المشاكل، ولكن اذا شرعت في تحليل هذه المشاكل بشكل فعال، سترى ان هناك مجموعة من الأسباب المعقدة خلف هذه المشاكل، تتعلق بوضعية الناس في المجتمع، انظر مثلا لإحصائيات الفقر لترى أن 52% من فئات المغاربة والاتراك يعيشون تحت خط الفقر، ولكن الناس ينظرون مباشرة للإسلام لتعليل ما يطرأ من ظواهر واشكالات، من الشباب المتسكع الي ظواهر التطرف. بهذه الطريقة اقول إن الاسلام ضحية البرامج التلفزيونية وبرامج الراديو الباحثة عن جمهور والساسة الباحثين عن نجاح".
وأردف قائلا " اصبحت مثل هذه الطريقة في تفسير الأحداث، والتي تجنح لتسيس مسائل ذات طابع ثقافي او اجتماعي اقتصادي، تضمن إقبال الجماهير علي استهلاك الرسالة، ايا كان موضوعها. لنشهد عشرات برامج النقاش والرأي تتناول الإسلام كموضوع، وعشرات الكتب تحاول تحليل الخطر الإسلامي، ليتحول الأمر إلي صناعة.
اما على الصعيد السياسى فإن مهاجمة هذه الفئة الاجتماعية، وفئة المهاجرين على وجه العموم، اصبح الوسيلة المجربة لضمان اصوات الناخبين في معظم الدول الأوروبية، من الراحل يورغ هايدر في النمسا، وفيليب دو فينتر وكتلة الفلاميين في بلجيكا الى فورتاون ، فردونك وخيرت فيلدرز في هولندا.
وحينما لا يكفي الهجوم وحده تتم المطالبة بإلغاء مادة المساواة من الدستور كما طالب فيلدرز في هولندا. وبتوسيع امكانية حرية التعبير كما طالب زعيم الحزب الليبرالي مارك روتا، ليصبح شتم فئة اجتماعية (المسلمين) وإهانتها أمرا عاديا وعلى هذه الفئة ضبط النفس وتعلم التعايش مع حرية التعبير !.
أعتقد أن على المسلمين في أوربا الأحتياط والتحرك بجميع الطرق القانونية المتاحة لديهم من الآن فصاعدا . وألا فأنهم سيكونون وقودا للحملات الأنتخابية القادمة لجميع أحزاب أوربا .
http://www.rnw.nl/ar/العربية/article/ماكينة-الحضارة-سبب-تخلف-المسلمين-هو-ثقافتهم
www.google.com/hostednews/afp/article/ALeqM5glxgqPmR5xhDxVRPd99iyM4Q2hbg
التعليقات (0)