وضع مشروع الدستور الجديد حدا للجدل الكبير الذي رافق النقاش حول مسألة الهوية المغربية. فقد أصبحت الأمازيغية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. و لا بد أن هذا القرار الذي توصلت إليه لجنة صياغة الدستور بعد مشاوراتها مع الفرقاء السياسيين و النقابيين و الاجتماعيين، يستحق التنويه و الترحيب، لأنه جاء ليرد الاعتبار للهوية الأمازيغية التي خاصمها المغرب الرسمي طويلا. لكن ترسيم الأمازيغية، و إن كان خطوة أساسية في الاتجاه الصحيح، يحتاج إلى خطوات عملية و إرادة سياسية واضحة، حتى لا تصبح بعض مضامين الدستور نفسه مدخلا قانونيا لإعادة الأمازيغية إلى الأرشيف من جديد.
ينص الفصل الخامس من الدستور الجديد على ما يلي:
" تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. و تعمل الدولة على حمايتها و تطويرها، وتنمية استعمالها.
تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء.
يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، و في مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية. "
الأمازيغية إذن وفق هذا النص لغة رسمية، و تحقيق الترسيم الكامل لها يتطلب ترسانة من القوانين و الإجراءات المسطرية. لذلك يتحدث هذا الفصل الدستوري عن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية بشكل تدريجي. و هذا أمر مقبول و معقول بالنظر إلى الصعوبات التي تنتظر هذا الورش الكبير، خصوصا و أننا بحاجة إلى البدء من الصفر بعد كل أشكال التهميش و المصادرة التي تعرضت لها الأمازيغية. لكن صيغة " مجالات الحياة العامة ذات الأولوية" التي وردت في الفصل أعلاه، تجعل عملية الترسيم منقوصة ( و إن كان ذلك مقبولا مرحليا)، لكنها أيضا تفرض طرح سؤال أساسي هو: ماهي هذه المجالات؟ و على أي أساس سيتم تحديدها؟. غير أن الجانب القانوني في مسألة الترسيم التدريجي للأمازيغية يحيلنا على المؤسسة التشريعية باعتبارها الجهة المخولة بإصدار هذه القوانين. و على هذا المستوى تتحول علامات الاستفهام إلى تخوفات مشروعة بشأن مستقبل هذا المشروع الدستوري. و لفهم هذه التخوفات يجب أن لا نقرأ مسألة ترسيم الأمازيغية بمعزل عن الفصول الدستورية الأخرى. و في هذا الصدد ينبغي التوقف عند الفصل 71 المتعلق بسلطات البرلمان في الدستور الجديد، حيث نقرأ فيه مجموعة من النقط التي يختص البرلمان بالتشريع و إصدار القوانين بشأنها. و من بين هذه النقط نجد في الفصل المذكور : " تحديد التوجهات و التنظيم العام لميادين التعليم و البحث العلمي و التكوين المهني ". و بما أن الحقوق اللغوية جزء أساسي من ديباجة الدستور المغربي، فإن ذلك يعني أن إدماج الأمازيغية في التعليم مثلا سيكون جزءا من المجالات التي يختص البرلمان بإصدار تشريعات قانونية متعلقة به. و لأن التعليم هو حجر الزاوية في تنفيذ البرامج التي تستهدف قيم المواطنة و تحقيق الغايات الكبرى للمجتمع، فإن التخوف يظل واردا من التضحية بالأمازيغية في سياق لعبة التوازنات السياسية داخل قبة البرلمان. و هو ما من شأنه أن يبقي ترسيم الأمازيغية حبيسا للنص الدستوري دون سند واقعي.
من جهة أخرى تتطلب عملية ترسيم الأمازيغية موارد مالية ضخمة في مختلف الإدارات، و هي موارد ينبغي رصدها من ميزانية الدولة. و من تم فإن التشريعات التي تصدر عن البرلمان يمكن أن تكون موضع رفض من طرف الحكومة إذا كانت تتطلب تكاليف مادية جديدة. و ذلك ما ينص عليه الفصل 77 من الدستور الجديد الذي بموجبه " يسهر البرلمان و الحكومة على الحفاظ على توازن مالية الدولة. و للحكومة أن ترفض، بعد بيان الأسباب، المقترحات و التعديلات التي يتقدم بها أعضاء البرلمان، إذا كان قبولها يؤدي بالنسبة لقانون المالية إلى تخفيض الموارد العمومية، أو إلى إحداث تكليف عمومي، أو الزيادة في تكليف موجود." و إن كان منطوق هذا النص يدعو المشرعين إلى وضع الإمكانيات الإقتصادية للدولة بالاعتبار في كل تشريع قانوني، فإن المتطلبات المادية لترسيم الأمازيغية قد تكون حائلا دون تمكينها من تحقيق دورها كلغة رسمية حقيقية إلى جانب اللغة العربية طبعا في مختلف مجالات الحياة. و هكذا يمكن أن يصبح الدستور نفسه مسوغا للتملص من ترسيم الأمازيغية واقعيا أو التأخير في أجرأتها، إذا رأت الحكومة أن إجراءات الترسيم في مجال ما تتطلب موارد مالية ضخمة لا تستطيع تحملها... لذلك فإن الإرادة السياسية تظل ضرورة ملحة و خصوصا في المرحلة المقبلة، لأن ترسيم الأمازيغية سيحقق على المستوى النظري المصالحة بين المغرب و تاريخه، لكن هذه المصالحة لن تكتمل إلا ببلورتها على مستوى الممارسة الفعلية التي تقطع مع كل أشكال الحجر التي مارسها الإختيار" العربي " على هوية المغاربة المتجذرة في التاريخ.
و حتى لا تتحول الأمازيغية إلى لغة رسمية ثانية بالمعنى التفاضلي، فإن الدولة مطالبة بتوفير كل الإمكانيات المادية و القانونية التي من شأنها أن تسرع عملية الترسيم حتى يصبح لمفهوم التعددية في المغرب دلالته الواقعية. و لابد من منح "المجلس الوطني للغات و الثقافة المغربية" ،المزمع تأسيسه بموجب الفصل الخامس من الدستور، كل الإمكانيات التي من شأنها أن تمكن من تطوير و حماية اللغة الأمازيغية كإرث حضاري و هوياتي مشترك لجميع المغاربة دون استثناء. محمد مغوتي.18/06/2011.
التعليقات (0)