بعد أن أدى الشعب العراقي التصويت وقوفا بوجه كل التحديات المفروضة اتجهت أنظاره نحو المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لحسم نتائج التصويت وإعلانها بشكل يمهد لتشكيل حكومة طالما انتظرها الشعب العراقي بفارغ الصبر, إلا أن اغلب ما أعلن للشعب من تهيئة واستعداد لإجراء هذه العملية كانت هي الأخرى لا تخرج عن إطار الدعاية كما هي الدعاية الانتخابية للكثير من الكيانات والأحزاب السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، وفي هذه المرحلة دخلت المفوضية حلبة الدعاية بلا منافس, ما عرضها للكثير من الاتهامات والتساؤلات المشوبة بالحذر من عمل هذه المؤسسة واليات فرز النتائج والإعلان عنها بشكل جزئي منذ انتهاء فترة التصويت ولحد الآن.
هذا الوضع الذي شاهدناه فتح الباب واسعا أمام إطلاق الاتهامات سواء بين الكيانات المتنافسة أو بينها وبين المفوضية ولم يستطع احد من الأطراف الدفاع عن نفسه وإنهاء هذه السجالات المرة والتي أعطت نتائج سلبية مما اشعر المواطن بعدم جدوى التصويت وان التلاعب بصوته بات أمرا سهلا لحسم الموقف لصالح هذا الكيان أو ذاك.
بعض الكيانات السياسية باشرت حملة الاتهامات منذ الليلة الأولى ليوم التصويت إذ أعلنت بان هناك نية مبيتة لتزوير النتائج ومارست ضغوطا دولية بهذا الاتجاه ولم تقدم أي دليل يدعم ما ادعته ولا أدل على ذلك من اصطفاف عضو البرلمان الأوربي السيد ستيفنسن إلى جانب هؤلاء والتشهير بعدم حيادية المفوضية واتهامها بالتزوير معتمدا في ذلك على بعض الرسائل الالكترونية التي وصلته عن طريق بريده الالكتروني من جهات غير معروفة, ما استدعى أن تقف المفوضية أمام هذا الاتهام مطالبة إياه بالكشف عن الأدلة التي اعتمدها وإلا ستقوم بدورها بمقاضاته دوليا, وحيث كان يصرح باسم البرلمان الأوربي قامت لجنة من البرلمان باستدعاء ستيفنسن للاستفسار عما إذا كانت لهذه الاتهامات ما يبررها أم لا مستنكرين التحدث باسمهم بهذه الطريقة غير الموثوقة, مضافا إلى هذه الآلية المتعثرة إعلان النتائج بالتقسيط المريح وهذا ما افقد العملية الانتخابية نكهتها وبريقها الجذاب أمام الإعلام الصديق والمعادي، كما فتح الباب أمام أعداء العراق للقيام بعمليات إرهابية وخلخلة الوضع الأمني لا سيما وان الحكومة المنتهية صلاحياتها التي لا تعدو عن كونها لتصريف الإعمال كانت ولا تزال تعاني من تغلغل العناصر المغرضة والمنفذة لأجندات خارجية معادية للديمقراطية الوليدة في العراق.
فيما أبدت بعض الكيانات ارتياحها للنتائج الأولية التي صدرت عن المفوضية لأنها أظهرت تقدمها وتراجع الباقين وما أن أعلن عن نسب متقدمة لفرز الأصوات وصعود بعض الكتل وهبوط أخرى حتى تبدل الموقف وانقلب من كان مؤيدا إلى معترض والآخر بالعكس ما أثار موجة جديدة من عدم الثقة بين المكونات السياسية وهذا ما يفرز وضعا غير طبيعي وبالتالي يؤدي إلى تفاقم مشكلة التأخير غير المبرر للنتائج النهاية وهذا ما يوجب اعتماد المفوضية تعديلا لآلية العد والفرز ومن ثم الإعلان عن النتائج تضمن من خلالها السيطرة على العملية برمتها وذلك باعتماد فترة صمت إعلاني عن النتائج لحين اكتمال عمليات العد الفرز بدلا من الإعلان الجزئي والذي فتح الباب أمام كل الاحتمالات السلبية ومنها عملية فرض الشروط لتشكيل الحكومة والتي منها ما هو مخالف للمعايير الوطنية والدستورية.
على خلفية ما سبق يمكن بلورة موقف يلم شتات الأطراف المتصارعة بعيدا عن المصالح الضيقة ملبين بذلك الحاجة الوطنية العليا للبلد كما أنهم يجددون بذلك الثقة بين الناخب والمنتخب فما قدم من قبل بعض الكيانات الوطنية يشكل حلا للخروج من أزمة تشكيل الحكومة دون أن يفرض شروطا تعجيزية ولا يتجاوز احد من الكيانات التي تنسجم برامجها مع تطلعات الجماهير في الحرص على وحدة العراق والابتعاد عن الطائفية المذهبية والسياسية مؤكدين عدم الانجرار وراء الفتنة واستخدام العنف كوسيلة لفرض واقع سياسي جديد.
وهذا بمثابة صمام أمان للحفاظ على العملية الديمقراطية والتي تمثل الخيار الستراتيجي الذي لا رجعة عنه وكل من يفكر بالرجوع إلى الوراء وتكرار تجربة الحزب الواحد والقائد الضرورة فهو خارج إطار المشروع ولا يمثل الحالة الوطنية المتوخاة, فعراق اليوم لابد أن يدار بأسلوب الشراكة والتخادم وكفى هذا الشعب ما عاناه طيلة العقود الماضية من ظلم واضطهاد ولا يمكن لمن يملك ذرة من الوطنية أن يسمح للآخرين بالرجوع بهذا البلد وإعادة السيناريو الذي أوصل العراق والعراقيين إلى الدمار والخراب الذي ما زلنا نعاني وسنعاني منه إلى أمد غير معلوم ما لم يتول الأمور من هو كفؤ من الناحية الوطنية والعلمية والإدارية لكي يستطيع أن ينقل البلد إلى بر الأمان وبأقل الخسائر..
التعليقات (0)