د. أحمد الخميسي
سيرة ذاتية
د. أحمد الخميسي . كاتب صحفي وقصاص مصري . مواليد القاهرة 1948 . حصل على دكتوراه في الأدب الروسي من جامعة موسكو عام 1992 . عضو نقابة الصحفيين واتحاد كتاب مصر . عمل في الصحافة بدءا من عام 1964 ، وظهرت قصصه القصيرة في العام ذاته في المجلات المصرية ، وقدمه الكاتب الكبير يوسف إدريس لمجلة الكاتب المصرية عام 1967. اعتقل في مظاهرات فبراير الطلابية عام 1968 ، وظل بالمعتقل لأكثر من عامين ونصف . سافر للدراسة في روسيا ، وعمل أثناء ذلك مراسلا صحفيا من موسكو لعدة صحف ومجلات عربية . حاليا متفرغ للعمل الصحفي والأدبي .
صدرت له الكتب التالية :
- "الأحلام ، الطيور الكرنفال " مجموعة قصصية عام 1967
- " معجم المصطلحات الأدبية " ترجمة عن الروسية عام 1984 - " المسألة اليهودية " للأديب العالمي دوستويفسكي - مجلة أدب ونقد – العدد رقم 69 – مايو 1991 ، وأعادت مجلة " زرقاء اليمامة " عام 1996 نشر نفس الترجمة .
-" كان بكاؤك في الحلم مريرا " قصص عن الروسية عام 1985 .
-" قصص وقصائد للأطفال " ترجمة دمشق عام 1998 .
-" نجيب محفوظ في مرآيا الاستشراق " ترجمة وإعداد عام 1989 .
-" أسرار المباحثات العراقية السوفيتية في أزمة الخليج " ، تأليف وترجمة عام 1991 .
- " موسكو تعرف الدموع " دراسات القاهرة 1991 .
- " حرب الشيشان " 1996عن دار الاتحاد بالإمارات .
- " نساء الكرملين " 1997 .
-" رائحة الخبز " قصص مترجمة 1999.
- " قطعة ليل " مجموعة قصصية من تأليفه في يوليو 2004 عن دار ميريت بالقاهرة
- " الباب المغلق بين الأقباط والمسلمين " القاهرة – 2007
- " كناري " مجموعة قصصية – كتاب اليوم أخبار اليوم – القاهرة – ديسمبر 2010
قطعة ليل
اثنتا عشرة قصة ضمتها ثنايا المجموعة في أشكال متراوحة الطول ومتراوحة بين الهموم الإنسانية، الوجودية والتأملية والواقعية والذاتية التي تبدو انها جزء حميم من سيرة الكاتب نفسه.
ورغم أن اهتمامات احمد الخميسي بالإبداع القصصي تبدو قليلة مقارنة بمنجزه المنشور في الترجمة والسياسة والفكر إلا أن المجموعة تحمل قدرا ليس قليلاً من الوعي بالتقنية القصصية والبناء شديد التماسك والحذق في اختيار اللغة القصصية وتحريك الأبطال سواء كان ذلك في وقائعيته أو في فنتازيا الحدث كما يبدو في اكثر من قصة بالمجموعة.
تبدأ المجموعة بقصة وقت آخر وتتناول حكاية الشاب ياسر وجدي الذي يصل إلي حالة مرضية من الضجر بتكرار ما يحدث حوله يومياً سواء كان في الباص أو العمل أو مع الزوجة والأصدقاء ويبدأ في رصد كل ما هو متكرر ويدعو لليأس والملل فيجد أنه كثير، وتتصاعد حالته بشكل مثير لدرجة ازعجت كل مجاوريه فكان الحل الفنتازي الذي أوجدته القصة عندما تنتاب ياسر وجدي رعدة هائلة كرعدة الوحي ويبدأ في التلاشي شيئا فشيئا وسط ذهول زوجته وأولاده وأقربائه ثم ينظرون إلي كرسيه فيجدون ياسر وجدي آخر وقد غادره كل ما حل به، وكأن الشخصية العابرة التي تلبسته وفشلت في التكيف الاجتماعي إنما هي الوجودية الضجرة بما حولها والتي لا تصلح لساناً لهذه الجماعة النمطية المهانة التي لن تستوعب ابداً حالة من حالات التأمل العابر وفي النهاية تنتصر نمطية الجماعة.
أما القصة التي تتعامل مع الفانتازيا باعتبارها مفجرة الصراع فهي قصة المجموعة قطعة ليل وتتناول حكاية جماعة غير محصورة العدد تسير في طريق تقتله الإضاءة، هذه الجماعة تجري وراء قطعة من الليل لأنها تعيش في نهار دائم وضوء شديد يبعث علي الجنون، تتساقط الجماعة واحداً واحداً إلا ثلاثة يستمرون في السير بحثاً عن قطعة من الليل خلف الرابية او الجــــبل وفي النهاية لا يجدون إلا نهراً من الضوء. وعلي عكس ما يتوقع قارئ أحمد الخميسي تسير أحداث القصة حيث لا نجد الجماعة تبحث عن قطعة من النهار في ليل بهيم، ولكننا نعثر علي القيمة في وجه آخر لهذه العلاقة التي تريد أن تقول إن غياب الليل يساوي تماماً غياب النهار وإن الظلام ضرورة كما أن النور ضرورة ايضاً.
أما قصة غيمة فتتناول حكاية الأم التي توفيت فجأة في فراشها لكنها بعد رحيلها تترك أثاراً لا نهائية وغير منقضية في المكان ولأن ابنها الذي كان يقيم معها اصبح يضيق بهذه التذكارات التي تعيد إليه امه في كل مرة فقد بدأت زوجته تغيير كل شيء في الشقة بداية من الأثاث مروراً بإعادة الطلاء حتي بدأت رائحة الأم تتلاشي بالفعل من المكان وبدل أن تحتل الشقة كلها تحتل صورتها إطاراً في الحائط.
يقول الكاتب وحلت مكان روح أمي التي كانت تجوس بين أشيائها في الشقة صورة كبيرة لها في إطار مذهب توحي ليس بالرغبة في استبقاء وجه امي طيلة الوقت علي مرأي من الجميع بقدر ما تشير بأن المساحة الممنوحة لهذه الروح قد تقلصت بحجم إطار الصورة وإن علي امي من الآن فصاعداً أن تقنع بوجودها الذي تقلص وثبت بمسمار في الجدار دقته ثريا بارتباك وعلي عجل .
أما قصص نتف الثلج، إغفاءة، وتصادف أنني في حالة من حالات التذكر الحميم وهي ليست قصص بقوة السيرة الذاتية أو تسير في موازاتها بل هي سيرة ذاتية بالفعل. ففي قصة الخميسي تصادف انني يقص حكاية امرأة فائقة الجمال كانت زوجة للشاعر الذي قال فيها حولي عينيك إني لا اطيق ما تصبان بنفسي من حريق وكان ذلك في مطلع يناير 1943 حسبما تحكي القصة. ويبدو انها سيدة من المتحلقات حول والد الخميسي الراحل عبد الرحمن الخميسي.
تنقطع صلة الخميسي الابن بالسيدة الجميلة إلي أن يراها في أيامه الأخيرة وقد احتفظت ببقايا من جمال قديم في حياة خالية إلا من الذكريات لكنها يبدو كانت في أيامها الأخيرة التي استقبلها الكاتب فيها وودعها فيها أيضاً.
أما قصة إغفاءة فتتناول مشهد الأب الخميسي في السجن وكان الابن الصغير يزوره مع الأم ثم المشهد المقابل الذي يكبر فيه الابن ويتحول إلي سجين سياسي هو الاخر يزوره الأب وبين المشهدين تكمن المفارقة حيث كان الأب يخيف الابن الصغير بالعسكري الذي يجره من قيده إذا ارتكب حماقات صغيرة، وعندما كبر الابن واصبح هو السجين مارس الأب نفس نكاته مع مأمور السجن حتي يتمكن من إدخال الشاي والبن والورق والأقلام إلي زنزانة ابنه. تتناول القصة أيضاً جانباً من طرائف عبد الرحمن الخميسي في عديد من المواقف مثل رحلته مع احمد الخميسي الأبن من الإسكندرية إلي بيروت. وهي مجموعة من المواقف غطاها الكتاب الذي أصدره الكاتب يوسف الشريف تحت عنوان عبد الرجمن الخميسي القديس الصعلوك الذي صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب قبل عامين.
الجدير بالذكر أن القصتين السابقتين هما الأقل تمسكاً بالتقنية الإبداعية لكتابة القصة ربما لأن الكاتب لم يستطع ان يحافظ علي قدر ضروري من حيادية الذات المبدعة تجاه الموضوع القصصي فاستغرق في الحكي دون التأكيد علي هذا الفعل الذي هو القادر علي خلق شبكة أوسع للاتصال الإنساني مع العالم المحكي دون ان يتسرب إلينا أن الكتابة شجون و نفثات مصدورة يمكن لأي مؤرق ان يكتبها.
ولا تختلف قصة نتف الثلج عن هذا الرصد الذاتي كثيرا وهو رصد وإن لم يكن معيباً إلا أنه كما سبق أن قلنا يجعل انتماء العمل إلي السيرة الذاتية أقرب منه إلي النسيج القصصي.
لكن الخميسي الابن ما يلبث أن يعود إلي عالمه القصصي الأثير في بقية قصص المجموعة. فنطالع قصته الرائعة السند هذا الفقير الذي بني كوخاً علي الأطراف ويمارس مهنة صناعة الفخار والأواني الفخارية ونحن لا نشاهد فقط سوي علاقة غير متوازنة من عائلة اللواء الألفي دون تحديد، عندما نجد الرجل يقف أمام السند ليكيل له عدداً هائلاً من الصفعات دون مبرر ثم تكشف الأحداث أن مشكلة السند أنه كان يقوم بالتبرز أمام مدخل قصر اللواء الألفي ويبدو أنه فعلها اكثر من مرة، وبالتالي فقد تم صفعه بنفس الطريقة اكثر من مرة أيضاً. وتنحصر العلاقة في فعل مقرف وغير متحضر يرتكبه السند الذي لا يملك بيتاً وبالتالي فهو لا يملك حماماً وفعل أكثر وحشية من اللواء الألفي وعائلته عندما يعتادون علي صفع الرجل في كل مرة يفعلها وتنتهي القصة والعلاقة بين الطرفين مفتوحة علي المطلق وكأنها ستظل هكذا أبداً.
في قصة اثنان يرصد الخميسي العلاقة الفريدة بين شاب وفتاة، الفتي ضائع في وظيفته البسيطة بمللها وكللها والفتاة ضائعة في البحث عن فرصة عمل وها هي تذهب إلي الإسكندرية بوعد من عزت للبحث عن وظيفة في إذاعة الاسكندرية وبين القاهرة حيث يقيم الفتي والإسكندرية حيث أصبحت تقيم الفتاة هواتف حارة ورسائل لا تعني سوي احتياجات عابرة. ليست حبا وليست كراهية، ليس شوقا وليست فتوراً، الاثنان يحتاجان دون أن يكون لأي منهما قدرة علي تحديد ما يريد، أو بالأحري لا يريد أن يفصح عما يريد ومع تباعد المسافة تباعدت الشقة وتباعد الشوق وها هي الفتاة تسير متأبطة ذراع عزت وها هو يفكر في ابنة عمه المطلقة.
أما قصة نبضة التي تأتي بين أفضل قصص المجموعة فهي رصد لحالة أكثر إنسانية لصورة طبية لقلب طفل يتكون في رحم أمه وأب فقد عمله البسيط الذي كان يتقوت منه وأم مغلوبة علي أمرها وبيت ضاع لأسباب شتي أولها الفقر وزيارات إلي الأهل أصبحت ثقيلة لضيق ذات اليد أما زوجته الحامل التي تشتهي تتوحم علي السمك المقلي فهو يعدها مخلصاً كل يوم انه سيشتري لها السمك المقلي، بل كل السمك المقلي الذي يوجد في كل المحلات.
وتبدو مجموعة قطعة ليل للكاتب احمد الخميسي أكثر إخلاصاً للدور الاجتماعي الذي تبدو قناعة الخميسي به واسعة لذلك فمعظم قصص المجموعة تضج بواقعيتها فيما عدا بعض القصص التي تعتمد علي الفانتازيا والمفارقة وذلك عبر لغة لا تملك أي افتعال ولا تزيد بل تسير القصص عبر لغة محكمة تعبر بدقة عما يريده الكاتب دون رطانة ودون ابتسار أيضاً.
لا يطمح الخميسي لطفرات علي مستوي الشكل لذلك تبدو بنية المجموعة مخلصة للقصة المبنية بالمعني التقليدي، وأظن ان سعي الكاتب للتجديد كان ينحو إلي الأفكار وتكويناتها وهو ما نجح فيه بشكل لافت عبر عديد من قصص المجموعة التي تمثل مفاجأة لكاتب موهوب انصرفت كل قواه الفكرية إلي العمل السياسي والفكري وبعض الترجمات المهمة.
التعليقات (0)