مواضيع اليوم

مائة أديب مصرى ( 23- 100) السيد نجم

الدكتور صديق

2011-05-22 18:43:38

0

 -اسم: السيد نجم / السيد عبدالعزيز نجم - مصر

-أمين سر اتحاد كتاب الانترنت العرب..

-التخصص الأدبي: إبداع الرواية والقصة القصيرة

 

الإصدارات:

-"السفر"-مجموعة قصص قصيرة- "القاهرة"- 1984-"دار الثقافة الجديدة".

-"أوراق مقاتل قديم"-مجموعة قصص قصيرة- القاهرة- 1988-"هيئة الكتاب المصرية".

-"أيام يوسف المنسي"- رواية– القاهرة-1990- "مطبوعات جماعة نصوص90الأدبية".

-"المصيدة"-مجموعة قصص-القاهرة-1992- "هيئة الكتاب المصرية"

-"لحظات في زمن التيه"-مجموعة قصص قصيرة-القاهرة-1993-"هيئة قصور الثقافة".

-"السمان يهاجر شرقا" –رواية-القاهرة-1995- "هيئة الكتاب المصرية"

-"الحرب:الفكرة-التجربة-الإبداع"-دراسة-القاهرة-1995-"هيئة الكتاب المصرية".

-"عودة العجوز إلى البحر"-مجموعة قصص قصيرة-الإسكندرية-2000– "دار الوفاء للنشر".

-"العتبات الضيقة" –رواية-القاهرة-2001-"هيئة الكتاب المصرية".

-"المقاومة والأدب" –دراسة-القاهرة-2001-"هيئة قصور الثقافة".

-"طفل القرن الواحد والعشرين" –دراسة-الإسكندرية-2002-"دار الوفاء للنشر".

-"المقاومة والحرب في الرواية العربية" –دراسة-القاهرة-2005-"دار جريدة الجمهورية".

-"المقاومة والقص في الأدب الفلسطيني.. الانتفاضة نموذجا"– دراسة-غزة -2006- اتحاد الكتاب الفلسطينيين.

-"غرفة ضيقة بلا جدران"-مجموعة قصص –القاهرة-2006-هيئة الكتاب المصرية.

-"يا بهية وخبريني"-ثلاث روايات قصيرة-القاهرة-2006-مطبوعات نادي القصة-.

-"الثقافة والإبداع الرقمي..قضايا ومفاهيم"-دراسة-الدائرة القافية-أمانة عمان الكبرى-الأردن-2008م

-"الروح وما شجاها"..-رواية- هيئة الكتاب المصرية-2008م.

 

إصدارات في أدب الطفل:

-"سامح يرسم الهواء" –قصة-القاهرة-2001-دار المعارف المصرية

-"الأسد هس والفيل بص"-مجموعة قصص-القاهرة- 2001-دار المعارف المصرية

-"حكايات القمر"-مجموعة قصص-القاهرة-2002- دار الهلال-80صفحة (حجم صغير)

-"المباراة المثيرة"-مجموعة قصص-القاهرة-2003- دار المعارف المصرية

-"الأمومة في عالم الحيوان" –تبسيط علوم-القاهرة-2004 -دار المعارف المصرية

-"الأشبال على أرض الأبطال"-رواية-القاهرة-2004-هيئة قصور الثقافة

-"روبوت سعيد جدا"-مجموعة قصص-القاهرة-2004- دار الهلال

-"حكايات الولد"-مجموعة قصص-الإمارات المتحدة/الشارقة-2007-دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة

-"كامس..ابن الشمس"-رواية-القاهرة- دار الهلال 2007"سلسلة روايات أولاد وبنات".

-"مرنبتاح.. فرعون الخروج"-رواية-القاهرة-دار الهلال 2008م"سلسلة روايات أولاد وبنات".

 

النشر المشترك:

-مجموعة قصص عن القصة في أدب الحرب –القاهرة-1995- هيئة الكتاب المصرية

-مجموعة قصص قصيرة-القاهرة-1997-كتاب المقهى الثقافي الأول "معرض القاهرة الدولي للكتاب" -هيئة الكتاب المصرية

-مجموعة قصص-القاهرة-2000-قصص متنوعة لأجيال مختلفة "كتاب الجمهورية"- عن دار التحرير

 

الجوائز:

-جائزة القصة القصيرة لنادي القصة بالقاهرة عامى1984 و1992.

-جائزة "سوزان مبارك" في أدب الطفل 1993.

-جائزة الرواية العربية "نظمتها صحيفة أخبار اليوم" عام1998.

-جائزة القصة القصيرة (في أدب الحرب) نظمتها القوات المسلحة المصرية عام2000.

- جائزة تكريم المؤتمر الأدبي الأول لأدباء القاهرة 1999.

-الحصول على العديد من شهادات التقدير والتكريم.. آخرها:

-"شهادة تكريم لأعلام الأدباء في العالم العربي عن "الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب"- قطر..(ضمن فئة أعلام وعلماء العرب).. يناير2008م.

- شهادة تكريم "دار نعمان" للنشر- بيروت –لبنان في مارس 2008م.

 

معلومات أخرى:

رسائل جامعية تتضمن الأعمال التالية للكاتب..

-رواية "أيام يوسف المنسي ضمن مضمون رسالة الدكتوراه للدكتور مصطفى الضبع..جامعة عين شمس.

-رواية "السمان يهاجر شرقا" و "الحرب:الفكرة –التجربة-الإبداع" ضمن مضمون رسالة الدكتوراه للدكتور عبدالمنعم أبوريد..جامعة القاهرة.

-رواية "السمان يهاجر شرقا", و"الحرب:الفكرة-التجربة-الإبداع" ضمن رسالة الدكتوراه للدكتورة غادة عفيفي.. جامعة عين شمس.

حضور العديد من المؤتمرات الأدبية والثقافية داخل مصر وخارجها.

 

التأليف في مجال الدراما:

-تمثيلية "نور الظلام" شبكة إذاعة البرنامج الثقافي عام2002

-تمثيلية عن قصة قصيرة بمجموعة"أوراق مقاتل قديم" بإذاعة الإسكندرية.عام2002م

-مسلسل "ساعة الصفر" شبكة إذاعة البرنامج الثقافي عام2003م

 

النشاط الأدبي:

-أمين سر اتحاد كتاب الانترنت العرب.. ومن مؤسسي الاتحاد.

-عضو مؤسس لجماعة "نصوص.9" الأدبية.

-عضو اتحاد الكتاب المصريين.

-عضو نادي القصة.

-حضور العديد من المؤتمرات الأدبية, والاشتراك في العديد من برامج الإذاعة والتليفزيون بمصر والعالم العربي.

-قررت وزارة التربية والتعليم اقتناء رواية "الأشبال على أرض الأبطال"- طفل.

البهيمة
قصة بقلم السيد نجم


لأنه كان لا يزال صغيرا , كانوا لا يعبأون كثيرا بوجوده, وربما يطردونه من جلستهم. ففي جلسات الرجال ليس له الحق في المشاركة ولا حتى بالتعليق عما يسمع.وفى جلسات النسوة ليس من حقه الاستماع إلى كل ما يتفوهن به..ربما لأنه أهم كثيرا من أحاديث الرجال..وإلا لماذا يعمدن إلى الهمس و الغمز واللمز ؟!
على الرغم من ذلك, سمع والديه يتصايحان ,دون أن يعبأ أحدهما بوجوده : نحن في حاجة إلى بهيمة بدلا من تلك التى ماتت حين غفلة.. يجب البحث عن وسيلة, ماذا نفعل؟!

ولأنه لا يملك بهيمة , كانوا يبحثون في كل الوسائل, وعند كل الجيران, ولم يلتفتا إلى ولدهما القابع تحت أرجلهما , مشرئب الرأس, معلق الأذنين.
ظل معلقا بهما فوق عتبة الدار حتى فقد ظلهما وضجيج صوتهما المعلق بهما. تركاه وحيدا, كلماتهما في أذنه حتى سمع من يأمره..أن يكف عن البكاء و أن يتأمل أصابع يديه!

بدا و كأن يدا خفيه قذفت به, رمته فوق شاطىء النهر, فتعلقت الأتربة بجلبابه . لم يعد يشعر بالوحدة, مع ذلك غلبته الدموع, صنعت طينا من حوله.
كان في مثل تلك الجلسات , يعبث في الطين , يصنع كرة أو حتى ثعبانا. لكنه في تلك الجلسة صنع قوائم أربعة و وذيلا غير قصير وفى المقدمة ما يشبه رأس البهيمة. انشغل بصنيعه كثيرا حتى نسى أنه لم يأكل بعد.
فلما عاد إلى الدار , ورغب في النوم من شدة التعب, سمع صوت الهاتف يأمره..بأن يأخذ البهيمة لترعى في الحقل القريب. ذهب ولم يعد إلا بعد غروب الشمس, هاله أن وجد بهيمته وقد كبرت, وكبر ضرعها حتى لامست الحلمات الأرض!. وهو ما أدهشه و والديه .
لم يسأله أحدهما من أين جاءت وكيف؟!!, سألاه فقط: هل البهيمة لنا؟, لم يرد وان انطلقت بسمة سعيدة غامضة . أسرعت الأم إلى الضرع, شربت و شربوا جميعا حتى كسا اللبن الدافئ اللذيذ نحورهم جميعا. يحار من يراه آن كان اللبن متسربلا من أعلى إلى أسفل أم العكس.

وعلى الرغم من أنه سمع نفس الهاتف يأمره بأن يتأمل نفسه في مياه البئر القريبة, وقد تشكلت رأسه كرأس البهيمة و أصبح من ذوات الأربع و يملك ذيلا غير قصير..عمد الصغير إلى إحكام إغلاق جفونه أكثر كثيرا عما قبل.

 

 

الحالم حلما لا يعرف تفسيره

 

 

لن تخطئه لو رأيته للمرة الثانية, يكفى أن تراه للمرة الأولى.. يسير الهرولة بخطواته القصيرة العرجاء, على قصر قامته ونحافته, منتفخ الصدر, متسع العينين, دهشا, وإلا لماذا تلك الانفراجة بين شفتيه؟!

لو لم تتح لك فرصة رؤيته في الشارع بسبب الازدحام, حتما لن تنساه لو قابلته عند أحد جيران الحي. يردد البسملة والدعاء لك بالصحة والعافية وطول العمر. يبدو في حضرتك أهم منك ومن مضيفك, ببساطة لأنه لم يحضر للمسامرة وتبادل أطراف الحديث حول شئون الحرب وأفاعيل الساسة. موجود هنا كي يطبب مضيفك, الذي حتما سيهملك حتى ينتهي الرجل من مهامه.

أما وقد صادفته ورأيته, لن يتردد لسانك أمامه, ستنطق فورا:"أهلا عم خلف". الرجل غير منتبها تماما لاسمك ورسمك, لكنه حتما سيرد التحية بأحسن منها. لن يتوقف عن عمله, فهو في عجلة من أمره, مرضى البول السكري في انتظاره قبل تناول الوجبات, وكل سيدات الحي الحوامل كذلك, أضف إلى كل هؤلاء شباب ورجالات الحي يعرفونه جيدا, يدعمون رجولتهم بحقنة من أدوية شد العصب.

 

يعمل العم "خلف" بأطراف مهنة التمريض, فهو ليس ممرضا, لم يدرسها ولم يشتغل بها في أي مكان.لا..لا, انه فقط يجيد "ضرب" الحقن, ولا شئ غير ذلك.

أهل الحي لهم رأيا آخر, جعلوه في مكانة أعلى من طبيبهم, فلا دواء ولا حقن يكتبها الطبيب يتناولونها..إلا بعد موافقته. وهو بتواضع جم لا يعترض أبدا, يعلم أنه لو أشار بإيماءة امتعاض دهشة أو مترددة, حتما سيمتنع المرضى عن تناول الدواء!

كما يعلم أنه ليس مسئولا عن مكانته في قلوب الناس, على يقين أن دعاء أمه طوال فترة مرضها هو السبب.وبسبب مرضها تعلم "ضرب الحقن"ضمن محاولة رعايتها,وتوفيرا للنفقات.

سر الأسرار فيما وصل إليه, بسبب دعاية أمه له لزائريها, ولأنه استبدل عمله كصبى صغير بمحل البقالة بناصية الشارع إلى مهنة حقن الحقن. خلال تلك الفترة , فترة السبعينيات من القرن الماضي كانت جماعات من الشباب المسرحين من الجيش بعد الحرب, وكذا أصحاب المهن والحرف الصغيرة, وأيضا صغار التجار يهاجرون إلى إحدى دول الخليج تحت وطأة حلم يرجون تحقيقه.. حلم بحياة جديدة, وربما ببعض الثراء, وقد تكون لرغبة البعض العيش بعيدا عن المعاناة التي طالت منذ عام سبعة وستين.

 

لا تدهش أن نال هذا الرجل القصير المكير, كل ما ناله بسبب شكشكات الإبر!, لأنه ببساطة نجح في وخز ابر الحقن بلا ألم, ونال لقب صاحب اليد الخفيفة.

لا تتسرع وتحسبه لصا نال لقب اللصوص, فهو ليس "هجاما" يقفز أسطح المنازل, ولا"ملقاطا" يلتقط حافظة النقود في عز الظهر, ولا "هباشا"..ولا أي درجة من درجات اللصوص.

كانت تجربتي الأولى معه مدهشة, بل ورائعة . في ذلك اليوم قررت أن أتلصص على جمجمة رأسه وأغزو أمفوخه. وددت لو أحطم حاجز الألفة الغامض الذي شيده حول نفسه, عامدا أو عن غير عمد. انه نمط غامض من الناس, لا تستطيع إلا أن تحبه, ولا تستطيع أن تطرح السؤال:"لماذا لا نكره هذا الرجل؟ من الطبيعي أن تكرهه, لأنه مرتبطا بالأمراض والعلل؟

فور أن دخل على, تفحص الأمبول, هزهزه, قال:"زيتي", فتح علبته المعدنية الصغيرة السوداء الكالحة من غير صدأ, عبث وأخرج "إبرة" برقم ما,وأمرني بغلي الحقنة الزجاجية والإبرة..

"ياه..هل ما زلت تستخدم تلك الحقن؟ أحضرت لك حقنة بلاستيكية ترميها فور استخدامها؟", لم يبد اعتراضا ولا قبولا, فقط ظل ممدود الذراع, وبين أطراف أصابعه الحقنة, مبتسما!!

في ذلك اليوم شاركت الجميع, ياله من رجل ماهر. الجديد, وما أسعدني حقا, أنني اكتشفت السر, لأنه يستخدم تلك الحقن القديمة, ولكل نوع من سوائل الأمبولات مقاسا من الإبر مختلفا عن غيره. فلما واجهته بما اكتشفت, ابتسم كعادته, لم يرفض ولم يقبل.. كما أنه لم يصمت, قال: "كله من عند ربنا". فأضاف معلومة جديدة إلى اكتشافي, أن رأس هذا الرجل خالية من أحلام المستقبل, رحل كل أحلامه إلى الآخرة.

طالت فترة لقاءنا الأسبوعي , أتذكر أن الطبيب المعالج يوم أن قرر علاجي أسبوعيا بتلك الحقن, لشد العصب, . نظر نحوى من تحت نظارته الطبية الصغيرة, وقد علقها في منتصف أنفه, قال:"مضطر أنت لحقنة كل أسبوع".لم أتململ, غير مكترث بشكشكات ابر الحقن, عندي العم "خلف". يبدو أن الطبيب لم يفهم, ظل معلقا بناظريه نحوى في صمت. بسرعة أدرت الحديث نحو الحلم الذي لا يبرح رأسي كل ليلة, انشغل عنى, ولأنني أطلت الحديث, أمرني بالذهاب إلى الطبيب النفسي.

 

لا أدرى لماذا وضعت ثقتي كلها في العم "خلف", مثل كل سكان الحي على كل حال, لم أعد أتخابث كي أصل إلى تلافيف مخه..؟؟..وكانت تلك هي الخطوة الأولى.

أما الخطوة الثانية, سألته وبإلحاح أن يفسر لي الحلم الذي لا يبرح رأسي, وأن يعطني شيئا من خبيئته في العلبة المعدنية السوداء الكالحة من غير صدأ...

بدأ بالبحلقة في سماء الغرفة, تابعا بالعبث المنشود في علبته. فجأة أمرني بالصمت, يدهشني تصرفه, ما عاد "خلف" الذي أعرف..النحيف القصير المكير, دقيق الملامح إلا من أنفه الكبير, لأول مرة أكتشف هذا الأنف, وقد خلصت إلى نتيجة , ربما تصدق في المستقبل.. ربما هذا الأنف سببا لأن نتذكره ولا ننساه أبدا!!

ليست خطواته القصيرة العرجاء, ولا صمته المريب, ولا ثرثرته التي تخصه وحده, ولا قربه الشديد إلى أنفسنا حتى أننا لا نتمكن من رؤيته جيدا, أعنى معرفته جيدا.

عدت وتساءلت بيني وبين نفسي, ربما السر في الناس أنفسهم, لأن الناس لا تحب الألم..أعجبتني الفكرة, وتفرغت أتأملها منتشيا بأفكاري.

فلما صمت , ثرثر هو, لم أستطع أن أوقفه. دهشت, الرجل يتحدث عن نفسه كما الناس كلها, بل وقادر على جذب انتباهي, على الرغم أنه لم يحدثني عن حلمي. اكتفى بالكلام عن حلمه هو, حلمه الذي يتكرر كل ليلة, ولا يبرح رأسه في الصباح, ثم سألني أن أفسره له!!!

 

 

كذبت امرأة

 

كان باب الشقة يعاند الانفراج, حتى سمعت وزوجتي من خلفه, صوت حشرجة وخشخشة, لم أعرف مصدره, إلا بعد أن هاجمتنا كومة ضوء باهت, احتوت الممر المظلم.

بدت لنا من خلال الفرجة الضيقة..مترددة في دعوتنا للدخول. نظرت إلى زوجتي سريعا, ومليا حدقت مبحلقة في صمت, بدت وكأنها لاتنظر الى شىء.

لأنني أعرف ماذا أريد, ولماذا جئت؟..قررت ونفذت ما لم أستطعه منذ عشرين سنة, لعشرين سنة تمنيت لو أرى موقع سترها مع زوجها الذي فضلته على. اقتحمت المكان الذي يمارسان فيه ما تمنيته معها , هي حبيبتي التي كانت وهو زوجها الذي مات.

 

سارعت بالاندفاع إلى الداخل, على غير قواعد "الاتيكيت" التي عادة ما أتبعها مع زوجتي, أو أية امرأة أخرى, بالضبط كما سارعت بالثرثرة. لم أكن أدرى ما ينطق به لساني, انشغلت عيناي بجوانب الحجرة, ذي الطلاء المتشقق, وحتى ارتطمت بعينيها. أعترف, أنا لم أذهب للعزاء, كنت أتحدى الزمن الذي انقضى؟!!

 

نطقت بكل الكلمات المملة السخيفة التي أعرفها في مثل تلك المناسبات الموجعة. ألفاظ العزاء كلها كاذبة.. كل همي ألا أترك لها فرصة واحدة لاكتشاف كذبي, فبالغت في العزاء. المدهش أنها تركتني أثرثر بلا أدنى انفعال, تمنيت لو لم تصمت, علنى أتأكد أنها لم تكتشف ما أضمر.

 

فجأة, توجهت بكليتها ناحية زوجتي: "أهلا يا حبيبتي", لم تحاول أن تومئ برأسها شاكرة, أو حتى تسبل جفونها امتنانا بما سمعت. انزاحت إلى مقدمة المقعد الفوتية ذي القاعدة المتسعة, وأدارت كل جسدها..كله, حتى قدميها, وقد ارتدت "شبشب زنوبة" بلاستيك, لم تسع لأن تستبدله من باب اللياقة مع ضيوفها. ولا حتى استبدال هذا الجلباب أو الفستان الكالح الأسود. لمحت أحد أزراره الصدفية البيضاء يتدلى على الجانب الأيسر لصدرها. طلبت منها لو تمزقه حتى لا يسقط وتفقده. الغريب أنها ابتسمت ولم تعقب. فضلت الحديث مع زوجتي الصامتة.

 

قالت ضمن ما قالت, أنها تعيش خريف العمر, وأن زوجها مات في الوقت المناسب!. أظن أنه في مثل تلك المناسبات , لا يتحدثون سوى عن مآثر موتاهم. وربما التأكيد على الشعور بالحرمان بسبب فقد المرحوم.. ماذا في رأس تلك السيدة المحنكة؟!

اقتحمت حديثهما, الذي هو من طرف واحد. بدأت بذكريات طفولة الولد الجن..طفولتي, وشبابي الماجن , وكيف أنني لم أترك ضلالة إلا وعقرتها إمعانا في أنني فقدت شيئا لم أستشعره في حينه, أما الآن...

ما أن نطقت (الآن), حتى أزاحت "الشبشب" , وأخفت قدميها تحت فخذيها. فضلت أن تستربع في جلستها . هكذا في بساطة وسلاسة العشم , بلا أدنى درجة من الحرج, على الرغم أنها لم تر زوجتي من قبل. زوجتي التي لم تنبس ولم يبدو عليها علامات القبول أو الرفض.

.."ماذا لو شربنا فنجانا من القهوة....السادة؟"

وكأني لم أنطق, تابعت هي حديثها الغامض, بينما لمحت أنا أظافر زوجتي تسحج المسند الخشبي لمقعدها.

 

بعد كل تلك السنوات لم أكن أعرف أن هذه السيدة التي أظن أنني كنت أحبها, تستطيع أن تكذب!!

كيف لها بكل تلك القوة ..وأدارت جسدها ضد رغبتها؟ , على يقين أنا, أنها على شوق لأن تنظر إلى بؤرة رأسي من خلال فرجتي عينيها.. واثق أنا, مثلما كانت تفعل, وتفتعل الأفاعيل كي لا أنظر إلا لعينيها. وما كنت أرى عينيها إلا أنها من عسل ولبن وخمر لا يسكر.

سيماء وجهها محايدا في بلادة. لا يبدو عليها التفاته المنتبه إلى جسده الذي يتكاثر. ما كانت إلا رشيقة القد, نحيلة في رقة. كانت نسمة موجة بحر مالح تتهادى .. لا تعلو ولا تبقى ساكنة.

ذاكرتها البيضاء, اكتشفتها من كلماتها.. لا يقدر عليها إلا من يكره على فعله ما. تبدو لي وهى تتلمس جسدها على غير إرادة منها, منهمكة في حديث لم أسمعه, ولم تنفعل له زوجتي الصامتة. فقط , أراها تربك هذا الجسد , وبحذق خبرة الأيام تابعت وشوشات أناملها, تلك التي بدت وكأنها كائنات غامضة تزحف فوق صحراء فسيحة.

شعور أشبه بالفرح انتابني, أحسسته بين ضلوعي, لأنها تريد أن تكشف لي عن أسرار جسدها!!..وان بدا لي عن غير إرادة منها, وهكذا يبدو عفويا!!

طال انتظاري, أكيد تلك السيدة تضمر أمرا لا تريد الإفصاح عنه. بينما تبدو زوجتي كلوحة "الموناليزا" التي تظنها تراك أينما كنت واقفا أمامها.. لولا أن لمحت تلك السجحات آلتي بدت أكثر عمقا عما قبل, في المسند الخشبي لمقعدها !!

 

فلما عبرت عتبة باب الشقة إلى الخارج مسرعا, عانقت السيدة الحزينة زوجتي التي بدت باسمة , وطلبت منها معاودة الزيارة.

سألتني: "كم انقضى من الوقت؟", أخبرتها واثقا: "ساعتان"....

فضحكت زوجتي بفرح غامض , وبصوت عال , بينما نحن في حدود مسامع حبيبتي: "بل أقل كثيرا من ساعتين"

انفرط العقد , لا أدرى كيف اندفعت قائلا بأنها سيدة مملة, ولا تحمل أي قدر من الكياسة أو الذوق , حتى أنها لم تقدم القهوة السادة الواجبة ..وكيف أنها لم تستقبل عزاءنا بالحزن الواجب؟ وكأننا جئنا لرؤية قوامها البدين, وطول قامتها القصيرة, وشعرها المجعد, والهالة السوداء حول عينيها المدغمستين.. إنها سيدة مربكة حقا.. نادم أنا على ما بذلناه من جهد من أجل مواساتها ......

 

اقتربت زوجتي أكثر , كنا مازلنا فوق إفريز الشارع. كادت أن تسد فمي بصفحة وجهها , بينما أطراف أصابعها فوق شفتيها, تأمرني بالسكوت..

فسكت..ليس لتحقيق رغبتها, ولا كرها في الأرملة , ولا لأنني اكتفيت بما نطقت.. لأن أطراف أصابع زوجتي بدت واضحة لي, مصبوغة بالدم , وقد علقت بأظافرها نسائل رقيقة من ألياف خشب مسند مقعدها الفوتيه هناك.

 

 

كأن شيئا لم يحدث, ولم يكن!

 

تراه صامتا, قاطبا ما بين حاجبيه, يتأمل مقدمة حذائه إذا جلس وموضع قدميه إذا سار, وسقف الحجرة إذا استلقى على قفاه.

أما وقد جلس أمامك وحدكما, فلا حيلة أمام صمته إلا أن تدعوه للغداء أو العشاء في غير ميعاد تناولها, حتما سينهض معتذرا عما بدر منه من إزعاج!

المشكلة إذا نجحت في إسقاط حجاب الصمت. ثرثرته بغير حد, ممدودة في الزمان والمكان نحو سنوات بعيدة. كأن الزمن توقف بعد تلك الفترة, الطريف أنه حتما سيلحق كلماته بجملة لا يمل تكرارها: "عادى, كأن شيئا لم يحدث, ولم يكن"..ثم يتابع تكرار حكايته القديمة والوحيدة, يقول....

 

لم يهنأ لي بال طوال فترة تجنيدي, كنت مشغولا بالحرب وبحبيبتي.. على أرض الطابور, وفى الخنادق, وأثناء العمليات الحربية المحدودة. انشغل بها أكثر وأنا منزوي وحدي في قاع البئر.

لم يكن بئرا, حفرة برميلية زرعتها بيدي, ميزتها عن بقية حفر الوحدة, وشيدتها على مزاجي,

كي تسعني وأنا مقرفص داخلها, بحيث تلامس فخذاي جدران بطني, وترتاح كرة رأسي أعلى ركبتي. يخال لعيني أن الحفرة المقبرة بدلتها رحما, ثم أشرد.

الطلقات التي تصفر من فوقى, والدانات التي تدوي من حولي, لا أعرها اهتماما. اعلم أن الفأر يرفض الأسر وهو داخل المصيدة, بينما يبقى ساكنا أسيرا لو التقط أنفاس قطة أمامه في الضياع الواسعة والجبال الممتدة. اجىء بحبيبتي أسألها واسأل نفسي:"لماذا غدرت بي؟!"

كان يمكنها التصرف بكياسة وذكاء أفضل مما فعلت. لو أخبرتني أنها ما عادت تحبني لأنني ممل وسخيف, فما كنت أتحدث سوى عن المعارك والعمليات الحربية التي شاركت فيها, وقتلت أحدهم لا أعرفه.. وعن حياة "الملجأ" أو "قفص القرد" الذي يضمني وخمسة من رفقاء الوحدة, أعيد على مسامعها النكات القبيحة التي أضحكتنا ولا تضحكها, وعن "الجراية" و"الطبخة السوداء" أو الخبز والباذنجان التي تكرهها, وعن موت رفيق وقد تمزق جسده إربا.

لو أخبرتني في تلك الأيام بصراحة: أنت لا تتحدث عن الحب والعشق, أين أنت من تفاحتي؟ فلا تشهيني ولا أنا شهية, كما كل العشاق الكذابين. آه لو قالت.. كنت عاتبت غباء رأسي, وارتحت.

كنت أفضل لو قابلتني غاضبة لأتفه الأسباب, ثم تتهمني بسؤ معاملتها..أكيد كنت سأرد عليها, وأسبها :"يا مفترية!!", ثم أفرغ لنفسي , والعن فقرى وقلة حيلتي.. لأنني أكتفي بكيس الترمس والفول المسلوق المملح ونحن خلف سور كورنيش النيل, بينما على بعد خطوات سور كازينو فخم ومريح.

كلما طالت أيام المعارك, اشتد أزيز الطائرات فوق رأسي, ودوى الدانات من حولي, فلم أعد أستطيع الإجابة على سؤال تلبسني: من أي الجيشين سيأتي الموت؟ و زاد بقائي مع حبيبتي في البئر, اقصد الحفرة.

ذات مرة, غلبتني أحوال الحرب, فلم تجالسني حبيبتي في البئر, وعلى الرغم أنني أقسمت لها, وأخبرتها بكل التفاصيل.. أنها المرة الوحيدة التي نسيتك فيها, شغلتني روحي المعرضة للقبض أكثر, اتهمتني بأنني أناني, ولم تحضر في المرات التالية, حتى عندما ذهبت إلى مجلسنا خلف سور كورنيش النيل في الإجازة الميدانية !

لم تكتفي بما فعلت, عامدة متعمدة تهبط من السيارة الفارهة , أمامي والى جوار أحدهم, يتجهان إلى الكازينو الفخم المريح. أيا من يكون ..حبيبها, خطيبها, عشيقها الداعر, لا تهمني صفته!

وقفت منتبها في صمت, لم تبد اهتماما, تابعت حديثها الذي لم أسمعه, دخلا الكازينو إذن...

كنت في عجلة من أمري, غدا آخر أيامي في الجندية, وسوف أنهى علاقتي بها بتسليم "مخلتى" القماش بكل العهدة.

وقف وسط رفقاء الوحدة الملاعين أمام "الزفتاوى". لو كنت جربت الجندية, تقدر أنني أصفه لك بأنه أهم شخصية يمكن أن تقابلها في حياتك. كما أنه بالفعل هكذا..هاما. الجميع يصيحون باسمه.."يا زفتاوى جهزت كشوف الأسماء", "يا امباشى زفتاوى اجمع الناس , وابدأ حالا", " يا حضرة الصول زفتاوى أنا تحت أمرك"..الآن تستطيع أن تفهم أن رؤسائه من الضباط والصولات يعملون باسمه, والمسرحين من زملائي ينافقونه.

فلما جاء دوري, نهرني: "أين البطانية الصوفية يا عسكري؟؟"

بهدؤ مبتسم أخبرته أنني فقدتها بسبب المعارك, وطول فترة تجنيدي, وأن الحرب هي السبب. لم يبتسم, فتابعت بسرعة قبل أن يصدر حكمه, قلت: "يكفى أنك لو وضعتها أمام عينيك, حتما سترى ما خلفها" وضحكت, لكنه لم يضحك. أعطاني درسا بليغا في المسئولية العسكرية, ودلالة كلمة "عهدة" التي هي في مقام الروح والجسد..أحافظ عليها , ولا أهملها مهما كانت الأحداث.

زملائي الملاعين , شاركوه السب واللعنات, وافقوه على عسكريتي الخائبة, وإهمالي في العهدة أثناء زمن الحرب. احترت, كل هذا بسبب تلك البطانية الصغيرة الصوفية البالية. لم أتابع ما قيل وما حدث..لكنني متأكد الآن أن الشاويش أو حضرة الصول "زفتاوى" دخل إلى حجرة الضابط ولم يخرج.. كأن شيئا لم يحدث, كن شيئا لم يكن!!

 

أما وقد انتهى الصامت من ثرثرته فجأة, لا تجد حافزا لأن تسأله..إذا ما كان سلم مخلته أم لا؟ ولا حيلة أمامك لأن تجعله يعاود الحديث, وقد عاد إلى صمته, وتأمله لحذائه. لكن حتما ستسمعه يقول: عادى..كأن شيئا لم يحدث, ولم يكن؟!!

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !