مئوية محاكمة ديوان وطنيتي
د صديق الحكيم
قبل أيام قرأت مقال للأستاذ مختار نوح المحامي الأشهر وكان يتحدث فيه عن محاكمة الشيخ علي الغاياتي ورفاقه عن قصائد سطرها الشيخ الثائر الأزهري علي الأحوال السائدة في مصر وجمعها في ديوان تحت عنوان " وطنيتي " فأردت أن ألقي الضوء علي حياة هذا الشيخ الثائر
نشأ الشيخ علي الغاياتي في ظروف تاريخية معقدة، حيث كانت مصر قد وقعت في قبضة الاحتلال الإنجليزي سنة 1882 م، وكانت الحركة الوطنية المصرية تحاول بعث الروح الوطنية واستنهاض الشعب المصري ضد الاحتلال، وكان من الطبيعي أن يحدث صدام واضطهاد من سلطات الاحتلال الإنجليزي وسلطات الخديوي ضد عناصر الحركة الوطنية المصرية.
نشأ الشيخ الغاياتي في هذه الظروف في مدينة دمياط ، وكان طالبًا بالمعهد الأزهري بها أصطدم بإدارة المعهد حيث تم فصله بسبب نشاطه الوطني، فاضطر للعمل مدرس بالمدارس الابتدائية الخاصـة.
وعندما أنتقل إلى القاهرة شارك بحماس في العمل الوطني من خلال الحزب الوطني، الذي كان يعد في ذلك الوقت لإشعال الثورة ضد الاحتلال، وأخذ الشيخ الغاياتي ينظم القصائد الشعرية الملتهبة التي تحض على الوطنية والجهاد ومناهضة الاستعمار وبث العزيمة والحماس في صفوف الجماهير، وقام بنشر هذه القصائد في صحف الحزب التي كانت تصدر في ذلك الوقت، كما قام بنشر العديد من المقالات في مختلف الصحف المصرية مثل جريدة الجوائب المصرية، اللواء وغيرهما،
مما أثار حفيظة السلطات الإنجليزية والخديوي عليه، فقامت السلطات بزجه في السجن بتهمة مخالفة قانون التجنيد " سجن القشلاق الأحمر "، ولكن هذا الأمر لم يغير من موقف وصلابة الرجل فاستمر على نفس الخط الوطني النضالي بل تصاعدت نبرته الوطنية والنضالية المناهضة للاحتلال فقام بجمع القصائد التي نشرها من قبل، وأصدرها في ديوان تحت عنوان " وطنيتي " سنة 1910م، وقام كل من محمد فريد وعبد العزيزجاويش بكتابة مقدمة لهذا الديوان، إلا أن السلطات رأت أن هذا الديوان ليس مجرد قصائد شعرية بل شواظ من نار وقذائف تتلظي وقذائف على رأس الاستعمار، فقامت بتحويل كل من محمد فريد، وعبد العزيز جاويش، وعلي الشيخ الغاياتي إلى المحاكمة وأحس الشيخ الغاياتي أن السلطات تتربص به، وأنها لا محالة سوف تسجنه خاصة وأنها تسيطر على القضاء عن طريق القضاة الأجانب، فقام بالتنكر في زي أفندي وكان قبل ذلك يلبس الملابس الأزهرية دائما وسافر إلى تركيا.
وبعد سفره صدرت الحكم من المحكمة بحبسه عامًا مع الشغل، وكان الحكم غيابيًا بالطبع،
كما صدرت الأحكام بحق كل من محمد فريد وعبد العزيز جاويش الأول الحبس ستة أشهر مع النفاذ والثاني الحبس ثلاثة اشهر، وقد نفذ محمد فريد الحكم كاملاً ولبس في السجن ستة شهور كاملة.
ما إن وصل علي الشيخ الغاياتي إلى تركيا حتى واصل الاتصال بزملائه في الحركة الوطنية المصرية داخل وخارج مصر وأستمر يكتب المقالات في الصحف التركية والأوروبية دفاعًا عن قضية بلاده، كما راسل العديد من الصحف المصرية، ثم أنتقل إلى جنيف سنة 1911 م، حيث أستقر هناك مواصلاَ نضاله في المنفي، وفي أعقاب ثورة 1919 م أ أصدر الشيخ علي الغاياتي سنة 1922م صحيفة منبر الشرق، وهي من أهم الصحف التي صدرها الرجل حيث تواصلت بدون انقطاع في المنفي حتى عام 1933 م، ثم عاد بها إلى مصر مع عودته سنة 1937م، وأستمر يصدرها إلى أن توفي 27 أغسطس عام 1956 م. ولم تكن جريدة منبر الشرق في سنوات المنفي مجرد صحيفة تنشر أخبار الوطن المصري والعربي والإسلامي، وتدافع عن حقوق المصريين و العرب والمسلمين والشرقيين عمومًا، بل كانت منتدي لزعماء هذه الأمة كلها.
رحم الله الشيخ الغاياتي ورفاقه وكل الوطنيين الشرفاء الذين ضحوا من أجل مصردون انتظار لمنصب فان أو كرسي زائل فاعتبروا يا أولي الألباب
10 ديسمبر2011
التعليقات (0)