حظيت حكومة بنكيران باهتمام منقطع النظير منذ تنصيبها قبل ثلاثة شهور. وذلك لأنها محسوبة على حزب لم يسبق له تحمل مسؤولية التسيير الحكومي، ورأى فيه المغاربة بعض الأمل للخروج من دائرة الأزمة في سياق مناخ سياسي داخلي متقلب وغير واضح ومحيط إقليمي يعيش حراكا غير مسبوق. غير أن جذوة الأمل التي كانت مشتعلة خلال الأيام الأولى من عهد الحكومة الجديدة، بدأت تخبو تدريجيا، وعاد معها الشك من جديد. وبعد اقتراب اليوم المئة من عمر الحكومة، مازال المواطن البسيط ينتظر تدابير عملية تحول الآمال المعقودة على هذه الحكومة إلى إجراءات ملموسة.
تعود المشهد السياسي المغربي على منح الحكومة " هدنة " من 100 يوم قبل أن توجه إليها سهام النقد من الصحافة والتشكيلات السياسية المعارضة، لكن الحكومة الجديدة منحت لنفسها وضعا اعتباريا منذ ولادتها سواء من خلال التصريحات التي أطلقها عدد من أعضائها، أومن خلال التركيز الإعلامي على الحياة الخاصة لبعض الوزراء المنتمين تحديدا لحزب " العدالة والتنمية". بل إننا سمعنا خطابا حماسيا بالغ في تقديم الوعود ورفع حجم الطموحات. وفي عز الحماس الذي رافق تنصيب الحكومة في الأيام الأولى من شهر يناير الماضي تحدثت بعض الأوساط عن برنامج استعجالي على صلة بالوضع الإجتماعي والإقتصادي يستهدف خمس قطاعات أساسية هي: التشغيل والسكن والتعليم والصحة والقضاء في إطار ما عرف ب "مئة إجراء في مئة يوم". وبعد مرور ثلاثة أشهر كاملة على عمل الحكومة التي أفرزتها أول انتخابات في ظل الدستور الجديد، يبدو من السابق لأوانه إطلاق أي حكم على أداء الوزراء في مختلف القطاعات، لكن هذا لا يمنعنا مع ذلك من تقديم قراءة عامة في إنجازات حكومة بنكيران. ومن المؤكد أن ما تم تحقيقه حتى الآن يمنحنا صورة استشرافية لما يمكن انتظاره في المستقبل.
لاشك أن الخطابات والتحليلات السياسية التي تقدمها الأحزاب عندما تكون خارج دائرة القرار تختلف تماما عن مواقفها العملية عندما تتحمل مسؤولية تسيير الشأن العام. وهذا ما ينطبق على حزب العدالة والتنمية الذي يقود الفريق الحكومي. إذ يبدو أن التفاؤل الكبير الذي أبداه قادة هذا الحزب بعد فوزه في الإنتخابات التشريعية بدأ يصطدم بحقيقة الواقع والميدان. فالرغبة في الإصلاح وحدها لا تكفي والنية الحسنة لا تعني شيئا إذا لم تقترن بأفعال ملموسة يكتشف معها الشارع المغربي أن شيئا ما يتغير في البلد. لذلك مازالت انتظارات المغاربة تراوح مكانها حتى في القطاعات الإجتماعية التي تتطلب تدابير وإجراءات واضحة ومستعجلة. وباستثناء القرار الذي يخص استفادة الفئات الفقيرة من نظام " الراميد" في المجال الصحي، لم يتم الإعلان في عهد الحكومة الجديدة حتى الآن عن أي إجراء ملفت من شأنه أن يؤثر إيجابا على الواقع اليومي للمواطن المغربي بشكل مباشر. إذ لا يمكن لأي أحد أن يقنع الشارع المغربي بأن مجرد الإفراج عن لائحة المستفيدين من " لكريمات" في قطاع النقل هو إنجاز في حد ذاته... كما لا يمكن أن يظل الرأي العام موجها نحو أمور ثانوية يتم استهلاكها إعلاميا على حساب ما يجب أن يحظى بالأولوية في الأداء الحكومي. إذ مازال الواقع اليومي يحفل بالكثير من المنغصات التي تهدد الإستقرار الإجتماعي وتفرض أجواء من التخوف في ما يتعلق بالمستقبل.
لقد بلغ الإحتقان الإجتماعي درجة تنذر بالخطر بالرغم من أجواء الثقة التي سادت الشارع مع تنصيب حكومة " بنكيران"، وما حدث في تازة وبني ملال وآيت بوعياش بالإضافة إلى استمرار مأساة سكان إميضر، يوضح بجلاء حجم التحديات التي تنتظر هذه الحكومة على المستويين الإجتماعي والإقتصادي تحديدا. ثم إن التعاطي الأمني المبالغ فيه مع مظاهر الحراك التي عرفتها هذه المناطق أحيانا حسب تقديرات المنظمات الحقوقية تؤكد أن التوجه العام لا يقطع مع سياسات الماضي بالشكل الذي يأمله الشارع المغربي .... كما أن معضلة بطالة حاملي الشهادات العليا لم تعد تحتمل مزيدا من الحلول الترقيعية التي أدمنت عليها الحكومات السابقة. وعلى مستوى القطاعات الحيوية مازال المشهد اليومي يعرف إضرابات ووقفات احتجاجية بالجملة. وبدل أن تنكب الهيئات الحكومية على تدبير مشاكلها وفق رؤية واضحة ترفع الحيف عن المتضررين وتصحح مكامن الخلل، سارعت الحكومة إلى التلويح بالإقتطاع من أجور الموظفين، والحال أن فرض القانون يقتضي أن يلتزم كل طرف بواجباته. فنحن جميعا ضد عرقلة المرفق العمومي وتعطيل حقوق المواطنين، لكن معاقبة المضرب عن العمل تتطلب تمكينه أولا من حقوقه والإستماع إلى مطالبه في حدود المعقول طبعا.
إن ما مر من وقت حتى الآن ليس كافيا لمحاسبة الحكومة وانتقادها، لكن المعطيات الأولية تثبت أن هذه الحكومة وهي تقترب من يومها المئوي، قد أخلفت الموعد على الأقل في ما يتعلق بتطبيق استراتيجية اجتماعية من شأنها نزع فتيل الإحتقان وحماية الإستقرار المغربي الذي يعد أكبر رأسمال يحق للمغاربة أن يفخروا به ويعملوا على صيانته. أما التدابير الحكومية فلن يكون لها أي أثر إلا إذا مست الجوانب المرتبطة بالإنتظارات اليومية للمواطن المغربي الذي يريد الكرامة والشغل وكل ما يحقق له ولأبنائه أسباب العيش الكريم، وما يرافق ذلك من حرية وحكامة وعدالة...
التعليقات (0)