"القدس ليست أورشليم واليمن هي أرض الميعاد" خلاصة ما يؤكده الباحث العراقي فاضل الربيعي بكتابه الجديد الصادر عن دار "رياض الريس" للكتب والنشر، فالتوراة من وجهة نظر المؤلف في نصها العبري الأصلي لا تذكر بأي صورة من الصور اسم القدس كما أنها لا تطلق عليها اسم أورشليم.
كما يتهم الربيعي بكتابه المعنون بـ"القدس ليست أورشليم: مساهمة في تصحيح تاريخ فلسطين" علماء الآثار والتاريخ التوراتي بتزوير الحقائق عن طريق تقديم قراءة خاطئة للنص العبري؛ فالاسم الحقيقي الذي تذكره التوراة هو "قدش" الذي يرى الربيعي أن وصفه في التوراة ينطبق على جبل قدس المبارك الى الجنوب من مدينة تعز باليمن!.
وينفي الباحث صحة الرواية الإسرائيلية المعاصرة القائلة أن فلسطين هى أرض الميعاد اليهودى، وبالتالي فليست مملكة إسرائيل القديمة فى فلسطين التاريخية، بل هي مجرد تصور يقوم على أساس ضعيف، لأن التوراة لا تذكر بأى صورة من الصور اسم القدس، كما أنها لا تطلق عليها اسم أورشليم.
إدعاء مكذوب
وتعقيبا على هذا البحث الذي نال شهرة واسعة في الآونة الأخيرة ، يرى الدكتور عبادة كحيلة أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة أن طرح الربيعي مبني على الإفتراضات وتشابه المصطلحات وليس الحقائق العلمية وقال أن الباحث في قضايا شائكة ومتشعبة مثل تاريخ فلسطين عليه أن يكون ملما باللغات القديمة العبرية والسريانية وأيضا لغة اليمن القديمة سواء كانت الحميرية أو غيرها بالإضافة إلى إلمام كبير بتاريخ فلسطين القديم وتاريخ اليمن فضلا عن تاريخ الأديان.
وأكد كحيلة لـ"محيط" أن القدس أو بيت المقدس هم الاسم العربي لعاصمة فلسطين، وأورشليم هو الاسم العبراني لها، والقدس اسم موجود في مواردنا العربية منذ أزمنة بعيدة، وما المسميان بجديدين، أما دعوى الربيعي أن اليمن هي أرض الميعاد فهي مستغربة ؛ حيث ورد في سفر التكوين أولى أسفار التوراة أن المقصود بأرض الميعاد فلسطين وليس أي مكان آخر.
ويتهم كحيلة الربيعي بتأثره بـ "التقاليع الغربية" التي تتجه إلى الترويج لأفكار غريبة مثل الجماعة الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعي اعتناقها الديانة المصرية القديمة، وتقديس الهرم الأكبر، ويسير على هذا النهج كثيرون هذه الأيام ممن يأتون بأفكار ونظريات يصعب التعامل معها علميا.
أورشليم والقدس
في حديثها أكدت دكتورة زبيدة عطا أستاذة التاريخ المتخصصة في العصور الوسطى، والتي أصدرت مؤلفات عدة عن تاريخ اليهود أن اسم القدس مرتبط باسم أورشليم التي تعني مدينة السلام، و القدس لم تذكر بهذا الاسم في التوراة لأن اورشليم كانت هي الكلمة المستعملة آنذاك ولا خلاف في ذلك حيث ان اليهود أنفسهم يقولون في إذاعاتهم :"من أورشليم القدس".
ورفضت عطا الزعم الذي ينادي به الباحث العراقي فاضل الربيعي من أن اليمن هي أرض الميعاد التي يقصدها اليهود موضحة أنه طرح جديد لا أصول علمية له ولم يشر إليه أحد من أساتذة التاريخ من قبل.
وذكرت لـ"محيط" أن اليهودية وافدة إلى اليمن وليست أصيلة فيها، فقد كانت المسيحية هي ديانة أهل اليمن ثم اعتنق بعض سكانها اليهودية نتيجة التجارة، وترى أن قصة أصحاب الأخدود التي يذكرها القرآن هي قصة مسيحيي نجران في اليمن الذين اضطهدهم حاكمهم ذو النواس الذي اعتنق اليهودية، ثم جاء الأحباش وقضوا على هذا الحاكم الطاغية.
كما عرجت صاحبة كتاب " يهود العالم العربي- دعاوى الاضطهاد" على تاريخ اليهود قبل دخولهم فلسطين مؤكدة أن فلسطين لم تكن أرضا لهم أبدا، فهم جاءوا من أور إلى فلسطين التي كان يسكنها الكنعانيون وقوم يدعون "الفلسطينيون" الذين تنتمي إليهم قصة "شمشون ودليلة" التي جاء ذكرها في التوراة، ثم جاء العبرانيون حتى قال البعض أن اللغة العبرانية مأخوذة من الكنعانية.
فاضل الربيعي مؤلف الكتاب
فهؤلاء العبرانيون لم تقم لهم مملكة إلا جزء يسيرا من الزمن هي فترة مُلك أنبياء الله داوود وسليمان ، عليهم السلام، ثم انقسمت تلك المملكة إلى يهودا والسامرة ثم أُُخرج العبرانيون من المنطقة على يد البابليين والآشوريين.
وفي هذا الصدد تشير عطا إلى نفي الباحث السوري فراس سواح وجود العبرانيين من الأساس، معتبرا إياهم جزءا من الكنعانيين تم استعبادهم.
وبدوره يتفق المؤرخ المصري الدكتور عاصم الدسوقي مع دكتورة زبيدة في أن القدس هي أورشليم التي تتكون من مقطعين أور وتعني مدينة، وشاليم وتعني سلام لتصبح مدينة السلام، والقدس بلغة التوراة تعني أورشليم وتسمية العرب لأورشليم بالقدس هي تسمية بابلية، وأوضح الدسوقي في حديثه لـ"محيط" أن سبب تسمية العبرانيين بذلك لأنهم عبروا نهر الفرات وأقاموا هذه المدينة، رافضا بشكل قاطع ما ذهب إليه الربيعي من أن اليمن هي أرض الميعاد المتظرة لليهود.
يذكر أن فاضل الربيعي ولد في بغداد عام 1952 ونشط في الميادين الأدبية والفكرية والسياسية منذ مطلع شبابه, بلورت نشأته السياسية في اطار الحركة اليسارية العراقية وعيه، ترك الأدب وطور اهتماماته باتجاهين: دراسة التاريخ القديم ودراسة الأساطير، في عام 1996 هاجر الربيعي إلى هولندا ليستقر فيها ويكتسب الجنسية الهولندية، وهناك كتب كثيرا عن فلسطين مثل كتابه "فلسطين المتخيلة : أرض التوراة في اليمن القديم" وهو خمسة كتب في مجلدين كبيرين بعد دراسته للغة العبرية وللكتاب المقدس العهد القديم.
التعليقات (0)