مؤتمر حماية طوائف لبنان من الحزب الإرهابي
لا زلنا بالتدليل والتحليل نحاول الإضاءة على الزوايا المظلِمة في مسرح الأحداث بفعل سياسة التضليل التي ينتهجها الحزب الإرهابي التكفيري الذي يستثمر في إجرام "داعش" ليُخفي تاريخ إجرامه الماضي والحاضر، ويَنفي حقيقة كونه أخطر منها، نعم أخطر، وفي المَظهَر قبل المَخبَر؛ فإذا كانت "داعش" اختارت "الإسلام" لترتكب باسمه إجرامها فإن "حزب الإرهاب المنظم" فاقها جرأة على انتهاك المقدسات حيث اختار "الله" تعالى مباشرة ليرتكب باسمه إجرامه وينفذ مشروعه.
"حزب الإرهاب المنظم" أخطر من داعش؟ نعم، هو كذلك خصوصًا من ناحية تكتيك بلوغ الأهداف الاستراتيجية وإن تساوى الفريقان في النتيجة العملية التي هي الإرهاب؛ فتكتيك داعش يمكن اختصاره بسياسة "اللعب على المكشوف" فما من جريمة ترتكبها (قتل ذبح تهجير تنكيل) إلا وتمهرها بتوقيعها وتوثّق كافّة تفاصيلها بالصوت والصورة مع تحديد الزمان والمكان وأحيانًا الهدف التالي... هذا التكتيك الوقح من حيث تبني أعمال الإجرام والمفاخرة والتحدي بها جعل من ذلك التنظيم يكتسب العداوة والكراهية بسرعة قياسية، بل جعلت من اسمه صفة ذات دلالة أبشع من صفتَي الإجرام والإرهاب حتى أمسى مصدرًا تُشتقّ منه الأفعال والكلمات فيُقال: "دعَشَ يدعَشُ دَعْشًا وداعِشِيّة، فهو داعِش وداعِشي ودُعَيْش والجمع دَوَاعِش"!
في المقابل، نجد تكتيك "حزب الإرهاب المنظم" يعتمد "سياسة التقيّة" أي "اللعب في الخفاء" إذ غالبًا ما يكون الظاهر المعلن مخالفًا للمَخفي المُبطَن... ففيما عدا الجرائم التي يستحيل إخفاؤها مثل غزوات أيار2008 الإرهابية (التي وصَفها بـ"المجيدة") وقتْل الشعب السوري (الذي وضَعه في خانة "الواجب الجهادي") نجد الحزب الإرهابي حريصًا على عدم التوقيع على الجرائم التي يرتكبها أو بعبارة أخرى يفضِّل التوقيع عليها باسم "إسرائيل" شمّاعته الشهيرة، ومنها على سبيل المثال جريمة اغتيال الرئيس "رفيق الحريري" التي احتاج كشْف تفاصيل مسؤولية الحزب عنها 9سنوات و4 لجان تحقيق دولية. نعم، كلاهما في غاية التقزُّز والبشاعة لكن أيُّ الجريمتَن أبشع وأخطر؟ تفجير منطقة سياحية سكنية مأهولة بأكملها بغرض قتل إنسان واحد واستهدافه بشاحنة تحمل 2طن من المواد شديدة الانفجار، أم إعدام الإنسان المستهدف وحده بقطع رأسه بسكينة؟! وهل قتل جميع المعارضين "أدعَش" أم تقويض ثورة مليونية من خلال تصفية قادة الرأي والشخصيات الواعدة فيها؟
أبْعَد من ذلك نسأل: أيهما أخطر وأكثر خبثًا ومكرًا؟ تكتيك المجاهرة بعداوة الطوائف الدينية المخالفة (بما فيها السنّية) ثم تهجيرها عبر إعلان الحرب عليها وإرغامها على مغادرة أراضيها لأنها لم ترضخ لإرادة المجرم الداعشي، أم تكتيك الإبقاء ماديًا على وجود الطوائف المخالفة (بما فيها الشيعيّة) في أرضها لكن مع الهيمنة على قرارها وتطويعها واضطهادها عبر إلغاء وجودها السياسي والمعنوي ومصادرة حقوقها ثم المتاجرة بهذا الوجود المادي المفرّغ من أي مضمون عملي عبر ادعاء احترام الرأي الآخر وحماية الأقليات وعدم انتهاج سياسة طائفية تكفيرية؟!
أولى الطوائف المهجرة معنويًا عن وطنها كانت الطائفة الشيعية حيث احتكر الحزب الإرهابي قرارها وألغى الرأي الآخر داخلها مُبقيًا (بعد معارك دموية طاحنة) على "حركة أمل" كأداة تحت وصايته يستخدمها عند الحاجة لتظهير الخلافات التي يفتعلها على أنها سياسية لا تابعة لمشروع طائفي حاقد، كتعطيل الحزب مثلاً نِصاب جلسات انتخاب رئيس الجمهورية المسيحي ثم أمره نواب الحركة بحضورها. أما الطائفة السنيّة فجرى تهجيرها معنويًا بواسطة قتل زعيمها الوطني الاستثنائي "رفيق الحريري" ثم تمّت السيطرة عليها من خلال ابنه "سعد" الذي أتى بالوراثة فاقِدًا مؤهلات القيادة فكان خاصرة 14 آذار الرخوة ونقطة الضعف (talon d’Achille) التي عرف الحزب الإرهابي كيف يستغلها لانتزاع التنازلات القاتلة من الفريق الاستقلالي. وكذلك الطائفة الدرزية، استطاع الحزب تهجيرها معنويًا وامتلاك قرارها من خلال اخضاع زعيمها على أثر غزوة أيار الإرهابية مع تركه له هامشًا محدودًا للمخالفة (كما في الشأن السوري) لدواعِ شعبوية "جنبلاطية" لا أكثر. أما الطائفة المسيحية فتمكّن الحزب من تهجير نحو نصفها بعد إبرامه صفقة العودة مع الجنرال عام2005 ثم ورقة الخضوع الذليل عام2006، فيما بقي النصف الثاني من المسيحيين متشبثًا بمبادئه وهويّته وعزّته الوطنية ما استدعى محاولة فاشلة لاغتيال الزعيم والقائد المسيحي المشرقي الأول "سمير جعجع" حفظه الله من داعشيّتهم.
"مؤتمر حماية طوائف لبنان من اضطهاد الحزب الإرهابي" بات اليوم ضرورة، ذلك أولى من هرولة البطاركة وبعض أحزاب 14آذار الى واشنطن للمشاركة في مؤتمر بانت مؤامرته في طلب حماية مسيحيي الشرق من الإرهاب التكفيري حصرًا وبالتالي التسويق للمضطهد الأول لجميع الطوائف، محور الشر السوري-الإيراني.
عبدو شامي
20/9/2014
التعليقات (0)